الثلاثاء 21 مايو 2024 - 10:38 مساءً - القاهرة

     

 

 

               

 

  أحدث الأخبار

 

 

  الأكثر قراءة

 
 
 

ما أسباب تراجع الأغنية

  ازمة صوت

  ازمة كلمة

  ازمة لحن

  غياب دور الدولة في تبني أصوات جادة


نتائج

 

 
 

الرئيسية تقارير الناقدة اليمنية الدكتورة سلام المحنش تكتب عن :الإبداع اللغوي عن عبد العزيز المقالح

 

 
 

الناقدة اليمنية الدكتورة سلام المحنش تكتب عن :الإبداع اللغوي عن عبد العزيز المقالح

  الجمعة 17 يناير 2020 01:44 مساءً   




إن تتبع اللغة الشعرية عند المقالح لا يعني تتبع اللغة ذاتها وإنما تتبع واستشعار الإبدع اللغوي الكامن فيها وما يعكس من جماليات متفردة بالمعاني والرؤى. فالشعرية عند عبد العزيز المقالح سارت مشبعة بطاقة لغوية تتجلى بين سطورها، وتشف عن ثراء لغوي وتنوع أسلوبي سواء أكان على مستوى الإفراد ودقة اختيار المفردة وتوظيفها في السياق، أم كان على مستوى التركيب ونسج شبكة من العلاقات والمعاني النحوية؛ الأمر الي شكل بناءً فنيًا لغويًا محكمًا. واللغة الشعرية للشاعرهي خلق وإبداع يصنعها من خلال بناء الكلمات، وإقامة علاقات جديدة بينهما؛ إذ تُقدم الرؤية بقيم فنية لغوية تحقق الشعرية وتولد دلالتها واحتمالاتها المتعددة. فحيوية اللغة تكمن في كونها ركيزة المعنى في البناء الفني، فهي حياة وتجدد تتناول النصوص الحية التي تحاكي المجتمع وتمس قضاياه، بعيدا عن الصورة النمطية للغة التي تحصرها في الشكل بأمثلة جامدة وجافة، وإنما تغوص في البنية العميقة للنص لفهم تراكيبه وكشف أسراره. إن مقاربة الشعرية من خلال اللغة هي مقاربة للمدخل الصحيح الذي يوصلنا لفهم أسرار البناء الجمالي، ذلك إن العمل الأدبي صناعة فنية لغوية بالمقام الأول، فهو نظام لغوي خاص داخل النظام اللغوي العام، يقول مالا تقوله اللغة المألوفة أو القياسية، ويخفي أكثر مما يقول، يتآلف مع المتلقى حينًا ويعانده أحيانا كثيرة، يعينه على فهم غير المقصود، ويراوغه في فهم المقصود؛ وهو في كل ذلك يسعى به إلى الغموض والمجاهدة. واللغة الشعرية عند المقالح تميزت بغزارة الإنتاج والإبداع، وانحازت لغتها إلى الكثافة، فهي تختزل كثيرا من التفصيلات، وتنتج المعنى الشعري في عبارات بسيطة، وألفاظ واضحة، وهذا لا يتحقق إلا مع شاعر لازم اللغة والثقافة حتى تشربها؛ فحقق الإثارة الشعرية، وصنع بصمته الإبداعية. ولنأخذ على سبيل المثال التوظيف الفني للمفارقة حينا يقول: أفوضُ أمري إلى الله، أسأله عن عدوٍّمن الناسِ كان صديقي وأسأله عن صديقٍ من الناسِ كان عدوي، وعن كُتُبٍ كنت أقرؤها، فيزيدُ بفضلِ القراءةِ جهلي، وعن بلدٍ كنت أحسبُهُ وطني وأرى فيه أهلي، هنا نلمس الفن في الصناعة الشعرية، فقد استخدم المقالح مع بداية النصية بنية العكس (أسأله عن عدوٍّمن الناسِ كان صديقي، وأسأله عن صديقٍ من الناسِ كان عدوي)؛ وهذا المعنى انتشر في باقي الأبيات، فكلما أمضينا في قراءة النص؛ تبين شيئا فشيئا، وشكل المشاعر الجزئية؛ فالحزن يجيء من المعرفة، وبدلا من أن تكون المعرفة طريقًا للنور تكون طريقًا لعالم الضاب، والمنفى هو الوطن، والغربة بين الأهل. فالبنية العكسية بدأت مع النص وامتدت سياقيًا إلى نهايته، فكانت انعكاسًا لتجربة الحياة، وشفت عن مضمون العالم الحقيقي القائم على أساس