الخميس 25 أبريل 2024 - 09:36 صباحاً - القاهرة

     

 

 

               

 

  أحدث الأخبار

 

 

  الأكثر قراءة

 
 
 

ما أسباب تراجع الأغنية

  ازمة صوت

  ازمة كلمة

  ازمة لحن

  غياب دور الدولة في تبني أصوات جادة


نتائج

 

 
 

الرئيسية ابداع د خالد عبد الغني يكتب : دلالة التناص مع القرءان والأسطورة في "نقضت غزلها" نموذجا

 

 
 

د خالد عبد الغني يكتب : دلالة التناص مع القرءان والأسطورة في "نقضت غزلها" نموذجا

  الخميس 28 مايو 2020 08:09 مساءً   




 

عندمانتتبع نشأة التناص وبداياته الأولى كمصطلح نقدي نجد أنه كان يرد في بداية الأمر ضمنالحديث عن الدراسات اللسانية()، وقد وضح مفهوم التناص العالم الروسي ميخائيلباختين من خلال كتابه (فلسفة اللغة) وعنى باختين بالتناص: الوقوف على حقيقة التفاعل الواقع في النصوص  في استعادتها أو محاكاتها لنصوص – أو لأجزاء – من نصوص سابقةعليها والذي أفاد منه بعد ذلك العديد من الباحثين()، حتى استوي مفهوم التناص بشكل تام على يد "جوليا كرستيفا" وقد أجرت استعمالات إجرائية وتطبيقية للتناص في دراستها (ثورة اللغة الشعرية) وعرفت فيهاالتناص بأنه " التفاعل النصي في نص بعينه"(). كما ترىأيضا أن "كل نص يتشكل من تركيبة فسيفسائية من الاستشهادات وكل نص هو امتصاص أو تحويل لنصوص أخرى"()،ثمإلتقى حول هذا المصطلح عدد كبير من النقاد الغربيين وتوالت الدراسات حول التناصوتوسع الباحثون في تناول هذا المفهوم وكلها لا تخرج عن هذا الأصل.  وبعد ذلك اتسع مفهوم التناص وأصبح بمثابة ظاهرة نقدية جديدة وجديرة بالدراسة والاهتمام وشاعت في الأدب الغربي ، ولاحقاً انتقل هذا الاهتمام بتقنية التناص إلى الأدب العربي مع جملة ما انتقل إلينا من ظواهر أدبية ونقدية غربية ضمنالاحتكاك الثقافي() .

     أما مفهوم التناص ونشأته في الأدب العربي فنجد أن مفهوم التناص هو مصطلحجديد لظاهرة أدبية ونقدية قديمة فـ "ظاهرة تداخل النصوص هي سمة جوهرية في الثقافةالعربية حيث تتشكل العوالم الثقافية في ذاكرة الإنسان العربي ممتزجة ومتداخلة فيتشابك عجيب ومذهل"()، فالتأمل في طبيعة التأليفات النقدية العربية القديمة يعطيناصورة واضحة جداً لوجود أصول لقضية التناص فيه ، واقتفى كثير من الباحثين المعاصرين العرب أثر التناص في الأدب القديم وأظهروا وجوده فيها تحت مسميات أخرى وبأشكال تقترب بمسافة كبيرة من المصطلح الحديث، وقد أوضح محمد بنيس ذلك وبين أنالشعرية العربية القديمة قد فطنت لعلاقة النص بغيره من النصوص منذ الجاهلية وضرب مثلاً للمقدمة الطللية، والتي تعكس شكلاً لسلطة النص وقراءة أولية لعلاقة النصوصببعضها وللتداخل النصي بينها " فكون المقدمة الطللية تقتضي ذات التقليد الشعري منالوقوف والبكاء وذكر الدمن فهذا إنما يفتح أفقاً واسعاً لدخول القصائد في فضاء نصيمتشابك ووجود تربة خصبة للتفاعل النصي().

