السبت 20 أبريل 2024 - 03:45 مساءً - القاهرة

     

 

 

               

 

  أحدث الأخبار

 

 

  الأكثر قراءة

 
 
 

ما أسباب تراجع الأغنية

  ازمة صوت

  ازمة كلمة

  ازمة لحن

  غياب دور الدولة في تبني أصوات جادة


نتائج

 

 
 

الرئيسية ابداع سيمياء الفضاء الروائى والمعمارى فى "رحلة ابن فطومة" لنجيب محفوظ

 

 الناقدة د.زينب العسال تكتب
 

سيمياء الفضاء الروائى والمعمارى فى "رحلة ابن فطومة" لنجيب محفوظ

  الجمعة 24 يناير 2020 05:16 مساءً   




 

 

قدم كتاب " شعرية الفضاء " لغاستون باشلار مجموعة من الفضاءات أو الأمكنة المحورية المرتبطة ارتباطا حميمياً بالإنسان اجتماعياً وسيكولوجياً، فى محاولة لاستكناه تجلياتها السيكولوجية ، وإقامة تعارضات بينها. وقد سار فى اتجاه مشابه الناقد يورى لوتمان فى كتابه " بنية النص الفنى "، إذ اعتمد على فكرة تراتبية العلاقات المكانية، كفرضية أساسية لمعالجة التقابلات المكانية كمفاهيم الأعلى / الأسفل/ القريب / البعيد / المنفتح / المنغلق/ المحدود/ اللامحدود/ المنقطع / المتصل،إلخ.

كان الفضاء موجهاً أساسياً فى الإنتاج الأدبى للسورياليين، حيث كان الانطلاق من البنى المكانية، ثم تهديمها وتشتيتها، عن طريق عمليات الحلم وكبح سلطة العقل، أما على مستوى الرواية فإن أهمية الفضاء تتضاعف لسبب مهم، هو الهدم الذى مارسته هذه الرواية على مستوى التقاليد السردية الكلاسيكية كالتضئيل من شأن الشخصية، التى تمثل فى بعض الأحيان مجرد رقم،  كما تم على مستواها تفجير البنى المكانية والزمانية".

إن " اللغة والأسطورة والدين والفن والعلم هى اللحظات التاريخية المختلفة لهذه العملية. وفى كل لحظة من هذه اللحظات يكتشف الإنسان سلطة جديدة، ويبرهن عليها، إنها سلطة بناء عالمه الخاص" عن الكون السيميائى وتمثل الثقافى ".

يرى جريماس أن السيميائية، واحدة من البنى الكاشفة والمحللة للأساطير والحكايات، ومؤكدة على أن الثقافة العالمية متعددة ومتنوعة، فالسيميائيات" حاضرة دائماً، وبشكل ضمنى فى وعى الإنسان وتصرفاته".

سيميائية البنية الفضائية هى إجراء نقدى لا يتحقق إلا عبر السيميائية، وقد حققت هذه الدراسات  فى  زمن وجيز قفزة نوعية فى الدرس النقدى، حيث ذهبت إلى أن السيمائية لها القدرة الإجرائية على دراسة كافة أشكال السرد، إضافة للعمليات اللسانية، كما بشر بها دوسوسير كعلم فى محاضراته التى جمعت بعد وفاته من قبل تلاميذه، فهى" تبسط نفوذها العلمى على كافة الحقول التحليلية مبنية أساساً على المنظور الافتراضى الاستنباطى.

لذلك وصّف سارلز موريس السيميائية بأنها علم العلوم، لأن كل علم يستعمل العلامة، وهى العلم القائد الذى  يدرس العلاقة بين العلوم، وينسق فيما بينها.

