الأربعاء 15 مايو 2024 - 05:03 مساءً - القاهرة

     

 

 

               

 

  أحدث الأخبار

 

 

  الأكثر قراءة

 
 
 

ما أسباب تراجع الأغنية

  ازمة صوت

  ازمة كلمة

  ازمة لحن

  غياب دور الدولة في تبني أصوات جادة


نتائج

 

 
 
 

أيقونة الشعر


إيهاب خليفة
السبت 06 أبريل 2019 10:36:19 مساءً



أيقونة الشعر (3)                               

 

" بتوقيت النزيف " للشاعر عمرو الشيخ عنوان دال على حدث استثنائي أو مجموعة أحداث تتزامن معا في بقعة مكانية رخوة على ما يبدو ، ومع مرور الوقت تضحى متجلطة كشاهد عيان على حدث كارثي، وبتأمل عنوان الديوان أجد الشاعر قد خالف قصدا ما هو معهود عليه فلم يعنون نصوصه بعنوان بتوقيت القاهرة أو بتوقيت جرينتش أو غيرها وإنما ألغى المكان، جاعلا من تشكل الدم بيئة مكانية افتراضية للحدث المرتقب أيا كان نوعه، ثمة نزيف إذن سيحدث متزامنا مؤرخا لحدث هائل مدوٍّ أرضيته متشبعة بالدم ، حتى أن الجميع لا يخطئ في ترقب هذا الحدث، ومن الجائز أن يكون النزيف معنويا داخليا كنزيف الذكريات في ذاكرة ملغومة، أو استجداء مشاعر من ذوات معطوبة الأمل أو يكون نزيفا جماعيا لاقتراف جماعة ما فعلا يضاد السلطة و يزعجها.

 

في ديوانه " بتوقيت النزيف " يأخذ الشاعر/ عمرو الشيخ الشعر معه في نزهة الدم، تصحبه عائلته الصغيرة أيضا وبعض أصدقائه، حيث يتوغلون جميعا – و نحن معهم كشركاء افتراضيين – يتوغلون في " ديستوبيا" ( Dystopia) شعرية تتمحور حول حدث الثورة المتأزمة والملغزة في الخامس و العشرين من يناير، و مصورًا انهيار أحلام تمادت فيها الذات الشاعرة منذ طفولتها حتى انهارت جميعا على صخرة الواقع المرير.

 

    الملامح الظاهرة في ديوان بتوقيت النزيف للشاعر عمرو الشيخ: أرصد هنا خمسة ملامح تتضافر معا؛ لتشكل هذا العالم السوداوي المأساوي، هي :

1- انهيار متسلسل لأحلام الذات التي تمادت فيها على اعتبار أنها صالحة للتحقق والحياة : منذ الصفحات الأولى يستحضر الشاعر مفردة الحلم؛ لتصبح أيقونة تتأرجح حولها الذات الشاعرة ، ونجد يستعير عدة دلالات لمفردة الحلم تغاير المعنى المعجمي المباشر في نص الدائرة ص5 ( الحلم دخلوه/ لم يفتشوا في محيطه/ زرعوا في كل زاوية راية) ويرمز الحلم هنا إلى الميدان الذين احتشدت فيه الجموع قبل أن يضحى ساحة للنزيف وص9 ( على السادة المقيمين داخل الحلم عدم تصديق التوقيت) والحلم هنا دال على التوق إلى الخلاص و ترقب إقصاء السلطة الخاوية وفي نص تصريح بالدفن يصبح الحلم جثة الشهيد المشوهة عمدا باعتبارها كانت أملا في إحداث الخلاص ( حلم ما يعتصم بالقلب يحرضه)ص 14 ومنها أيضا ( الحلم يقود تظاهرة في القلب/ عربات الأمن تتوالى) ص14( أنباء أن الحلم يفر)ص15 ( علاوة على حلم في الثلاجة/ لا يستدل عليه أحد)ص18 و وفي قصيدة ( حلمي سيمر أمام شرفتك) ص29 تتكرر مفردة الحلم بداية من العنوان وفي ثنايا النص مثل ( رددت اسمك مرتين و دخلت كواليس الحلم) ص29 وفي قصيدة الحزن نجد هذا التصريح ( القصائد لا تصلح أبدا لحراسة حلم أخضر)ص37 وعنوان نص آخر ( حلم بدائي الصنع) يقول ( شحنة الأحلام المهربة في غرفتي ليست بعيدة عنهم/ الأوراد لم تذهب عني الخوف)ص53 ومنها( في الصباح داهمته الشجاعة/ ارتدى روحه المفخخة وشرايينه الحقيقية/ وحلما من الشحنة المهربة/ توسط الجليد تماما وانفجر) ص55 ( الشاشات تعلن مقتل مجهول/ انفجر فيه حلم بدائي الصنع)ص56 ( الحلم صبارة بين قبرين ص65) وص 67( هل الأجنحة سنتهز الفرصة/ وتحلق به – بعد طول حلم صدقه- ) وفي صفحة 69( حين طالح صفحة الماء/ أرعبه الخجل/ فجلده اللامع لم يوقع عليه أي حلم / كيف سيدخل بجلده هذا حظيرة البغال) وفي ص 74( ما عاد الحلم يصلح أن يكون حاديا/ فالأرض تشابهت/ والسنابك تبلدت/ والحظائر تعج بالخيول المتخمة التي/ ما أرقتها الأحلام يوما) وص 95 ( هل فرت الأحلام أم تاهت) ( إن ضربات القلب غير منتظمة/ هل كانت أحلامي لا تتقن إلا رقصة الإيقاع الثابت)

