-1-
يراها طفلة جميلة بضفيرتين صغيرتين على جانبي وجهها المستدير
حتى بعد أن كبر وصارت يافعة ً وجميلة ً وعمياء قنع بأن يراها ، ولعن العمى - حرمها أن ترى وجهه العاشق الحنون -
عندما أصابها الصمم قال : تراني وتسمعني في خيالها - يعتقد في حضوره الطاغي وهالته المؤثرة - لم يصدق وقتها أنها بلا خيال
وجاء يوم توقف قلبها عن الخفقان ، وعقلها عن الإدراك ، وصدرها عن التنفس
قال الأطباء : ظاهرة نادرة ، ولكنها موجودة هذا قدرك - يعلم أنها قدره حتى قبل أن يخبروه بهذه الحقيقة المخيفة -
ثم صحا من النوم فجأة ً فوجدها قد تبخرت ، فزع ، وصرخ ، نادى أمه ، وإخوته ، والجيران ، الجميع قالوا : سلامة عقلك ، إنها موجودة – حتى وإن كانت لاترى ولا تسمع ولا تحس – هي موجودة ، كيف لا تراها ؟
مع الوقت تقبل الأمر فالوجود والعدم من المسائل النسبية كما تعرفون
-2-
قال الطبيب العطوف ، بصوته الهادئ الرزين ، والحاد كنصل : سرطان ، مرحلة متأخرة خرج من حجرة الطبيب ، نظر إلى أخته وأمه ولم ينطق - هما أيضا لم يسألاه - هكذا دائما كتاب مفتوح ووجه شفاف - مشى صامتا واكتملت الدورة القاسية
عاما كاملا يحتضن الموت ، لحظة بلحظة تذوي الوردة ، قطرة فقطرة يجف العبير عينان غائرتان ، في وجه خال من الملامح ، مثل كهف يسكنه الموت
يقول الطبيب : معجزة حقيقية ، إنها تتحدى الموت كان قلبها حاضرا ، وكذلك لسانها – وإن تلعثم أحيانا بفعل المخدر – تسال : ألم يتصل فلان ؟
فلان زوجها فر منها في محنتها ، إلى بلاد النفط - وهي التي وقفت إلى جانبه حتى صار شيئا مذكورا -
تنظر في عيني وتقول بثقة : سيأتي ، وسترى في كل يوم تؤكد : إنه قادم
إنه قادم
في الليلة الأخيرة ، أشرق وجهها ، وعادت الروح ، ظننت والطبيب أنها قهرت السرطان نظرت في عيني وقالت : أنت على حق – دائما كنت على حق – لن يأتي ، ثم أغمضت قلبها وعينيها
😚
اكتشفتُ أنني تعلمتُ أن أتبخر ، أصبح موجودا وغير موجود ، أجلس بين الناس ، أراهم ولا يرونني ، أسمعهم ولا يسمعونني ، واستمتعت ُ باللعبة
بدأتْ صدفة ، ثم أمسكتُ أسرارها أنظرُ في عيون الناس المفتوحة وأتعجب ، كيف لا يروْنني ؟
شككت أنها تراني ، أو هكذا خيل إلي ,
تقطرُ أنوثة وحنانا ، نظرتُ في عينيها فاستترتْ بالناس ،
هي تراني ، بالتأكيد تراني وعرفت أنني عرفت ،
أنظرُ في عينيها وتنظرُ في عيني 00 تحكي لي وأحكي لها ، أضعُ يدي في ذراعها ، نخترق ُ الشوارع ، والبيوت ، والأجساد ، والأصوات
قالت : أنا مريضة
قلت : أعرف ُ - لم أشأ أن أقول : رأيت الموت في عينيك –
قالت : أحسُ بدبيبه يسلبني روحي قطعة ً فقطعة
قلت : لن يأخذ منا إلا ما نسمح ُ به سنقاتل ، وننتصر
قالت : إنه الموت كيف ننتصرُ على الموت ؟
قلت : نموت في وقتنا بالتمام
لاقبل ، ولا بعد
قالت : لم أعد ْأنظرُ في المرآة
قلت : انظري في عينيّ ، أنا مرآتك ، أنت الأجملُ والأشهى
-4-
على شاطئ البحر ، أضعُ أختي فوق الدراجة السوداء الكبيرة ، أدفعها ، ثم أجري خلفها تسقط ُ فوق الرمال البيضاء ، تتسلخُ قدماها ،
ونضحك ُ من القلب
في البيت الخشبي القديم ، تزحفُ على ركبتيها المضمدتين وتبكي ،
تضع ُ جسدها الصغير ، بين مهوى العصى ، وجسدي الصغير
" والنبي يابابا تسامحه المره دي عشان خاطري "
هلموا إلي
يا أحبائي
أفتح بيتي
قلبي لكم
وخيالي
هلموا إليّ أمنحكم
حضورا جديدا
وحياة أجمل