        والتناص في الأدب العربي مر ببدايات غنية تحت مسميات نقدية تناسب عصوره القديمة وعاد من جديد للظهور متأثراً بالدراساتاللسانية الغربية الحديثة كمصطلح مستقل له أصوله ونظرياته وتداعياته، ففي الأدب العربي المعاصر حظي مفهوم التناص باهتمام كبير لشيوعه في الدراسات النقدية الغربية نتيجة للتفاعل الثقافي وتأثير المدارس الغربية في الأدب العربي وكانت دراسة التناص في بداياتها قد اتخذت شكل الدراسة المقارنة وانصرفت عن الأشكال اللفظية والنحويةوالدلالية ()، وتعريفات التناص كما بينهاالنقاد الحداثيون كثيرة جدًا ومتشعبة وكلها تدور حول جوهر التناص الذي يصب فيالنهاية في كونه تأثر نص بنص سابق عليه.

أشكال التناص مع القرءان:

جاء التناص مع القرءان في القصدة المعاصرة على عدة أشكال هي :

•             المفردات : جاءت على شكل الاتفاق مع القرآن وعلى شكل المخالفة.

•             الشخصيات : جاءت على شكل الاسم العلم ، و اللقب، والكنية ، والدور  والقول .

•             الآيات : جاءت على شكل الاتفاق أو المخالفة.

وظهرت كل تلك الأشكال من التناص  لدى محمود حسن إسماعيل().ومحمد عفيفي مطر ().و أديب حسن محمد (). وعبد العليم اسماعيل (). و مهدي بندق (). (). ويحيى السماوي().  و بهاء الدين رمضان () وعيسى الشخ حسن ()ومحمد يوسف (). ومحمود الأزهري ().

التناص الأسطوري

تنبع أهمية توظيف الأسطورة والرموز الأسطورية في القصيدة الحديثة، من كون الرمز يشكل صورة حسِّية، مولدة للمعنى ومسكونة به. ويكشف استدعاء الأسطورة أو الرمز الأسطوري عن قيمة الوظيفة الدلالية والجمالية، التي يحققها الرمز في سياق النص الشعري، سواء جاء هذا الاستدعاء في جزء من القصيدة، أو استغرقها كلها، لأنه(عندما يتجاوز الشاعر مستوى مجرد ذكر الأسطورة أو الرمز الأسطوري إلى مستوى الاستلهام والاستحياء والتوظيف من خلال خلق سياق خاص يجسد تفاعل الأسطورة مع التجربة الشعرية)لذلك فإن استخدام الرمز أو مجموعة الرموز في القصيدة يجب أن يتم، من خلال القدرة على تمثل أبعادها الدلالية والتخييلية والجمالية، وتحويلها إلى بؤرة إشعاعات إيحائية تغني القصيدة.إن أهمية الأسطورة تنبع من حضورها في الثقافة الجمعية، ومن كونها تمثل انعكاسا للاشعور الجمعي مما يجعل استدعاءها، يستدعي معها فضاءها التخييلي والوجداني ودلالتها الرمزية الموحية. إن استدعاء الأسطورة وكثافتها الرمزية، من خلال مستويات التناص وآلياته المختلفة، في تجربة الشاعر درويش، ينبع من طبيعة الرؤية التي تقدمها هذه التجربة، على المستويين الفكري والجمالي. وإذا كان الرمز الأسطوري الشرقي الذي ينتمي إلى حضارات المنطقة العربية القديمة يأتي في صدارة التراث الأسطوري، الذي يجري استدعاؤه في قصائد الشاعر، فإن التراث الأسطوري الغربي، يأتي تاليا معبرا عن انفتاح القصيدة على التراث الإنساني، الدال على تداخل وتفاعل هذا الموروث الأسطوري من خلال انتقاله من ثقافة إلى أخرى، في رحلة الحضارات والثقافات الإنسانية عبر التاريخ. إن استخدام هذه الرموز في القصيدة يجب أن يكون نابعا من حاجة القصيدة إلى تلك الرموز، وما تمتلكه هذه الرموز، من مجال درامي أسطوري يتفاعل مع تجربة الشاعر المعاصرة، لأن على هذا الاستخدام أن يتجاوز ذكر الرمز الأسطوري، أو الحكاية الأسطورية إلىمستوى الاستلهام والاستيحاء والتوظيف من خلال خلق سياق خاص يجسد تفاعل الأسطورة مع التجربة الشعرية().