 

 2- الشعر أداة باتت معطوبة (باستثناء نص " ضحيتان" وبعض الشذرات الأخرى فهي تبتعث دور الشاعر المقاوم) يمكن تلمس هذا المنحى الهزائمي واضحا في نصين هما " مريم تتسلم وصية الحسين " و نص " الحزن " . في " مريم تتسلم وصية الحسين " تشكل القصيدة ملامح بطل مهزوم، يقدم اعترافا يتطهر به، حتى لا نظل عالقين بالأمل، حتى لا نتورط في اتهام للشاعر بالتخاذل، في النص اعتراف أن طريق الإصلاح الذي اتخذه الشاعر مسلكا لم يكن اختيارا راجحا؛ لذا فقد اختار مصيرا مغايرا هو الصلب له ولكلماته، إنها الكلمات / إشاراته المركزية الدالة على ترهات أحلامه، و عجزه عن تحقيقها، يقول عمرو الشيخ :

 

(وَغَايَةُ مَا تَمْلُكُ "مَرْيَمُ" أَوْ تَقْدِرُ

أَنْ تَضَعَ الأَكَالِيلَ عَلَى قَبْرِكَ

فِي طَرِيقٍ تَحْرُسُهُ القَصَائِدُ المَهْجُورَةُ

 

 

 

يَا "مَرْيَمُ" لا تُحَاوِلِي ..

قَلْبِي يَلِيقُ بِالصَّلِيبِ

وَقَصَائِدِي جَدِيرَةٌ بِالإِقَامَةِ فَوْقَ عَدَالَةِ الشَّوْكِ

تُجَّارُ الخَطَايَا الآنَ يَبِيعُونَ الشُّمُوعَ

يَا "مَرْيَمُ" ،

المَوْقِفُ تُلَخِّصُهُ عِبَارَةٌ كِلاسِيكِيَّةٌ أَيْضًا مِثْلُ :

"خَانَكِ الوَقْتُ مَرَّةً ، وَخَانَنِي أَلْفَ مَرَّةٍ"

أَنْزِلِينِي بِرِفْقٍ مِنْ فَوْقِ الفَرَسِ

وَدَعِيهِ يَمْضِي حَيْثُ شَاءَ

رُبَّمَا يَسْتَطِيبُ الكَلأَ ، وَالمِيَاهَ الآمِنَةَ

أَسْنِدِي رَأْسِي إِلَى حَجَرٍ قَاسٍ

أَوْقِفِي العَرَقَ

قُولِي لَهُ : لَمْ نَصِلْ

لَكِنَّهُ الطَّرِيقُ انْتَهَى) ص21 ( احكي لهن عن فارس حاول العمر لو يعرف قاتل في جيش من؟! ) وفي مبالغة دراماتيكية يدعو الشاعر عائلته أن تلهو بأوراقه، ربما من أجل تخريبها، وربما من أجل تجديد الحلم عبر تحويلها القصائد إلى أجنحة، يقول الشاعر عمرو الشيخ :

 

(.. اصْنَعِي مِنْ أَوْرَاقِ قَصِيدَاتِي جَنَاحَاتٍ

تَلِيقُ بـ "حَبِيبَة"

لِتَطِيرَ بَعِيدًا وَحْدَهَا

تسْتَحْيِ مِنَ النَّاسِ  .. يُزْعِجُونَهَا كَثِيرًا

واللغَةُ نِصْفُهَا كانَ مَعِي

مِنْ أَوْرَاقِ قَصِيدَاتِي أَيْضًا

قُولِي لِـ "فَرِيدَةَ" تَصْنَعُ مَا شَاءَتْ مِنْ مَرَاكِبَ ،

وَتَرْسُمُ عَلَى ظَهْرِ القَصَائِدِ ..

