الخميس 28 مارس 2024 - 04:37 مساءً - القاهرة

     

 

 

               

 

  أحدث الأخبار

 

 

  الأكثر قراءة

 
 
 

ما أسباب تراجع الأغنية

  ازمة صوت

  ازمة كلمة

  ازمة لحن

  غياب دور الدولة في تبني أصوات جادة


نتائج

 

 
 

الرئيسية ابداع "الزمن ساعتان : فهد المصبح/ الدمام

 

 
 

"الزمن ساعتان : فهد المصبح/ الدمام

  الأحد 28 أغسطس 2022 05:08 مساءً   




لو حاجة اليوم أحد من أصحابه لغلبه، لقد تملكه الارتباك في هذا الموقف حتى النخاع. لقد اعتاد الصمود واللامبالاة أمام المواقف الحرجة، طالما دحض حجج من يقف في وجهه، مظهراً للجميع أن الارتباك لا يعرف إلى قلبه سبيلاً. جريء برزانة إلا في هذا الموقف الذي جمعه بفتاة لم ير لها مثيلا، في غرفة لم يعبأ قط بما تحويه، تسمر في مكانه ناظراً إليها بفؤاد مدله، ناعياً كل خليه في بدنه. كان ولا شك مخدوعاً في أيامه الخالية، فلا الأرض هي أرض، ولا الطقس هو الطقس، ولا الطبيعة هي الطبيعة، كل ذلك معدوم في بلده، وفوق هذا كله هذه الغيداء فارعة الطول، شقراء الشعر، وردية البشرة، نعوت وصفات لا يرى إطلاقها إلا على الحسان العين، وهنا في هذه اللحظة أيقنها بصدق، نعم هو مرتبك ومبهور، العرق يتصبب من جبينه، وما يزيده بلادة أن مقابل هذا كله مبلغا زهيدا ينفقه في بلده في أشياء تافهة، أما هنا فها هو ينقله إلى عالم لن يبالغ إن فاق ألف ليلة وليلة، أما هي فقد وقفت في مكانها انتظاراً لأوامره، فمفتاح المبادرة بيده، لأنه هو الباذل والمتجشم كل الصعاب للوصول إلى هنا، فليحترم قراره وإن كان معروف سلفاً، غير أن الأمر زاد عن حده، وهو متدثر بالصمت والتحديق، سابح في تفكير عميق ولا شيء غير ذلك، وكان الانتظار الذي لا تحبه هي ولا هو يألفه، لقد كلت قدماها من الوقوف، وبدأ يزعجها ما هو عليه، فتحركت إليه بمجداف الخجل، تريد تشجيعه كمحاولة منها للخروج من هذا الصمت المطبق، تخيرت مقعداً في الغرفة وأراحت عودها عليه، فنطق بتلعثم وارتباك: أنا آسف خذي راحتك. تركت العبث بحقيبتها الجلدية، وتوجهت إليه ببصرها متنفسه الصعداء أن نطق هذا التمثال البشري، وقالت: من أين أنت؟ أجابها بزفرات طويلة لا يريد أن يذكره أحد بما وراءه، وغرق مرة أخرى في بحور الفكر حتى علا وجهها الوردي حمرة الغضب، وبدافع فضولي متهتك سألته: ما الأمر؟ لا شيء. إذن فيم الحيرة والصمت؟ جمالك يخرس الألسن. تبسمت بغرور وقالت: لا تبالغ كثيراً. بل هو الحق. ثم أردف: مثلك ينبغي أن يكون للنظر فقط ولا شيء غيره. وهل ارتوى بصرك؟ تعوزني أيام كي أشبع. إلى هذا الحد؟ أنت غريب ولا شك. وأنتِ أكثر. ألهذا طلبتني؟ نظر إلى الأرض وهو يقول: أنتِ لم تخلقي لهذا. وكيف تريدني؟ كما قلت سابقاً. فردت ببرود أنثوي مغرور: إيه.. إيه عرفت. فبادرها على الفور: صدقيني إني آسف عليك أن تعبث بك يد وإن كانت يدي. وتعرج بهما الحديث، وبدأت الفواصل تذوب والمسافة تتلاشى، وأسلم العقل أمره إلى المصير المحتوم، تحت وطأة ناقوس شهوة محمومة، في حين كان الإحداثي الثالث يترقب تاركاً لهما الساحة، ومتلونا بالثوب الذي يريدانه. وحانت لحظة الهياج، وطفقا يتحركان فوق بركان جوفه مرجل، وقبل أن تمتد يده إليها، فتحت حقيبتها، وأخرجت منها ساعة أنيقة، نظرت فيها، ثم قامت كالملسوعة هاتفة في وجهه: الوقت انتهى. هز رأسه، ثم غادر الغرفة قبلها، وهو يعيد حساباته من جديد.

 

أخبار اخرى فى القسم