الخميس 25 أبريل 2024 - 03:32 صباحاً - القاهرة

     

 

 

               

 

  أحدث الأخبار

 

 

  الأكثر قراءة

 
 
 

ما أسباب تراجع الأغنية

  ازمة صوت

  ازمة كلمة

  ازمة لحن

  غياب دور الدولة في تبني أصوات جادة


نتائج

 

 
 

الرئيسية مكتبتى محمد الدسوقي يكتب: إيقاع السرد في "صندوق صغير في القلب" للرحلة ابتهال سالم

 

 
 

محمد الدسوقي يكتب: إيقاع السرد في "صندوق صغير في القلب" للرحلة ابتهال سالم

  الأحد 11 أكتوبر 2020 02:54 مساءً   




فكرة الإيقاع عموما كإشكالية سردية. ظلت مهملة إلى حد كبير في النقد العربي ، اللهم بعض الإشارات التي بدأنا نطالعها هنا أو هناك ، نظرا لأن العرب أمة تهيم بالسجع ، والسجع في الشعر أوضح ، لذلك بمجرد توقيعك لأي كلام تكراري بروّي موّحد يعتبرونك شاعرا أو تقلد الشعراء ، لهذا يقولون " الشعر ديوان العرب " حتى إذا كتبوا نثرا فنيا بديعا ، فإنهم لا يعتقدون أنه جميل إلا بإضافته إلى الشعر ونسبه إليه ، فيقولون شعر منثور أو نثر مشعور ، وكأن النثر لا يمكن أن يستقل بإيقاعاته وجمالياته دون أن ينتمي إلى نوع أخر وبالتحديد " إلى الشعر"

وبما أننا مع رواية "صندوق صغير في القلب" للكاتبة القصصية ابتهال سالم الصادرة في مشروع مكتبة الأسرة تحت عنوان " إبداع المرأة " ربما نجد فيها إيقاعا مختلفا عن إيقاع كتابة الرجل ، خصوصا في السرد ، لا في الموضوعات فحسب ، ولكن من خلال جينات اخرى نجدها في كتابة المرأة ، فهناك تفاصيل صغيرة ومشاعر دقيقة لا يستطيع الرجل التعبير عنها بدقة .. مثل – حالة الولادة – وهو ما يؤيده قول الشاعر:

" من جرّبَ الكيَّ لا ينسـى مواجعهُ  ،

ومن رأى السمَّ لا يشقى كمن شربا"

تستهل الكاتبة روايتها بهذا المدخل الإيقاعي تقول:

( للأزمنة أصوات .. تشاطركِ الليل والصمت والحنين)

لننظر في هذا التشكيل الايقاعي غير المعقول أو حتى المنطقي ، للأزمنة أصوات تشاطر امرأة وحيدة " الليل والصمت والحنين " – هذه المخيلة هي وليدة الايقاع الذي حوّل الزمن إلى أصوات ، وهي ببساطة تشير إلى كيف يصبح الإيقاع هو التعامل المادي مع الواقع ، الواقع الذي نتخيله لا الذي نعيشه أو العكس – إن ما كتبته الراوية هنا يعني أن أصوات الزمن في مدخل الرواية هي " الليل والصمت والحنين " ، فالأزمنة على اطلاقها للنظرة المتسرعة بلا صوت – ولكن هل يمكن أن نتصور ليل الوحدة بلا ايقاع ، أو صمت الوحدة بلا ايقاع ، أو الحنين أيضا ، يا لها من لوحة تشكيلية بديعة ، و لوحة إيقاعية أبدع ، هكذا يمكننا أن نلفت انتباه القارئ إلى أن الزمن في كل تقلباته مجموعة من الإيقاعات ، الأهم من لديه القدرة على السماع ، سماع حركة الزمن / حركة الوجود وأثر إيقاعه على كل شيء ، سواء كان ليلا موحشا ، أو كان صمتا كئيبا ، أو رقرقة من الحنين.

هكذا تبدأ صندوق صغير في القلب " بتلك الجمل القصيرة والحادة المتميزة الصياغة والإيقاع ، راغبة في تكثيف الواقع ، بحيث نشعر إلى حد ما بما يمكن أن تنبئنا به الراوية حول شخصيتها الأساس " مريم " ما بين وجودها القصصي ووجودها في العالم.

تتكون رواية ابتهال سالم من ثلاثة فصول ، أو ثلاث حركات في حياة مريم وهي على التوالي:

- الحي القديم...

- الرحيل...

- الحنين...