فَرَاشَاتٍ ، عَرُوسَةً ، قَمَرًا ، قَصْرًا ، حَلْوَى

كُلَّ مَا شَاءَتْ .....

قَدْ تَرَكَ أَبُوهَا كَنْزًا مِنْ وَرَقٍ)

ولعلنا نلحظ هذا الإيحاء بارع الجمال بشعار الثورة المصرية الذي ستحققه فريدة ابنة الشاعر عبر رسمها المتعدد الطفولي، سترسم هي الحرية عبر رمز الفراشات، و العدالة الاجتماعية عبر رمز القصر، و العيش عبر مفردة الحلوى فهو خبز الأطفال، أما العروسة فهي رمز الطفولة الأخضر الذي لا يريد الشاعر لابنته أن تغادره، وكذا فنظراتها دائما يجب أن تمتد للبعيد المنير في ليال سوداء، لذا تكتمل فريدة جوهرا بكلمة القمر. أما في قصيدة الحزن ص36 يطرح الشاعر ملمح عطب الشعر مجددا فهو أداة بائدة عطلتها السلطة أو حرفتها لصالحها، فقد تأزم تلقي الشعر عموما، و افترس وعي الجمهور مقولات معلبة جاهزة من صناع الفتاوى الكذبة، وغاسلي الأدمغة،و كذا من مبرمجي الجسد على خشوع العبيد وحراسة الوهم، في النص يزاوج الشاعر بين هذا الملمح وبين قصة طوفان نوح بحمولاتها الدلالية والرمزية و إن جاز الأسطورية فإشكالية نوح المعاصر تتمحور في أنه لم يختر الصالحين للنجاة أو حاملي رسالات الخير وإنما لدينا هنا نوح النقيض، نوح الذي يضاد نوحا النبي، فهو يغرق الذين آمنوا بالوطن، أو بالحقيقة بينما ينقذ الطغاة :

 

يَا أَبِي :

دُلَّنِي عَلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الحُزْنِ؛

فَالقَصَائدُ لا تَصْلُحُ أَنْ تَصْنَعَ شَاطِئًا أَوْ جَبَلاً

تَفَحَّصْ وُجُوهَ السَّادَةِ الَّذِينَ رَكَبُوا مَعَكَ

بَيْنَ أَسْنَانِهِمْ بَقَايَا قَلْبِي

بَعْضُهُمْ أَنْضَجَهُ عَلَى فَتْوَى،

وبَعْضُهُمْ طَهَاهُ فِي مَطْبَخِ الجُنْدِ

عَتَّقُوا مِنْ دِمَاِئِهِ نَبِيذًا مَجَّانِيًّا

يَكْفِي لِأَنْ تَسْكَرَ أَلْفُ رَأْسٍ لَعِينَةٍ كُلَّ يَوْمٍ

المُصِيبَةُ أَنَّ طَرِيقَ التِّجَارَةِ لَمْ تَكُنْ سِرِّيَّةً،

وَلا مُؤَمَّنَةً !

ولا أتردد في تحديد كنه سفينة نوح الجديدة التي حملت وجوه المنتفعين و الكذبة و تجار الدين وتجار السياسة، إنها الثورة ذاتها- هكذا أعتقد- ، ولكن ما أجده معقدا في ترميزه هو شخصية نوح نفسه التي أبقاها الشاعر لغزا، والتي تطرح سؤالا مصيريا من هو نوح الذي أدخل سفينة الثورة من يضادونها على الدوام، من يعملون على إغراق نوح نفسه، عبر كسر صورته المقدسة عند مريديه! وعبر الديوان كله أيضا نجد إشارات كثيرة دالة على هذا المنحى، أذكرها تباعا :

ص37 القصائد لا تصلح أبدا لحراسة حلم أخضر

ص39 القصائد تصلح أن تكون حديقة / يضرب فيه الموتى مواعيد استثنائية

ص43 ما عاد لي بصمات/ كيف أكتب الشعر ثانية

ص 53 قصيدتي الحالية خافت أن تنعي جنديا وملتحيا وطفلة ومسيحيا خافت أن تذكر يارا وصاحباتها