التناقض، والذي تضيع فيه المعالم وتتداخل الحدود. هذا على المستوى الصوتي، أما على المستوى التركيبي فقد وظيف المقالح هذه القيمة اللغوية؛ فأنتج الفنية وبعث كوامنها الجمالية فحين يقول: سوف تبقى معي في ضريح تلاشت معالمه نجد في قوله: (في ضريح تلاشت معالمُه) أنها بنية وصفية، يلجأ إليها المتكلم منتج النص لغاية دلالية يقصد منها توضيح المنعوت أو تأكيده، وقد يقصد منها الإبهام على المتلقى. فإذا عدلنا الجملة وقلنا: (تلاشت معالم الضريح) تحولت إلى جملة نثرية عادية عبارة عن فعل وفاعل؛ توحي بأن المتلقي له معرفة سابقة بالضريح، والذي يجهله إنما حالة التلاشي فقط؛ فتم إخباره به، أي أن هناك عهدًا ذهنيًا بين المرسل والمستقبل حول معنى الضريح. لكن الشاعر انحاز إلى البنية الوصفية؛ ليلغي هذا العهد؛ وهنا يبرز سؤال؟ هل أدت الصفة دورها الوظيفي في توضيح الموصوف، أم أدخلته في دائرة الإبهام، وأي ضريح يقصد الشاعر؟ هل هو ضريح المحبوية؟ أم ضريح الوطن؟ أم ماذا؟ لاسيما وأنه قد استخدم المفردة (ضريح) نكرة؛ فدلت على مدى الغموض والإبهام؛ وانفتحت احتمالات ودلالات متعددة. النموذج الثالث والأخير؛ حرصا على التزام الوقت يقول في بداية الشعرية: سيدتي.. لستُ أنا الذي كتبتُ هذا السطرْ فالتركيب اللغوي التأكيدي في (لست أنا) مهد على إنتاج المعنى الشعري، ولكنه تمهيد تأكيدي، فقد ورد المؤكد وهو ضمير المتكلم المتصل في (لست)، وورد التأكيد (أنا) وهو ضمير المتكلم المنفصل، فالعلاقة بينهما هي تكرير الذات التي تنسحب إلى نهاية النص، فيكون تأكيدًا بداخل تأكيد؛ فتأتي الأبيات الشعرية متلاحقة في تأكيد مكثف،: لستُ أنا الذي كتبتُ هذا السطرْ لستُ أنا الذي حفرتُ هذا القبرْ لستُ أنا الذي ناديتُ وجهَ الحربْ لستُ أنا لست أنا لستُ أنا الذي هشَّمتُ وجهَ هذا الوطنِ الجميلِ هذا الوطنِ الشَّظايا فالتأكيد هنا تأسيسي؛ أي أنه في كل سطر يرد؛ يحمل معنىً آخر، وإن تشابه على مستوى الشكل الصياغي. ومن تمَّ كان تقديم الذات لغويًا من خلال تعدد الأصوات بين الصعود والهبوط، واختلاف الحركة التعبيرية له وظيفة دلالية جمالية، عمل على إبراز الذات، وفرض حضورها، ولكنه حضور هش وضعيف، يتركها وحيدة في رؤيتها الحزينة لوطنها المتشظي، ويسلبها قدرًا كبيرًا من الإنتاجية. إضافة إلى ذلك كرر المقالح فعل النفي (لست) ست مرات؛ مما عمق من حالة الرفض الداخلي للواقع الخارجي المعيش، فالإبداع بهذا التركيب اللغوي قدم معاناة وجودية عميقة، لتختتم الشعرية ببنية توكيدية في بيت شعري يحتل سطرين كاملين تُعلن عن صراخ صامت ونجيب، فيرتقي بالشعرية إلى فضاءات روحية ونفسية. فغرض الدراسة كشف فاعلية اللغة في بناء الشعرية؛ فكثيرا ما تشدنا قصائد ولا ندرك السر وراء إحداث هذا التأثير الجمالي. وقراءة شعرية المقالح تضعنا أمام زخم فني إبداعي ينتقي ألفاظه بعفوية آسره، ويصعد بها إلى الجمالية التعبيرية. والدراسة تقدم عرضًا تطبيقيًا لهذه الطاقة اللغوية الداخلية في شعرية المقالح حيث تتقصى الأبنية اللغوية في معانيها النحوية لكشف إمكاناتها الدلالية وتجددِها الإبداعي. وهي في كل هذا تحاول رسم خطوط تبرز فاعلية المعنى النحوي في البناء الفني، وكشف طاقته اللغوية في بناء الدلالة وإنتاج الشعرية؛ ما يعكس إضاءات أمام المتلقي تعينه على تذوقِها.

 

أخبار اخرى فى القسم