ومن هذه الحركات الثلاث تتألف حكاية الفتاة " مريم"

الحركة الأولي – الحي القديم

نتعرف على إيقاع حياة البنت الصغيرة مريم التي تفتح صندوق جدتها ومن خلاله نتعرف على مريم وعلاقاتها بأسرتها وبابن الجيران سعيد الذي كان يطلق صافرته لها ، فيطيران معا إلى أماكن المراجيح والسواقي القلابة وصندوق الدنيا والبيانولا.

يقفزان معا في أرجوحة واحدة ، ومنها إلى الساقية القلابة ، إلى صندوق الدنيا ، صندوق العجائب ، حيث تدفن رأسها وسعيد معها داخل الصندوق ، وتنسدل ستارة سوداء فوق دماغيهما ، حتى يتمكنا من مشاهدة الصور المتعاقبة هكذا...

تراك:

" وآدي الفارس الهمام ، راكب حصانه ، شاهر سيفه يصرخ بعزم صوته:

هل من منازل ، أبنا أبو زيد الهلالي بطل الأبطال وفارس الفرسان ، سيفي مسلول وأصلي مكنون ، أطوف بحصاني في المدن والبراري وأنزل بهرمي على رقاب الأعادي وأحرر المظلومين"

تراك:

ويا سلام على ست الحسن والجمال ، بتجري فرحانة بين الغيطان ، تغني للشمس ، وتحرسها العصافير .. و يا ولداه ... تتسحب أم الدواهي متنكرة في زي بياع ، تغريها بأكل التفاحة وهووب .. تروح الأميرة في خبر كان ، وآدي الأمير الجميل شايفينه لمح حسنها وسمى الرحمن وأول ما قرب منها ردت فيها الروح في الحال وانفك سحرها الذي كان وعاشت مع أميرها في تبات ونبات وخلفوا صبيان وبنات"

تراك:

ودي بنت السلطان القبيحة ، واللي ما جروء يشوفها في موكبها غير جدع عربي شجاع ، من يومها وهي واقعة في هواه ولما زاد جفاه ، سلطت عليه الساحر الشرير وتبات بنت السلطان مغلوبة على أمرها وتطفش ولا حد يعرف لها طريق"

ثم يأتي دور البيانولا ، وبائع البخت – حيث يقرأ سعيد بخته ويقرأ " حبك نار " ثم تفض مريم ورقة بختها وتقرأ " أنا والعذاب وهواك"

بهذه الطريقة الإيقاعية المتكررة كانت طفولة مريم وسعيد ، حركات تتتابع بنسق ايقاعي له بناؤه الخاص ومنطقه الفني ، ومنه ندرك أن الرواية كلها تنهض على شخصيتيّ مريم وسعيد ، وتتكرر عبرهما وقائع الحياة بحلوها ومرها ، وما بين صندوق الدنيا بعجائبه الافتراضية ، إلى صندوق الجدة بما يحمل من وقائع حقيقية ، فستان فرح الجدة ، طربوش الجد ، مكحلة العين ، والشال ، ووو ... ، إلى صندوق المنشورات – والمُخبر الذي يلف خلفها أينما حلتّ ، وانتقالها مع أسرتها إلى مكان أخر ، وسفر سعيد إلى أمريكا .. وهكذا تنبني حياة مريم وتتشكل وفق إيقاع أشبه بالفعل ورد الفعل ، بين الحرية والإرادة ، بين القدرة والعجز ، وهو ما آلت إليه أحداث قصتها ، فما زال الحنين يغالبها إلى سعيد وسنوات الطفولة والصبا والحي القديم.

- الحركة الثانية – الرحيل

إيقاع السرد في هذا الجزء من الرواية يخلط ما بين العامية والفصحى ، ويغلب عليه الحوار الذي يجمع بين مريم المصرية ، ومروان الكاتب المسرحي من أصول شامية ، وعلي عازف العود وسهيلة أخته ، والفنان التلقائي إبراهيم المصري ، ومازن اللبناني وحمدان التونسي وعزيز الفلسطيني ، ومن خلال الحوار الدرامي يختلط العام بالخاص ويمارس فعله في نفوس المجموعة ، فنجد في حكاياتهم السردية مكونات الدين واللغة والعرق والسياسة والخبرات الذاتية ، ومن خلالهم نستمع إلى الشعر والغناء ، وأيضا قضايا التحرر والتنوير ، بحيث يجد القارئ في الحوار – الإيقا

 

 

أخبار اخرى فى القسم