وياتي عنوان الديوان الحالي لأحمد مصطفى "نقضت غزلها " ليتناص مع قوله تعالى " وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا" (سورة النحل)، وهذا مثل ضربه الله لمن نقض العهد الذي يعطيه،بمثل التي غزلت ثم نقضت غزلها، وقيل: إن التي كانت تفعل ذلك امرأة حمقاء معروفة بمكة . وتأتي قصيدة تحمل عنوانا هو "بنلوب تنقض غزلها" ليحدث هنا الامتزاج بين التناص مع القرءان والأسطورة.

بنلوب

نقضت غزلها

أهدته للبحر دثارا والنول لأطفال الجيران.

فپنلوپ هي زوجة الشخصية الرئيسية، ملك إيثاكا، أوديسيوس(عوليس في الأساطير الرومانية)، وابنة إيكاريوسمن زوجته پريبويا. وكان لها ابن وحيد من أوديسيوس، تلماخوس، الذي وُلِد قبيل ذهاب أوديسيوس للقتال في حرب طروادة. وقد انتظرت عشرين عاماً عودة زوجها النهائية،وخلال ذلك الوقت لاقت مصاعب في صد عروض الزواج.ولدى عودة أوديسيوس، متخفياً كمتسول عجوز، يجد أن پنلوپ قد ظلت وفية. فقد اختلقت الحيل لتطويح ملاحقيها، احدى تلك الحيل كانت التظاهر بغزل كفن لوالد أوديسيوس العجوز لايرتسوادعاء أنها سوف تختار زوجاً حين تنتهي من نسج الكفن. وكل ليلة على مدى ثلاث سنوات، تنكث جزءاً من الكفن الذي نسجته، حتى اكتشفت ميلانتو، أحد خادماتها الإثنتي عشر الخائنات، حيلتها، وأبلغت ملاحقي پنلوپ بالحيلة.وانكشفت الحيلة و زاد الحاح الخطاب، وصل اوديسيوس الى المملكة و التقى بابنه تيمال حيث اتفقا على خطة لتخليص بينلوب من الخطاب وفي اليوم التالي اخرجت الزوجة من كنوزها العظيمة قوسا لاوديسيوس و اخبرت الخطاب ان من يتسطيع تسديد سهم من هذا القوس نحو اثني عشر حلقة في خط واحد سيكون زوجا لها في هذه اللحظات دخل اوديسيوس القاعة في زي عجوز شحاد . وبسبب جهودها لاحباط أي زواج ثاني، فإن پنلوپ كثيراً ما تُرى كرمز للعفاف الزوجي.

 ويظهر التناص مع القرءان في مواضع عدة من الديوان منها : عندما يقول: "نجم هوى" وهو تناص مع قوله تعالي :"والنجم إذا هوى " (سورة النجم) ، و" فكم نجم هوى من السماء" وتأتي مفردة "العاجلة" ، ويكمل "سدرة منتهى الحلم "، و"ألم آخذ بلحتك" و "واجتبتها" ، و"تبت يد الهوى" و"مشكاة" ، "وبي أسر لسدرة منتهى العشق" ، "وقبل أن يرتد طرف العين" الخ وفيل ذلك محاولة لتوظف التناص مع القرءان بغرض ايضاح الفكرة والتعبير عن الذات وهو ما يخص الشاعر أو الموضوع اي ما  يتعلق بالمجتمع والوطن في بعده السياسي والاجتماعي والتاريخي.

   ويظهر التناص مع الأسطورة في استدعاء عدة شخصيات أسطورية مثل اسطورة سيزيف وبنلوب،وإيزيسوسالومي وبعض الشخصيات التاريخية القديمة من التاريخ العربي مثل صلاح الدين وهارون الرشيد والعباسة والخيرزان وأبي سفيان ومن الشخصيات التاريخية المناضلة المعاصرة والحديثة مثل جيفارا ، وعبدالناصر، والفلاسفة مثل أفلاطون،وشخصيات فنية مثل الموناليزا الت رسمها ليوناردو دافنشي ، وهنادي في رواية دعاء الكروان لطه حسين  ، محجوب عبدالدايمفي رواية القاهرة 30 لنجيب محفوظ ، وواستدعاء لأماكن مثل حطين التي شهدت موقعة شهيرة بين المسلمين والصليبين كان بطلها صلاح الدين . وأفلام سينمائية مثل ثرثرة فوق النيل من إخراج حسين كمال  والمصير من إخراج يوسف شاهين ، وشخصيات علمية مثل نيوتن مكتشف قانون الجاذبية الأرضية، ويشير ذلك الاستحضار لذلك الموروث الثقافي والتاريخي لدى الشاعر على احاطة معرفية وثقافية وربما محاكاةللجيل الرائد من رواد شعر التفعيلة والشعر الحر كأمل دنقل وحسن فتح الباب وغيرهما الكثير والكثير ويربط الشاعر أحمد مصطفى تلك الشخصيات بالمشكلات الاجتماعية كالفقر والجوع وغيرهما ومثالا لذلك يقول:

