الاثنين 29 أبريل 2024 - 05:40 صباحاً - القاهرة

     

 

 

               

 

  أحدث الأخبار

 

 

  الأكثر قراءة

 
 
 

ما أسباب تراجع الأغنية

  ازمة صوت

  ازمة كلمة

  ازمة لحن

  غياب دور الدولة في تبني أصوات جادة


نتائج

 

 
 
 

من نظرة عين


محمد صالح البحر
الأحد 31 مارس 2019 07:56:26 مساءً



التغيرات الاجتماعية والأدب (1)

 

ربما كان من المهم قبل الدخول في دراسة الأشياء أن نقف على معانيها الأصلية، أي بداية من اللغة، باعتبار المعنى اللغوي هو الأصل الذي يشير إلى ماهية الشيء، محددا هويته ومحددا للمعنى الأول لاستخدام الكلمة الدالة عليه، ومن ثم تتحدد السياقات البلاغية لاستخدامه من بعد.

وفي ضوء هذا ينبغي علينا أولا أن نحدد المعاني اللغوية لكل المفردات الواردة في هذا العنوان، كي نضع يدنا على السياق البلاغي الذي جمع بينها، وجعلها ـ ربما ـ تؤدي إلى معانٍ ومفاهيم مختلفة، خاصة وأن مفردات مثل "التحول والمجتمع والأدب"، ليست مجرد مفردات جامدة تشير إلى أسماء، أو أشياء جامدة، ثابتة الدلالة والطبيعة، بل مصطلحات تندرج في طياتها الكثير من المفاهيم التي تختلف في نوعها ودلالاتها، ليس فقط بحسب السياق الثقافي لكل مجتمع، بل وبحسب السياق البلاغي الذي تتم الإشارة إليه أيضا.

يخبرنا المعجم العربي أن "التحول" هو الانحراف أو التغير أو التبدل، لكن المعنى يختلف تماما بإضافة حروف الجر إليه، فـ "تحول عن" ليست أبدا كـ "تحول في"، أو "تحول إلى"، أو "تحول عن"، أو "تحول من"، مما يشير إلى أن "التحول" كفعل يمتلك حركة زمنية واسعة النطاق، وكمفردة فهي شديدة الثراء، والقابلية للاستعارة البلاغية على نطاق لا حد لاتساعه، فإذا كان الحال هكذا مع إضافة حروف الجر، فكيف به إذن مع دخول الكلمة للتجاور مع مفردات أخرى، ذات معانٍ ودلالات مغايرة، وعلى وجه العموم فـ "التحول" اصطلاحا.. هو الانتقال في الشكل أو البناء، من حال إلى حال أخرى.

أما كلمة "مجتمع" لغويا فهي اسم مفعول من "اجتمع بـ فلان"، واسم مكان من "اجتمع بـ مجلس"، وهي موضع الاجتماع، وهي جماعة من الناس تربطها روابط ومصالح وأصول مشتركة، وعادات وتقاليد وقوانين واحدة، داخل نطاق جغرافي محدد، وواضح المعالم، واصطلاحا لن يختلف معنى كلمة "مجتمع" في حال دخولها في سياقات بلاغية أخرى عن هذين المعنيين، وإن كان المعني الثاني الذي يشير إلى المكان هو الأكثر استعمالا، كما أنه المعنى المراد والمقصود في هذا السياق البحثي.

وعلى هذا فإن تجاور المفردتين إلى جوار بعضهما البعض ليصيرا "التحول الاجتماعي" يبدو كافيا لتشكل ملامح مصطلح يؤدي إلى مفهوم يمكن الحديث عنه وتأويله في سياق علمي، فالتحول الاجتماعي مفهوممرتبطٌبعلمالاجتماع،ويشيرإلىالتغيرالمستمرالذي يصيبالمجتمع؛بسببتأثيرمجموعةمنالعواملالداخلية أو الخارجية،إنهظاهرةٌمنالظواهرذاتالتأثيرالمستمر،ليس فقط بسبب مرور الزمن على الناس والأماكن بمتغيراته الطبيعية، لكن أيضا بسبب التطور المستمرللفكرالإنساني، الفلسفي والديني والعلمي، والنظرياتالمستحدثة،والآراء،والأيديولوجياتالتييتميزبهاكلعصر، والثورات الكبرى التي تقدر على إحداث التحولات الضخمة، وتؤدي إلى نقلات اجتماعية كبيرة وشاملة.

وبناء علي هذا يكون "التحول الاجتماعي" هو التغير الذي من شأنه أن ينقل المجتمع من حال إلى حال أخرى، سواء على مستوى الشكل، كتغير العادات والتقاليد والسلوكيات ومستوى المعيشة، وهو تغير نسبي، بمعنى أنه صغير أو محدود، يمس القشرة الخارجية فقط، بينما تظل تركيبة المجتمع الأساسية كما هي، أو على مستوى البنية، كالتغير الفكري أو العقائدي أو العلمي أو تغير الأصول، وهو تغير كبير وشامل، بمعنى أنه يمس تركيبة المجتمع الأساسية، ويؤدي به إلى الانتقال الكامل من حال إلى أخرى، بحيث يصير مختلفا تماما عما كان من قبل، وهو التغير الذي تحدثه الثورات الكبرى، أو سيادة المعتقدات والأيديولوجيات والأديان والفلسفات الجديدة، أو التطور العلمي والتكنولوجي الهائل في العصر الحديث.

وتبقى المفردة الأخيرة في العنوان وهي مفردة "الأدب"، التي تعني في اللغة كلماأنتجهالعقلالإنسانيمنضروبالمعرفة المكتوبة،وعلومالأدبعندالمتقدمينتشملاللغةوالصرفوالاشتقاقوالنحووالمعانيوالبيانوالبديعوالعَروضوالخطوالإنشاء،وتطلقحديثاعلىالأدببالمعنىالخاص وهو الشعر والقصة والرواية والمسرح،كما تطلق أيضا على العلوم الإنسانية بصفة عامة، كالتاريخ والجغرافية وعلوماللسانوالفلسفة.

وعلى هذا تصير الغاية من عنوان "التحولات الاجتماعية في الأدب" هي رصد تأثير المتغيرات الاجتماعية، التي تحدث في مجتمع ما، على فنون الآداب التي يمارسها، وما تؤدي إليه من تغيير وتطور فيها، سواء على مستوى الشكل، أو المضمون. 

ومن هنا يصير للحديث بقية لازمة عن التحولات الكبرى في تاريخ المجتمعات، والتي أحدثتها الأديان والثورات والأفكار والحروب والقفزات العلمية الأخيرة.