الخميس 09 مايو 2024 - 06:31 مساءً - القاهرة

     

 

 

               

 

  أحدث الأخبار

 

 

  الأكثر قراءة

 
 
 

ما أسباب تراجع الأغنية

  ازمة صوت

  ازمة كلمة

  ازمة لحن

  غياب دور الدولة في تبني أصوات جادة


نتائج

 

 
 

الرئيسية عالم المرأة نرمين عيد تكتب عن : الأم تريزا والمحبة الانسانية

 

 
 

نرمين عيد تكتب عن : الأم تريزا والمحبة الانسانية

  الأربعاء 20 مارس 2019 11:30 صباحاً   




 

إن أيقونة جسد الأم تريزا تفتح وعينا علي الجسد الإنساني الواقعي اللامحدود الطاقة، فالجسد ليس بدنا، بل هو حامل قوة أولية نابعة منه تتخطى وتتجاوز كل الخطوط الإرشادية، جسدا طبيعيا واقعيا لا يقبل التعامل مع الأحلام الزائفة بل يحتفي ببكارته الجلدية وبدق بصمات الزمن عليه ولغته مكتسبة من القاموس البيئي ( ينظر إلى الجسد في امتداده داخل البيئة، بحيث تنتمي المعدة مثلا إلى البيئة بالقدر نفسه الذي ينتمي اليها بستان الخضروات في المقابل يصبح بستان الخضروات ذاته جزءا من جسم المريض بالقدر نفسه الذي تنتمي المعدة اليه [ لذا لا ينظر اليه كجسد آلي يخضع للامدادات التكنولوجية، بل جسدا بيئيا حاملا لتاريخية نفسإجتماعية ] فيؤخذ بعين الاعتبار بيئة المريض وتاريخه الشخصي فالقرحة مثلا ليست مجرد مرض عضوي بل هي جزء من السيرة الذاتية. والمرض ما هو إلا اضطراب في المجرى التنظيمي للحياة) متجاوزا بذلك رؤية الجسد الاستعراضي التي لا تنظر اليه إلا بوصفه "بدن" المرتبط  بمادية الجسم  المكتنز باللحم  والشحم أما  الجسد هنا  فيرتبط  بمصطلح الجسم المتصل بالنفس التي بإقامتها داخله تمنحه بعده الإنساني، جسد منفتح على أعماقه السيكولوجية والسوسيولوجية ، جسدا متعايشا مع العالم وملتحم بكل تفاصيله لا يفصل بين ذاته والعالم، جسدا واقعيا مرتبط بآلياته الإنسانية بغض النظر عن جمالياته الشكلية، فالنفس القابعة داخله هي التي تمنحه جماله وقبحه الفعلي وتتميز أجساده بإمتلاكها تاريخا وذاكرة فهي أجساد روحية قادرة على بث الأمل والسلام والمحبة أينما حلت بغض النظر عن جمالياتها الشكلية أو ضعفها وعجزها الظاهري. فأجسادة قد لا تعرف الجماال السطحي لكنها منغمسة في الجمال الروحي النوراني فالايقونة البصرية" الأم تريز(Mere Teresa" بجسدها الضعيف وقوامها النحيف المنحني ورداءها البسيط الناصع البياض الذي يحفه اللون السماوي وكأنها ملاكا حارسا سماويا قادما من نورانية الملكوت الإلهي نموذجا للجسد الإنساني الواقعي المتوحد مع الكونية مبشرا بالمحبة والسلام ويحثنا على التواصل اللامحدود، إذ تجسد بوضعيتها الثقافية نبذ الأنا الفردية ويدعو للمشاركةالخلاقة للحياة، ومن ثم تجلت تلك الأيقونة في الكثير من الفنون البصرية رمزاً للجسد والمحبة الإنسانية وقد تختلف الرؤى وأساليب الطرح إلا انها تظل رمز للإنسانية وفي عرض" ألام تريزا وأطفال العالم" mother Teresa and children of the woorldلفرقة موريس بيجا )يرتكز العرض على أربع مؤلفات كتبتها في حياتها عن السلام العالمي، ويخلق النص علاقته الثقافية والجمالية مع "الأم تريزا" وفق عتبته الأولى إذا يشير اسم العرض إلى اختيار بيجار لزاوية الرؤية الخاصة بالعرض الأم تريزا بوصفها مكرزة ومعلمة المحبة ولا يستبعد هنا الإشارة إلى عملها الأول إذ كانت تعمل مدرسة،  ومن ثم كان العرض ترجمة لرسائلها التعليمية الأربعة عن السلام التي أرسلتها للعالم أجمع، فالعالم الإنساني كالأطفال يحتاجون للتدريب والتعليم ليتسنى لهم قهر طبيعتهم الحيوانية الجامحة المتعطشة للعنف والدماء ولتدربهم على نبذ آناتهم الفردية لكي يتمكنوا من تفهم المحبة الإنسانية وبالتالي فهم بحاجة دائمة للتدريب والجهاد النفسي المستمر لذا أعلن العرض" تذكروا تمارين الحب"  فرغم غيابها تظل كلماتها ومقولاتها وأفعالها درسا لكل الأزمان وتبشير للحب، فالأجساد الروحية لا تعرف الموت فجاءت الحركة الجسدية متوافقة مع فكرة التعليم والتدريب فخضع العرض لتدفق وقوة الحركة المستمدة من القاموس الرياضي والحركات العسكرية والبدنية في مرونة وقوة في آن ، مازجا بين قوة الإرادة وصلابتها ومرونة الروح وعذوبتها وإنصاتها لعذابات الإنسانية ، وكما كرزت الأم تريزا للعالم بأسِرِه ضم العرض أجساد متابينة الأحجام والألوان والأعراف، وتمازجت فيه الأصوات ما بين موسيقى محلية هندية وموسيقى كلاسيكية ومقتطفات عالمية وإلقاء للكلمات الواردة في مدوناتها الأربعة ويظلل كل هذا اغنية الرثاء، وكما خاضت" الأم تريزا " معركتها مع الحياة ضد البؤس والفقر والمرض بجلد وصبر وقوة لا يثنى عزمها ضعف أووهن الجسد الذي تخلي عن رغباته واحتياجاته مستبدلا اياها بأحلام الإنسانية جمعاء، اتخذ العرض من عصا الأم شعارا  ومتكئاً جماليا وحركيا.



