صاعداً جبلَ الغوايةِ
لا يمَلُّ التوقَ و السفرَ المباغتَ و السهر
يلتقي الضدانُ حينَ يبوحُ
و الأفلاكُ تضطربُ انتشاءً بالذي تَلقَى
إذا أرخى منازلَه ونام
ليس مايُغويه في مدنِ الرمادِ
و لا على أطرافِها
ترتاحُ عيناه أو تُلقِي لها أسماعُه بالاً
و يورقُ صمتُه شجراً جديداً
حيثُ قام
كائناً فرداً
و نداً للتراب
على مدارِ الوقتِ
يهذي بالحقيقةِ مُذْ تجرَّعَها وليدًا
و استشاطَ بها
لتتبعَه الجهاتُ
و تشتهي دَمَه قرىً محصنةٌ
و بعضٌ من شعوبِ الأرضِ
ترقب سيرَه نحو الغَمام
قالت الأعراب :
" قاتلنا
و لكن في بلاد الشام و اليمنِ السعيد "
فاسْتَلَّ قافيةً و أغطشَليلُه
ليبدأَ حربَه الأخرى
في هديرِ الرملِ
أو أُفُقِ الكلام
مزدحمًا بما يخشى استهلَّ قيامَه
ثمَّ أوصى أهلَه
و أقسمَ أن يجاهرَ بالفضيحةِ
و اشتعال الحزنِ
في دمه المُغلَّفِ بالحكايا
و الأناشيدِ القديمةِ و الجروح
عند اشتعالِ الدمعِ في الشفتين
يحملُ ظلَّه
و يشيرُ للغادينَ و الرُوَّاحِ
أن هيَّا
فبطنُ الأرضِ
أشهى من جنونِ الحربِ
و الموتَى همُ النسَّاكُ
و العصيانُ ممسوسٌ بفلسفةِ الجنوح ..
قادت ا لأنهارُ خطوتَه
إلى طَبْعِ الترابِ
لعلَّه يدري الذي أبقى
سطوعُ الشمسِ من وَهَجٍ و مسغَبةٍ
لعشَّاقِ المواويلِ العتيقةِ
و المتاهةِ و السَفَر
ما الذي يدريه غيرَ الناسِ
هذا الكائنُ الطينِيُّ
و الفوضى هي العنوانُ
و الآتون من رحِمِ الموائدِ والدخانِ
مكبلون
لا يعرفُ الماشون خطوتَه
فهو البعيدُ
إذا ما هَللتْ أفياءُ أرض الله
في وجه الغزاة
و سمَّتْ ثورةَ الغرباءِ في أوطانِهم
رِجْسًا توهج في وشاحِ الدم
منحدَرًا و نهجًا لا يليق ..
تسربت كلماته الأولى
بوادٍ غيرِ ذي نهرٍ
و غيمٍ لا يلُفُّ عِمامةَ الماءِ المُقدسِ
لا يزورُ أرضَ التينِ
و الزيتونِ و البلدِ الذبيح ..
ليس يُسْلِمُ وجهَه للشرقِ
لا يتسلقُ الجدرانَ
مأسوراً بما حملتْ
من جناحِ كتابةٍ
أو حفظتْ من المجدِ التليد
كانت صرخةُ الميلادِ
في جَنْبَيه تشهقُ
و الجروحُ تُفارقُ الكَفَيْن
حينَ تغافلُ الحُرَّاسَ خُطوتُه
لترسمَ دربَها للراحلين
ثم تقولُ للآتينَ :
" عُدْتُم قبلَ ميعادِ الحقيقةِفاستريحوا"
مَنْ سواه سيشتري نارًا
و يزرعُ في سُفوحِ رَمادِها وعدًا
ليومٍ مُقبلٍ
وفاتحةً لقافلةٍ جديدة
تكفي إشارتُه
كي يُقْبِلَ الشهداءُ
في صحفِ الصباحِ مُكَللين بمجدِهم
و يشاطرُ الأطفالُلَغْوَ النادباتِ
و ثرثراتِ الحزنِ في التلفازِ
أو موتَ الأراملِ في الأَسِرَّةِ و العُيون ..
يكفي قليلٌ
من سُهَادٍ أو بُكاءٍ كي يُزيحَ هُمومَه
و يُفَتِّحَ الأبوابَ للفجرِ المُناوئِ
يستعيدُ غَمامَه
و يرشُّ برقًا زاعقًا فوق الطُلول
قد يشتهي
نَزَقَ الرحيلِ إلى مَشاهدَ يشتهيها
أو يلُمُّ الريح من أطرافِها
كي يوقفَ الزلزالَ في جسدِ الخريطة
و يصاحبَ الأحجارَ
من وطنٍ إلى وطنٍ ..
و يُغلِقُ بالترابِ المُرِّ أفواهَ الغُزاة.