حبيب الملايين ربما كنت طفلة أغنى،ولا أدرك معنى الفقد كاملا. جمال. فى كل أسرة تقريبا،وفى كل شارع كنت تجد هذا الأسم،وصاحبه يحظى بمحبه وتقدير كرامة لصاحب الأسم الأصلي. جمال عبد الناصر. سوف تقول هناك منافقون. نعم هناك. وهناك محبون أيضا. توفى جمال عبد الناصر وكان عمرى عشر سنوات تقريبا،يوم وفاته كنت أحمل أخى الصغير على كتفى وندور فى الشوارع خلف النعوش الوهمية ونردد:فاتلك إيه يا صبية حبيبك لما مات؟ نعم كنت طفلة. ولكن كنت أرى أبى ينصت بأهتمام إلى خطب عبد الناصر،ويجلسنى إلى جواره كى اسمع معه الخطاب بأهتمام طفلة صغيرة قلبها يسع العالم الكبير. تفتح الوعى والقلب على المحبة. نعم. كنت اسمى بيتنا سبيل أم عباس. بسبب. أنه مفتوح دائما لكل من هب ودب من الأقارب والجيران والأصدقاء. فى بيتنا القديم. كنا نملك جهاز تليفزيون تليمصر. ويأتي الجيران لمشاهدة جنازة الرئيس والبكاء على الرحيل المبكر. كل أم أصبحت ثكلى. كل بنت أصبحت يتيمة. كل زوجة أصبحت أرملة. هذا الفطام المبكر أبكى الجميع. كان هناك حزن كبير أكبر من نكسة ٦٧. تمام. كل جدى قد توفى منذ شهور قبل وفاة عبد الناصر. ظلت أمى وجدتى ترتديان الأسود لعام كامل. وجدتى كل صباح تقول لنا:الله يرحمك يا أبو خالد. وكأنه أبنها البكرى. قال لى أبى ذات يوم:ذهب نصير الفقراء. وعندما ذهب السادات إلي إسرائيل،ثم إلي كامب ديفيد لعقد اتفاقية السلام قال أبى:الله يرحم شهداءك يا مصر،ولأول مرة أراه يبكى بحرقة. لقد وجع قلوب كثير من المصريين. وخاصة أهالى الشهداء. وعندما كبرت وقرأت قصيدة أمل دنقل لا تصالح. قلت معه نعم. لا تصالح حتى لو أعطوك جوهرتين مكان العينين. رحم الله الشهداء. ورحم الله حبيبك يا مصر. ودوام الحال من المحال. يا جمال يا حبيب الملايين يا جمال.