[i]ز العرب لحكيم بناتي، الجسد والجسم والهوية ، عالم المعرفة (37) / 2009.

[ii]- الأم تريزا: أسمها الحقيقي أغنيس غونكز ابوجاكسيو راهبة اوربية تحولت إلى قديسة محلية  لمدينة كالكتا الهندية بجانب كونها راهبة عالمية ولدت في 26 اغسطس 1910 في قرية سوكجية من عائلة متدينة مهاجرة من يوغسلافيا أصلها من ألبانيا وكانت تعمل في الفلاحة، وفي عام 1931 دخلت أغنيس في سلك الرهبة واتخذت اسم الأخت تريز، وفي عام 1937 نذرت نفسها وأصبحت الأم تريزا وعملت قبل تكريس نفسها للعمل الخيري  في مدرسة طيلة سنوات ولم تكن في عملها تختلف عن أي مدرس أوروبي في آسيا وأفريقيا وجاءت لحظة التغيير في عام 1946  مع وصول حركة استقلال الهند الي ذروتها وبتأثيرات من غاندي دخلت مرحلة جديدة من حياتها الروحية جعلتها مشاركة فعالة وناشطة اجتماعية ليس فقط في كلكتا بل في ما يقرب من مائة بلد، حازت على جائزة نوبل للسلام عام 1979 وتوفيت في كالكتا في 5 سبتمتبر 1997 بعد رحلة مع المرض بعدما كرست حياتها لخدمة البؤساء على الأرض من المرضي والفقراء.

[iii]- قدم عرض" الأم تريزا وأطفال العالم"- فرقة  Mو"موريس بيجار" على مسرح الجمهورية بالقاهرة عام 2003 ، تصميم وإخراج موريس بيجار، وقامت "مارسيا ها يدي " مديرة فرقة بالية شتوتجارت سابقا ومديرة فرقة Mالتي أنشأها بيجار بتجسيد دور" الأم تريزا."

 

أخبار اخرى فى القسم