إن كل ما نقوم به من نشاط يومى متكرر، أو غير متكرر، هو ميدان صالح للدراسة السيميايئة، إنها علامات تخبرنا بما نمارسه من سلوك ثقافى، وتكشف عن هويتنا، كالألم، والابتهاج، والفرح، والحزن، والضحك، والبكاء، واللبس، والتعرى، وطريقة تصفيف الشعر، وطريقة إعداد وتناول الطعام، ووضع المكياج، وطريقة الاحتفال بالمولود، وتوديع الموتى، واستقبال الضيوف، وغير ذلك من طقوس اجتماعية، وكل ما يجمع بين جماعة بشرية تتناوله فى حياتها اليومية، هو علامة، كل ذلك يحتاج  إلى نظم وقواعد تحكم وتتحكم فى طريقة انتاج المعنى.

لقد شملت مباحث السيميائية مختلف جوانب الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية، بل وحتى النفسية، وكان لها أثرها الواضح فى المعطى النقدى الأدبى لما بعد البنيوية.

إن سيميائية النص الموازى قامت بتفكيك عملية الكتابة السردية، وأرجعتها إلى جذورها، بداية من الحرف الطباعى، باعتبار أن الكتابة نص كتب على الورق، ثم أجريت عملية أجرى، وهى نقل هذه الكتابة إلى وسيط آخر، هو الوسيط الطباعى، أى تدخل الآلة فى المنجز الأدبى، وقد تطور وسيط الكتابة الأولى وصار كتابة تعتمد على وسائط أخرى، كالشريط الممغنط فى السابق، ثم السى دى، فالفلاشة، وأعقبها وسائل الاتصال الحديثة: الإيميل، ثم السوشيال ميديا، كل هذه الأشكال أو بمعنى أدق الوسائط خلقت طرقا ووسائل جديدة، أثرت النص الطباعياً، بدءاً من تشكيل الغلاف، ووضع العبارات الافتتاحية، مروراً بالهوامش والرسوم والأشكال والتعليقات أو الفواصل، وانتهاء بتغيرات الكتابة الطباعية والفهارس، كل هذا يخلق النص الموازى la paratext"   بما له من علائق تتلاحم، أوتتقاطع، مع النص السردى.

رواية " رحلة ابن فطومة " لنجيب محفوظ تعتمد على الفضاء المدينى الذى يتغير مع ترحال الراوى، قنديل بن محمد العنابى.. من دار إلى دار، وسوف يتعامل البحث مع النص كفضاء مدينى يتجدد داخل النص الروائى كمعمار، وكمجموعة من العلاقات الفضائية، أو المنتجة للفضاء، حيث يصبح الفضاء النصى هو المكان الذى فيه تتوزع العلاقات المهاجرة، وتقوم بينها علاقات متعددة المرجعيات والرؤى والإيديولوجيات مشكلة مجازات فضائية " وتصبح بصمة حقيقية للحقبة الزمنية".

قاهرة نجيب محفوظ كما طالعتنا فى العديد من رواياته وقصصه القصيرة، يحدّها - من الشرق - جبل المقطم، ومن الغرب، الخليج الذى كان يخرج من النيل، إلى الجنوب قليلاً من فم الخليج، وينتهى عند خليج السويس - مكانه شارع بور سعيد الآن - ويحدّها من الجنوب خط يمتد من ميدان باب الخلق، ويتجه شرقا، ماراً بباب زويلة، وينتهى عند جبل المقطم. وتبدأ حدودها الشمالية عند الجبهة الشرقية من ميدان باب الشعرية، متجهة شرقاً إلى باب الفتوح، فباب النصر، وتنتهى عند جبل المقطم، بالإضافة إلى أحياء أخرى - خارج الحدود - مثل الحسينية الذى يتوسط - من الجنوب إلى الشمال - شارع الحسينية، وشارع البيومى من باب الفتوح إلى ميدان الجيش. هذه القاهرة، هى عالم نجيب محفوظ ، منذ بدأ اتجاهه الواقعى ، حتى انتهى من كتابة الثلاثية. قاهرة المعز التى لم تتأثر بما وفد على المجتمع المصرى من أجناس، فأبقتها نشازاً خارج حدودها، أو صهرتها تماماً داخل هذه الحدود، وظل الطابع المصرى الأصيل ميسماً لها، ولأبنائها

 

أخبار اخرى فى القسم