الخميس 28 مارس 2024 - 04:25 مساءً - القاهرة

     

 

 

               

 

  أحدث الأخبار

 

 

  الأكثر قراءة

 
 
 

ما أسباب تراجع الأغنية

  ازمة صوت

  ازمة كلمة

  ازمة لحن

  غياب دور الدولة في تبني أصوات جادة


نتائج

 

 
 

الرئيسية جاليرى دكتورة نيرمين عيد: تكتب عن "الطباعة الجسدية للوعي"

 

 
 

دكتورة نيرمين عيد: تكتب عن "الطباعة الجسدية للوعي"

  الثلاثاء 31 يناير 2023 12:08 صباحاً   




ينفتح الجسد المعاصر على ذاكرة الإدراك الجسدي باعتبار الجسد والعقل متماثلين ومستبعدا علاقة النفس والبدن القائمة على استعادة علاقة السجن والسجان، ومتفاهما لنوازع الجسد السيكولوجية، فلا توجد صحة جسدية على حساب النفس ولا صحة نفسية على حساب الجسد، فالإنسان جسد ونفس، فما يتأثر به العقل ينطبع على الجسد وبالعكس, فالحقيقة الإنسانية لا تتمثل في قطبين متلاحمين فالإنسان كله جسد كما انه كله عقل فكما يقول"ميرلوبونتي" "إنني أنا جسدي – إن إدراكي هو جسدي"، فالجسد هو الذي يؤكد الوجود وما يحدث للجسد يمكن ان يتردد بدوره في النفس فما يؤثر في الجسد يؤثر بدوره على المخ وما يحدث للنفس يجد مخرجا له عبرالجسد بما يسمى علميا بالأمراض النفسجسمية وفي قصة الأنفس الشمعية لأفلاطون(التي يصف فيها الأنفس البشرية التي في طراوة الشمع ولينة حيث تشتمل الأدمغة على كتلة من الشمع وهي هبة الذاكرة أم الفنون. وفي أي وقت تشاء فيه أن تستعيد شيئ أو تتذكره فإننا ننظر أو نسمع أو ندرك في عقولنا ، ونضع قرص الشمع تحت الإدراكات الحسية أو الأفكار العقلية ونطبعها على صفحته كما لو كنا نختم بصمة خاتم، وإن كل ما يطبع أو يحفر نقشه على هذا النحو يكون لنا ان نتذكره ونعرفه ما بقيت صورته، وكل ما تطمس معالمه أو تمحى، أو لم يفلح في أن يخلف بصمة أو نقشا أو إثرا، فإننا ننساه ولا نعرفه . وبإمكاننا تطبيق ما يحدث للنفس باعتبارها تشتمل على كتلة شمعية تطبع عليها كل الإدراكات على الجسد بوصفه الشريك والوجه المكمل للعقل/النفس، فالجسد مكانا للحفر والنقش، للتذكر والذاكرة، فهو يمثل احد تجليات الوعي وبالتالي هو شريك لتجلي الذاكرة بوصفها حضور ممتد منظم متراكم متداخل ومتعدد لا تتوقف حدوده عند خلايا المخ بل لا يمكن تحديد منطقة بذاتها مختصة بذكريات بذاتها، بل أن الجسد هو أيضا عضو ذاكرة في ذاته، فكما يشير"فرويد S.freud" الجسد وسيلة التعبير وصوت اللاوعي ، ففي إستخداماته الأولى للتنويم المغناطيسي كان يعرض المريض لحالة تذكر ومن خلال التذكر كان بإمكانه إزالة المرض الجسدي بشكل مؤقت، ويسرد د. يحيى الرخاوي دراسة لحالة تعدد الشخصية تظهر عليها ذاكرة الجسد" إذ سجلت مريضة كان والدها يعذبها بحرق أجزاء من جسدها ولوحظ أن هذه المريضة يظهر على جلدها مباشرة آثار نفس الحروق في نفس المواضع السابقة بمجرد أن تتحول إلى الشخصية الطفلية المنشقة . بل ان الجسد باستطاعته تخطي الذاكرة الخاصة متجاوزا حدوده الفردية ليتفاعل مع خبرات غيرية، فبعض المسيحيين تظهر على أجسادهم في المناسبات الدينية نفس علامات صلب المسيح عليه السلام في مواقع الصلب من كدمات وسحجات كما حدث مع "القديس فرنسيس الأسيزي " وفي أحد مشاهد عرض المرجيحة The Swingعام 2010، عبرت كريمة بدير مصممة الرقصات عن تجذر المعتقد الديني لفكرة الصلب داخل تاريخية الجسد الإنساني من خلال رؤية مزجت فيها بين الرقص و المشاهد السينمائية . إذ نشاهد من خلال شاشة عرض أجزاء من فيلم أبيض وأسود تدور أحداثه عن توازي عملية صلب المسيح مع ظهور آثار جسدية في نفس مواضع الصلب على جسد قديس مع التركيز على معاناة القديس الروحية والجسدية، وكأنه تداعي واسترجاع لا واعي لما حدث للمسيح عليه السلام،" ففي الذاكرة يصطنع العقل الواعي نوعاً من الاتصال بين الماضي والحاضر، الماضي الذي لم يعد يمارس فعلا والحاضر الذي هو فعال الآن فإننا حين نستحضر حدثا مضي استحضارًا قويا، فإننا نتحرك راجعين للماضي لحظة من الزمن غير أننا لا نملك البقاء هناك إذ يجب علينا الرجوع إلى الهنا والآن , هذا الهنا هو الانطباع علي جسد القديس , نفس الكدمات وبالتوازي يعبر راقصان بالحركة عن دلالات العذاب والموت وينتهي المشهد بمرثية غنائية فتعبر فتاتان مرتديتان السواد حاملات للزهور بين الجمهور ناثرين الورود عليهم بمصاحبة غنائية، فللمشهد دلالته فبالعذاب والمعاناة يولد الأمل والحياة، فمن ألم الصلب جاء الأمل، ليعيد النص رؤيتنا عن دلالة الخلاص. إذ هل بإمكان ذاكرة الجسد ان تخلصنا من عذابنا الفعلي؟ وهل استدعاء ذاكرة الألم، عبر طباعة الوعي على الجسد تمثل الخلاص أم هي بصمة لازمنية للاحداث تتعدى حدود الوعي الظاهري عابرة حدود المعرفة الإدراكية. ويطرح الفنان" دينيس أو بنهايم Denis openheim .في سلسلة من الأعمال التي تم إنتاجها بين عامي 1970 و 1974، جسده كموقع لتحدي الذات: لقد استكشف حدود المخاطر الشخصية والتحول والاتصالمن خلال إجراءات و تفاعلات الأداء الشعائري , كانت أعماله ترتبط دائمًا بالطبيعة وبإحساس خاص جدًا بالطابع الإنساني ومفعمة بالاراء و القيم الإنسانية والنقد الأخلاقيفي عمله وضع القراءة عام 1970 أو (موقف القراءة لحرق من الدرجة الثانية)المنتمي لفن الجسد Body artرؤية مفاهيمية بين الجسد والعقل من خلال الطباعة الجسدية، وهي بخلاف الطباعة الجسدية"لإيف كلاين" المنتمية للشعيرة الطقوسية والحنين للطوطم الديونيسي ، ويتكون عمل أوبنهايم من صورتين فوتوغرافيتين تسجلان حدث أدائي حي قام بأدائه الفنان، تسجل الصورة الأولى الفنان مستلقيا على ظهره واضعا على صدره العاري كتاب مفتوح ومعرضا جسده لأشعة الشمس(مدةالتعرض للشمس خمس ساعات )، وتسجل الصورة الثانية نفس وضع الجسد ولكن بعد نزع الكتاب ومن ثم يظهر تأثر الجلد من أثر التعرض لأشعة الشمس فنرى تغير لون الجلد ما عدا المكان الذي تم حمايته بوضعية الكتاب المفتوح. فالصورة الأولى تسجل الحالة الجسدية ما قبل التعرض لأشعة الشمس والثانية تعرض ما حدث للجسد ما بعد التعرض لأشعة الشمس. يمثل الجسد مكان الحدث أثناء التعرض لأشعة الشمس في فترة الظهيرة ، والمفعول به إذ تقوم أشعة الشمس بدور الفاعل الرئيسي للحدث والشخصية الجوهرية في النص الكتاب المفتوح، وبالتالي فالإشارة المحورية هي تلك العلاقة ما بين أشعة الشمس/ العامل الخارجي/ الضوء/ الوعي وما بين الكتاب/ القراءة/المعرفة / عامل الحماية/ وهو أحد الركائز الأساسية للمعرفة والملاحظ أن الكلمة المنقوشة على غلاف الكتاب Tactics تعني الطريقة ، النهج أو الوسيلة، ومن ثم فالنص يشير إلى طريقتنا ونهجنا في الحياة والمعرفة، وهو ما يشكل وعينا واستقبالنا للمؤثرات الخارجية سواء سلبا أو إيجابياً، يصبح هنا اختيار وضع القراءة هو الطريقة والنهج والوسيلة الدفاعية إزاء الحياة والعالم، فالقراءة/المعرفة هنا لا تفصل بين العقل والجسد، فالانطباع