وللعلم لا أعرف شيئا ولا يعنيني

قانون الطفو – النسبية رفاهية

ولو كنت نيوتن لابتلعت التفاحة .

ويقول عن العباسة :

تأبى نفسي العيش نعامة ببغاء

ولست من ذوي الأنياب

وما كانت جدتي "العباس"

ولا جدي "أبا سفان"

مصر أن يبقى بي الإنسان

بأسنان بضاء

بثياب بيضاء

ونلاحظ أن الشاعر وحسب دراسته في الخدمة الاجتماعية تلك الدراسة التي تنتمي للعلوم الانسانية الكبرىوهيدراسة بعيدة في آن عن الدراسات الأدبية واللغوية والتاريخية ، ولهذفقد يفسر ذلك  وقوع الشاعر في بعض الأخطاء التاريخية استجابة للثقافة التاريخية الشائعة وليست الثقافة المدققة إذ اعتبر هارون الرشيد زيراللنساء وتجاهل دوره البطولي في الفتوحات الإسلامية وأخلاقه وسلوكه الديني وهو الذي يؤثر  عنه أنه كان يغزو عاما ويحج عاما ، فكتب يقول عنه :

 " فهنا أنا هارون النساء

ألف غانية

بنقر اصبع واحدة

تأتيني طواعية

ويأتي تناص يكاد يكون وحيدا مع الإنجيل وإن أتى بصورة مخالفة لما جاء في الانجيل " من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر" فيقول الشاعر :

لا تبالي بعيون البشر

إفك الحساد

قولى لمن يغمز يلمز يهمس

من كان منكم بلا عشق

فليرمني بحجر

ويأتي تناص على هيئة ذكر اسماء الأنبياء مثل عيسى وموسى :

لا تنادوا على موسى

أن يدلكم على بقرة

القاتل معروف

لا تنادوا على عيسى

ليداوي الجرح الغائر النازف

وتأتي بعض الكلمات الأجنبية في النص "laptop" ، "café net" ، "chat"

ولقد وجدت مثل هذه المفردات في كثير من قصائد المحدثين مثل الشاعر محمد يوسف ، ولكن لست أعرف الضرورة الفنية التي تجعل وجودها في القصيدة العربية مبررا ، وكأننا أمام أحد الكتب العلمية التي ياتي فيها ذكر المصطلح العربي وبجواره المصطلح الأجنبي، وهذا وإن كان عرفا ساد في الكتابات العلمية ، فأما في الشعر فلا أعرف له سببا يبرره حتى الآن .

 ونأتي لمقطع شعرى رأيت فيه تناقضا مع روح الفن والأدب بعامةحيث  يشجعالأدب على الجمال ولا يستعرض القبح ويؤصل له حتى وإن شاع في المجتمع فيقول الشاعر:

مرحبابكم في وطنكم

بكمستان العربية

الشاعر لملم أوراقه

وبالوسطى على الجمع ألقى التحية

لتكون هذه الكلمات اخر ما يطالعه القارئ في هذا الديوان ، وهذا ما كنت أجاهد نفسي للتغاضي عنه ولكني وجدت ان الضرورة تقتضي الإشارة إلى هذا العيب في تلك الصورة الفنية غير اللائقة.

       وختاما أود أن أذكر أن معلوماتي عن الشاعر لم تزد عن تلك العبارات الواردة في التعريف به ، واتضح كما سبقت الإشارة أن التناص مع القرءان والأسطورة جاء في أغلبه كما صدرنا في بداية الدراسة وأنه خدم التوظيف لمواجهة المشكلات الذاتية والاجتماعية التي عاصرها الشاعر.

صور اخرى
 

أخبار اخرى فى القسم