السبت 27 أبريل 2024 - 01:55 مساءً - القاهرة

     

 

 

               

 

  أحدث الأخبار

 

 

  الأكثر قراءة

 
 
 

ما أسباب تراجع الأغنية

  ازمة صوت

  ازمة كلمة

  ازمة لحن

  غياب دور الدولة في تبني أصوات جادة


نتائج

 

 
 

الرئيسية ثقافة عالمية الحاج مود ساخو بكتب عن : رواية "زوارقُ الموت " للسنفالى عمر لي

 

 
 

الحاج مود ساخو بكتب عن : رواية "زوارقُ الموت " للسنفالى عمر لي

  الأربعاء 28 فبراير 2024 11:28 صباحاً    الكاتب : الحاج مود ساخو




بصعوبة بالغة تمكّنتُ مِن حبس دموعي وحصارِها في مكانها عن الانحدار والانسياب، بينما أنا مُغَيَّبٌ حتّى النخاع في تعاريج هذه الرّواية الآسرة وتفاريقها، قلتُ في نفسي وأنا أرفعُ بصري عن العبارة الأخيرة من الرّواية وأطوي صفحاتها المليئة بالإثارة والعمق، قلتُ : يبدو أن الأشياء التي تجلب لنا التعاسة والبكاء في كثير من الأحيان، هي التي تُكافئُنا فتمنحُنا السّعادة والابتسامة في نهاية المطاف بطريقة أو بأخرى. تماما كما هو حال زوارق الموت مع صاحبنا بِلَالْ. فما أعجب تصاريف القدر حين يكون الشّيء وضدُّه من ذات المنبع. ! لا أُريد التّطواف في زوايا الرّواية، أو بالأحرى لا أستطيع، لأنّ الرّوائيّ بريشته الفنّيّة الحادّة، وبفلسفته الاجتماعيّة والتّاريخيّة والسيكولوجيّة المُتوغّلة في العمق، تناول المجتمع السّنغاليّ بشكلٍ مُكثّفٍ، وأخذ مِن كلّ شريحةٍ عيّنةً، الأمرُ الّذي يُصعّب على القارئ الإحاطة بأطراف هذه التّحفة الأدبيّة الرّائقة في مقالٍ وجيزٍ، لذلك سأكتفي بمُشاركة مشاعري وسرد الأحاسيس التي فاضت منّي أثناء القراءة.

أعجبني وصْفُ الكاتب القويُّ والمُؤلم في نفس الوقت، للحياة البائسة في ضواحي عاصمة السنغال (دكار) = تلك الحياة القلِقة المُربِكة بقسوتِها، بسطوتِها، بالضّغوط المادية التي تُكدّر صفْوها، بالجوع ،بالفقر، بالتّشرُّد، بالنّظرات المُهينة الخادشة للكرامة الإنسانية ...، وما يُسبّبُها كلُّ هذه البلابل مِن سلوكيات سلبيّةٍ وخياراتٍ قاسية، بما فيها تجارةُ المخدّرات، أو الإقدام على ركوب #زوارق الموت، أو حتّى الاستسلام للشّيطان وعقْد صفقات معه بحثا عن الخلاص.

تأثّرتُ بشدّة بحالة والدة بِلَالْ بسبب ذوبان توأميْها في المحيط الأطلسي، كنتُ كأنّي أقرأُ قصّة عمّتي = شقيقة أبي التي اختفى ابنُها وستّةٌ من رفقاءه أثناء عبورهم البحر إلى جزر الكناري منذ أربع سنوات، ولم تُرد، أو لِنقل لم تقدر على التّصديق بالخبر. أيُّ المٍ قاتلٍ ذاك ؟! حقًّا أيّها الرّوائيّ " ... البحرُ ليس إلا فمًا مِن أفواه الموت" !

كان بِلَالْ مُحقًّا بذلك الذعر الذي زلرل كيانه زلزالا صاعقًا عند"باب اللاعودة" في جزيرة غُورِي. كان مُحقًّا بالهروب مِن شبح المحتلّ الغاصب المُجرم. المُحتلُّ لا يلاحقُك أنت وحدك يا بِلَالْ، إنّه كابوسٌ يمخر في أعماقنا نحن جميعا، إنّه ما زال حاضرا بكلّ قوّته وجبروته مع الأسف.

من المُمتع في الرّواية تقلُّبات عدسة الكاتب النّقديّة، بأسلوب لطيف وجذاب في أكثر من مناسبة، وفي مختلف هيكل المجتمع، المشيخي، والسياسي، والأسري حينا، ولا غرو في ذلك، فالرّوائيّ مشغوف حدّ الهوس بتشريح كيان المجتمع وتفحُّصه واستكناه مواضع الخلل ومَكامن العلل فيه، للتّوصُّل إلى أدوية وعلاج.

كم كان شاقًّا عليَّ مُرافقة الزّورق من شاطئ امُبورْ إلى جزر الكناري، وكم قطّع قلبي مشهد موت الطفل وأبويْه، وقصّة المُعلّم ورسالته الصّارخة بالألم واليأس والإحباط. يا لها من رحلة مُتوحّشة ! لا بدّ أن يكون المرء مَلاكًا كريما كبِلَالْ ليحتفظ على إنسانيّته في هذه الأوضاع المُميتة واللّحظات المجنونة. !

أمّا بعدُ :

بطبيعة معرفتي للكاتب وهوسِه اللامتناهي بالقراءة والكتابة والإبداع، وإيمانه العميق بهذا الثالوث، لا أستبعدُ أنّه تعمّد أن يخلق بطلا يُشبهُه ليصبّ فيه شخصيّته وطموحاته وأحلامه. فكان بِلَالْ القارئ الكاتب الطّموح المُغامر الأديب الشّهير، هو نفسُه صديقنا الروائي عمر لي.

صور اخرى
 

أخبار اخرى فى القسم