الخميس 16 مايو 2024 - 04:44 صباحاً - القاهرة

     

 

 

               

 

  أحدث الأخبار

 

 

  الأكثر قراءة

 
 
 

ما أسباب تراجع الأغنية

  ازمة صوت

  ازمة كلمة

  ازمة لحن

  غياب دور الدولة في تبني أصوات جادة


نتائج

 

 
 
 

عيون مينرفا


عبد الحميدشوقى - المغرب
الجمعة 05 أبريل 2019 08:18:22 مساءً



العرب أمام قساوة الحقيقة

 

   ماذا يفهم العرب من الانتماء إلى العالم؟ كيف يتصورون علاقتهم بالآخرين الذين لا يشاركونهم لا في الملة ولا في التاريخ ولا في الهوية؟

   هذه، ربما، ليست أسئلة جديدة بل سبق لعبد الله العروي أن طرحها في "الإيديولوجيا العربية المعاصرة" منذ 1967. لكن، على عادة العرب، لا شيء يتم حسمه تماما، بحيث يحرر الأقدام لتنطلق نحو الأمام دون أسف على "ماض أزلي". هناك أمران يجعلان من هذه الرقعة الجغرافية المسماة بلاد العرب "خارج التاريخ" الحديث، رغم كل مظاهر التحديث التي شهدتها منذ القرن التاسع عشر؛ أولهما أن العرب ما زالوا مقتنعين بحتمية الانتصار على بلاد الكفر، مثلما هزمت "الروم في أقصى الأرض" دون أن يتطلب منهم ذلك أدنى مجهود حضاري وثقافي وعلمي وعسكري، لأنهم أمة خالدة بفضل ما تجسده من خلال رسالتها الروحية الأبدية. وبذلك يرفضون الاقتناع بالحتمية الواقعية التي تقول بأن أي دخول في التاريخ العالمي الحديث، لا بد أن يرتبط بحتمية الانتماء إلى التقليد الليبرالي الذي عمل الفكر الأوربي على نشره في كل بقاع العالم، بحيث لا يمكن أن نجد رقعة جغرافية خارج هذا الحقيقة إلا في القبائل المسماة "بدائية". هذه حقيقة استعمارية لا شك فيها، ولكنها حقيقة مرتبطة بقوانين الواقع الفعلي كما تعيشه كل الأمم الآن، وليست مرتبطة بحقيقة محفوظة في "نص مقدس" لا بد أن يرسل الله من سينقله من البلاغة الإلهية إلى "مدينة الله" الموعودة، وهذا ما يمثل حقيقة ما يعرف بتنظيمات الإسلام السياسي من خلال وجهها الدموي: داعش. يقبل العرب على كل أسباب الحضارة الليبرالية والصناعية والعلمية من خلال أجسادهم، لكن عقولهم تظل مشدودة إلى الفكر النصي الذي يرفض أن يقتنع بأن الحضارة الجديدة منفصلة تماما عن كل فكر نصي معطى سلفا قبل أي ممارسة عقلية على أرض الواقع. هكذا يجمع العقل العربي بين المتناقضات، بين حقيقة النص الشرعي وحقيقة الواقع الفعلي، بين الماضي الذي لا يريد أن يمضي، والواقع الذي يضغط عليهم بكل حقيقته القاسية، فيميلون إلى التوفيق بين ما لا يقبل التوفيق، بين العلم الحقيقي وما يسمونه بالإعجاز القرآني، بين الحريات العامة التي فرضتها التجربة الحضارية الحديثة والحدود الشرعية، بين الحياة الراشحة، وفتاوى الشرع. هذا الأمر سيقود بالضرورة إلى أمر ثان، وهو أن العقلية العربية لا تنظر إلى العالم إلا من خلال هذه الصورة النرجسية المحنطة. ترفع شعار الحوار والتسامح والاعتراف بالآخر المغاير، ولكن نسق الفكر الهوياتي المنغلق، سرعان ما يبتلع هذا الادعاء، لأن العرب لا يرون الآخرين إلا من خلال قياسهم على أنفسهم، وعلى تقاليدهم، وعلى التمثلات التي اعتادوا إدمانها دون أن يتجرؤوا إلا نادرا على نقدها. وبمعنى آخر، فالعربي لا يؤمن سوى بالخطاب الواحد، خطاب الامتداد الرملي المتشابه الذي لا يتغير، والذي يصلح لكل زمان ومكان. لذلك لم تجد المحاولات العظيمة التي قام بها طه حسين وعلي عبد الرازق وصادق جلال العظم وأدونيس والعروي، أي نفع، ولم تبلغ ذروة الاتفصالات التراجيدية التي مثلهاكوبرنيك، فرويد، نيتشه وماركس في الفكر المعاصر، عندما حطموا أوثان الفكر الأوربي على مدى ألفي سنة. وعند أدنى احتكاك بسيط، يهرب العربي نحو خطابه الأوحد الذي لا يعرف سواه، والذي يقدم له اطمئنانا تاريخيا ضد ضربات العصور الحديثة منذ غزو نابليون لمصر. لقد حصن الفكر الحديث نفسه ضد سلطة "العاطفة التاريخية" التي تمنع الانفصال عن حضن الأم الأبدية، وأسس فلسفة جديدة تقوم على الاختلاف الذي يعرفه الفيلسوف الفرنسي ميشيل سير بأنه العقيدة العالمية الوحيدة التي تمنع دائما وفي كل مكان من تعميم خطاب صالح لكل مكان وزمان، وتمنح المحلي القدرةَ على التعبير شموليا.

علينا أن نتساءل: هل نؤمن بالفعل باختلاف يجلنا ندخل التاريخ الحديث لاعالم، دون أن يكون لنا أي امتياز على شعوب الأرض إلا من خلال ما سنقدم لها من إنجازات إنسانية مفيدة على أرض الواقع؟

  يلزمنا تواضع ياباني لكي نقبل بأن اللحظة المفصلية في تاريخ اليابان المعاصر، كانت في الاعتراف بالهزيمة في الحرب وفي التخلي عن خطاب "الساموراي" والانكباب بحماسة عملية وأخلاقية مثالية على تهيئ مجتمع المستقبل من خلال الانخراط في التاريخ المعاصر للإنسانية الذي بدأ منذ اكتسحت أوربا كل بقاع العالم.