الأربعاء 01 مايو 2024 - 11:31 مساءً - القاهرة

     

 

 

               

 

  أحدث الأخبار

 

 

  الأكثر قراءة

 
 
 

ما أسباب تراجع الأغنية

  ازمة صوت

  ازمة كلمة

  ازمة لحن

  غياب دور الدولة في تبني أصوات جادة


نتائج

 

 
 

الرئيسية ابداع الشاعر الجوال يقرر الرحيل! يسري العزب: ذكريات ومواقف ، وشعر كثير..

 

 سمير الفيل يكتب
 

الشاعر الجوال يقرر الرحيل! يسري العزب: ذكريات ومواقف ، وشعر كثير..

  الثلاثاء 04 أغسطس 2020 05:39 مساءً   




 

سمير الفيل.

1

 بدأت علاقتي بالدكتور يسري العزب في وقت مبكر جدا ، ربما في منتصف السبعينيات حيث كنت ألتقيه في الندوات الأدبية والثقافية في أغلب محافظات مصر خاصة تلك التي تعقد في محافظتي.

 اعتقد أنني تعرفت عليه بشكل جدي مع وقائع مؤتمر اعلام دمياط الذي ظل يقام سنوات طويلة في عهد الاستاذ الدكتور أبوالفتوح شريف ثم انحسر دوره مع محاولات للعودة مع الدكتور زكي عبدالله والدكتور عبدالرؤوف أبوالسعد وكلهم بدأوا هذا الاحتفال في كلية تربية دمياط.

2

 كان شخصا مهذبا ، بسيطا ، متواضعا دون ان يتعمد ذلك أبدا ، لديه روح السخرية ،  كما أنه يجيد" النقد التذوقي " لأعمال الأصدقاء.

قويت الصلة أكثر مع إعادة إصدر مجلة " رواد" من مديرية الثقافة بدمياط. تقريبا يونيو 1982 فقد شاركنا بقصائده في الملفات التي كنا نصدرها ومنها ملف عن شعر العامية وملف آخر عن غزو العدو الإسرائيلي لبيروت.

ولأنه يمتلك الحس النقدي فقد حضر ندوات تدشين كتب جديدة ، أكثر من مرة ليلقي الضوء على دواوين زملاء لنا ، منهم الدكتور عيد صالح، مصطفى العايدي ، ضاحي عبدالسلام ، مجدي الجلاد ، وغيرهم.

بشكل شخصي توقف أكثر من مرة أمام قصائدي خاصة تلك التي نشرت في ديواني الأول " الخيول" 1982، وذلك  بالفحص والدرس ، حين كان يشير إلى مناطق القوة أو الضعف. وهو يسوق ذلك دون نبرة تعليمية أو معاظلة لغوية ، فما يميز تجربة العزب أمور ثلاثة : البساطة ، اللماحية ، محبة الآخرين.

3

أتصور أن يسري العزب خلق ليكون راصدا للمواهب الجديدة ، شديد الحنو على كل مبدع حقيقي يدرك انه ينبع من اصالة هذا الشعب ، فقد ظل مؤمنا بهذا الدور مع كافة الأجيال ، ومختلف المدارس الادبية ، وقد كانت لديه القدرة على فرز الغث من السمين ، وكم من مرة قدم كتبا في الشعر والقصة القصيرة بمجرد إيمانه بموهبة صاحب الكتاب.

لا يتأخر عن حضور أمسية مهما كانت بعيدة ، وأذكر أن لقائي الأول به ـ ربما ـ كان في بيت الشاعر عبدالله السيد شرف ، بقرية " صناديد" من ضواحي مدينة طنطا ، حيث كان صاحب البيت يستضيفنا في الجمعة التالية للعيدين: الفطر والاضحى . وهناك قابلت: منير فوزي ، أحمد سويلم ، رباب البدراوي ،  عبدالرحمن عبدالمولى ، عزت الطيري ، أحمد فضل شبلول ، حسني لبيب ، سوزان عبدالعالي ، وآخرين.

كان يسري العزب حاضرا بالشعر والنقد والحكايات الشعبية التي يسردها من الذاكرة. وربما لأنه درس دواوين بيرم التونسي في غطروحته الجامعية ، فقد تأثر بما في شعره من سخرية وعكوف على تشريح المجتمع المصري بمبضع النقد الحاد ، إضافة إلى ذاكرته الفولاذية التي تجعله يحفظ الأسماء ولا تضيع من عقله مطلقا بالرغم من أنه كان يبدو كمصري بسيط متحرر من قيود الرسميات ، لا يهتم بوقائع التبجيل والمجاملة الوقحة ، ولا بترتيب الجلوس في الندوات ولا المنصات ؛ فلديه دائما ما يبهر حتى في طريقته للإلقاء حيث يقطع البيت الشعري بطريقة صوتية ، " معلقا" كلمة أو جملة ، على طرفي شفتيه ، ثم يترك الكلمة تتدحرج ، فيخدع المستمع ليصنع الدهشة.