القرائي نقش لا مرئي يختم روح وجسد الإنسان، إذ لا يوجد الجسد من جانب والإدراك من جانب، ومن ثم لا يسبتعد وضع القراءة تكامل الحواس، فالقراءة تبدأ عن طريق التعاون المتداخل للاستثارة الحسية ما بين العين والأذن، فالقراءة ليست مجرد فعل ذهني بصري تترك آثارها على العقل ومدركاته ولكنها تؤثر على أجسادنا، فالكتابة الأبجدية نقشا على العقل والجسد معاً. فانفتاح الوعي على عالم المعرفة عبر الكتاب المفتوح ووضعيته على صدر الجسد تمثيل بصري للتعرض اللامرئي للمعرفة التي تعمل كعامل حماية لأكثر مناطق الجسد وعيا ففسادها يفسد الجسد كله وصلاحها يصلح الجسد كله، فهو منطقة وعينا اللامرئي، فالمعرفة تطبع وتخط بالقراءة علي صفحة القلب/ العقل كافة المعاني لتكتب داخل وعينا، فالقراءة هي عامل الحماية المعرفية وليس الجسدية السطحية للجسد بوصفه بدنا ،فما يرتبط بفكرة الجسد البدن من عامل حماية هو استخدام منتجات من قبيل الكريمات، والمرطبات التي تحمي من أشعة الشمس الضارة، في حين يدخلنا النص" بوضعية القراءة" داخل علاقة الكتابة والقراءة باعتبارها مشاركة حية، بين نص قرائي بمثابة نوعا من الأرض المتنقلة وبين أجسادنا الواعية كنص مكتوب وهو أيضا نوعا من الأرض المتنقلة، وبالتالي ينفتح على عالم التلاقي. تلاقي نصان كتابيان قرائيان في آن يؤثر كل منهما في الآخر ان يقرأنا النص وأن نقرأه ، ليفتحا معا وعيا مغايرا لما سبق فمايقرأ يكتب على جدار الوعي، ومن ثم فإن تعريض اجسادنا/ وعينا بما تحمله من إدراكات ومعارف على العوامل الخارجية بمثابة اللحظة المرئية للإنكشاف والظهور/ فترة الاختبار ، إنها اللحظة الحارقة بقدر كشفها للحقيقة ، فالمعرفة تنتج ألمها الخاص، فكلما زادت المعرفة زادت معاناة الإنسان على المستوى النفسي والجسدي ، فعملية الكتابة والقراءة تمثل حالة إنهاك لذا كانت "القراءة في العصور القديمة تعتبر رياضة بدنية مرهقة وكان اطباء العصر الهلليني يصفون للمريض القراءة كبديل للعب الكرة أو المشي...فالقراءة تعني ان تستحضر، تستجمع ، أن تدرك اتجاه الذات...أن تحفظ الذاكرة، فالكتاب هو انت، الذي هو، نحن" إذ يدخلنا النص في تشابك العلاقة بين الإنا]الجسد/العقل [والآخرالاستثارات والعوامل الخارجية ومنطقة التشابك، وهو المعرفة عبر الكتاب المفتوح،المعارف والثقافات والأفكار التي انفتح وعينا عليها قراءة وكتابة ومن ثم تمثل عامل الحماية الحقيقية من كل المؤثرات فيحجب عنها الحرارة/ الأفكار الضارة أثناء التعرض للشمس/ الحياة، وبالتالي يستدعى النص رؤية مفاهيمية لعقلية الجسد تبحث فيما وراء الظواهر عبر تفكيك ذي قسمين حدث فعلي ينتمي لفن الحدث تم تسجيله فوتواغرافيا مشيرا بذلك إلى المفهوم الدلالي لفكرة الذاكرة بالمعنى الرمزي والمجازي، فالصورة الفوتواغرافية هي نفسها طباعة/ حافظة للحظة عابرة زائله ، فينفتح بذلك على ذاكرة الجسد/ العقل اللامرئية وبين الذاكرة البصرية الطباعية عبر الصورة الفوتوغرافية، ما بين طباعة لامرئية عبر إدراكها اللامرئي المعرفي وبين طباعة مرئية عبر إدراكنا البصري ، ويحيلنا إلى تأمل الألم الجسدي المعرفي، الألم التنويري عبر تثبيت اللحظة الإدراكية، فالنص بقسميه ما قبل وما بعد، يستثير في نفس المتلقى نفس الحالة إلما قبل وإلما بعد، ما قبل التعرض للنص وما بعده، ليضع المتلقى في وضع قرائي لعملية الوعي ذاتها. د/ نرمين عيد أحمد

 

أخبار اخرى فى القسم