4

أهم ما كان يشغله ، فكرة التواصل الإنساني ، وكان تواضعه واقترابه من اناس يعملون بالمقاهي والعوازق والمهن البسيطة محل تقدير منا كجيل تال له ، فما يهمه هو معدن الإنسان ،  وهو امر يكشفه عبر التعامل المباشر.

كانت تلقائيته محببة ، وهو أمر فطري يفعله بلا تفكير، لذلك كان ملاذا لمن تمر به ضائقة ، أو تعثر مادي أو معنوي . أذكر أنه كان يأتي مع عبدالعال الحمامصي ، وعبدالفتاح رزق ، ومع خيري شلبي ، ومحمد  مستجاب ، لصديقه حسين البلتاجي وهو قاص ، يعمل في إحدى الأفران البلدية ، وكان البلتاجي يستدعينا فنحضر السهرة التي يتداول فيها وحتى ساعة متأخرة من الليل الشعر والقص والضحكات. كان رجلا ممتلئا بالبهجة ، يسربها لمن حوله ، ربما وقلبه حزين ، أو وعقله منشغل بالسفر في ساعات الفجر الأولى.

فإذا ما التمت حوله شلته الشعرية غنى معهم في جوقة : " ما أطـــال الـنوم عـــــمراً ولا قصر في الأعمار طول السهر.. " ..

 تأتي منغمة مع تطويح الرأس ويكمل ومن خلفه المنشدون :" فـــــكم تــوالى اللـيل بعد النهـار .. وطال بالأنـجم هذا المدار..  فامش الهـــوينا إن هــذا الثرى .. من أعين ساحـــــرات الإحورا" . والابيات لعمر الخيام.

5

السمة الغالبة عليه هي محبة الناس ، ولذا فلم يكن له أعداء بالمعنى الحرفي للكلمة  لكن ربما كان جيل الشباب يتضرر من تلك البساطة في الحياة وفي شعره فأخذوا منه موقفا باعتباره " عراب البساطة " في زمن معقد ، زمن لا يفهمونه.

وأسجل هنا انه في بعض قصائده كان يهاجم الفساد والروتين ، وتوريث الحكم ، وكانت كل قصيدة لها خطاب واضح وصريح فكأنه يعيد إحياء فكرة" النديم" الهارب من بطش السلطة.

وفي ذات الوقت فهو مثل بيرم التونسي ن يتحرى التفاعل مع قضايا الناس دون تعال او فذلكة وسلاحه الذي يصنع المفارقة : صدقه في معالجة قضاياه واللغة الشعرية القريبة جدا من وجدان الناس.

6

أتصور أن الحركة الواسعة في الأقاليم لم توفر له الوقت لتقديم رصيد أكبرمن الكتب النقدية ، فنقده الشفاهي ـ غالبا ـ  لم يوثق أغلبه لكنه يمكنك أن تجد تدشينه لكتاب في بداية مشوارهم الشعري أو القصصي في سلسلة " إشراقات أدبية" التي كان يرأسها صديقه القاص عبدالعال الحمامصي ـ وقد زرت أخميم  مرة مع الدكتور يسري العزب لتكريمه  ـ وكان مدير التحرير هو الشاعر أحمد الحوتي  ـ وقد سبق أن التقيته اول السبعينيات في غرفة جار النبي الحلو بالمحلة الكبرى وكانت الحوائط بها قصائد لمحمد سيف وزين العابدين فؤاد. ـ  أما نائب رئيس التحرير فهو الكاتب محمود العزب.

أتصور أن شعره لم يطبع كله فقد وصلني منه القليل ، من أعماله" فوازير فلاحية" واتصور ان جماليات شعره تجلت احسن ما يكون في ديوان " ميلاد البحر" الذي أعكف حاليا على إعداد دراسة حوله ، وقد تابعت مسرحياته من بعيد ، وسمعت أجزاء منها في ندوات المنصورة وبورسعيد ودمياط خاصة مسرحية" تغريبة عبدالرزاق" وقد رأيت

 

أخبار اخرى فى القسم