ص65 ريح ما تطلسم خطواته وتطير ما خبأ من قصائد و تقتل احتمالات الرجوع

 

3- منظومة قمع تطال كل شيء:

يعتبر هذا الديوان مرجعا أساسيا لرصد حالات القمع التي واجهت جموع الثوارالذين خرجوا؛ ليبتثعوا آمالهم في حياة مغايرة على كل المستويات ، وكما ذكرت في مقدمة القراءة الشاعر لا يوافق على اعتبار الثورة حدثا منسيا توارى في مقبرة النسيان، وإنما يصر حتى في حالة تحول هذه الثورة إلى جثة هامدة،أن نتفحص الندوب التي في جسدها؛ لنتفهم حقيقة ألغاز وأحاج أحاطت بها ولا تزال تتنامى، يبدأ ملمح القمع من الإهداء الذي يشي بأننا عمدا نريد نسيان ما جرى وبهذا نقتل الثوار مرات كثيرة ، يقول عمرو الشيخ: إلى شهداء يناير: اطمئنوا، ما زلنا نقتلكم كل يوم بانتظام. وتعتبر قصيدة "الفيلم " لعمرو الشيخ واحدة من أبرع القصائد التي طرحت ملمح القهر باستدعائها لحظة تاريخية عبر التناص الزمني مع حالة الاستبداد التي بلغت ذروتها في الستينيات ومن خلال الإفادة من منجز نجيب محفوظ السينمائي وعلى بدرخان المتجسد في فيلم الكرنك، عبر شخصيات سينمائية أسطورية الجمال كسعاد حسني و نور الشريف وكمال الشناوي وغيرهم، في هذا النص يفاجئنا الشاعر باستحضار شخصية خالد بك صفوان بكل رمزيتها وجبروتها، فالشاعر هنا يلمح إلى أنه كما تحول الفيلم إلى واقع كابوسي مرير فيمكن اعتبار الحياة نفسها فيلما أو وهما هي الأخرى، يقول الشاعرعمرو الشيخ :

(فِي غُرْفَةٍ كَتِلْكَ الَّتِي كَانَتْ فِي فِيلْمِ الكَرْنَك القَدِيمِ

تَمَلَّكَتْنِي فِكْرَةُ تَعْذِيبٍ مُرْعِبَةٍ

تَخَيَّلْتُ رَجلاً ضَخْمًا يُمْسِكُ رَأْسِي مِنَ الخَلْفِ

وَيَدُقُّ بِجَبِينِي مِسْمَارَ بروازِ صُورَةِ الزَّعِيمِ المَهْزوز

الغَرِيبُ أَنَّ المُمَثِّلِينَ كَمَا هَم ، لا يَكْبرُون

لا يَكْبرُونَ أَبَدًا

س: مَا مَصْدَرُ لِحْيَتِكَ ؟

          مِنْ أَيْنَ جَلَبْتَ الشَّعْرَ ؟!

هَكَذَا بَاغَتَنِي "خَالِدُ بِك صَفْوَان" وَهُوَ يَخْلَعُ سَاعِتَهُ ،

بَيْنَمَا المُوَظَّفُ العَجُوزُ يُسَلِّطُ الأَبَاجُورَةَ عَلَى وَجْهِي). ص41

 

 

 

4-  ملمح الاغتراب و الاغتراب في  الديوان متعدد الفيوض : منه اغتراب في المكان،وفقدان الألفة و مبارزة الحنين بالنسيان، وتمثله قصيدة " شريعة الغربة"  التي تكشف للشاعر كنه كل من يجاوره بمشاعر زائفة حتى العائلة لا تسلم من ذلك ، والحبيبة تبدو كذبة في مشاعرها ، حيث يأخذها النهم إلى الهدايا ناسية شعره، يقول عمرو الشيخ:

 

لا يَدْرِي أَيْنَ اخْتَفَى صَوْتُ المُقْرِئِ ؟!

القُرْآنُ لا يَصِلُ أُذُنَيْهِ ..

العِظَامُ تَرُصُّ قِطَعَ الظَّلامِ بِدِقَّةٍ بَالِغَةٍ ..

الغُرْبَةُ تَنْقُشُ شَرْعِيَّتَهَا ..

الجِرافِيتِي يَحْتَلُّ آخِرَ بُقْعَةٍ فِي الجِدَارِيَّاتِ القَدِيمَةِ ..

 

وفي قصيدة " الفيلم "  نجده يدلل على اغتراب عارم، فلم يعد يعرف المدينة ولا أهلها الذين تربوا معه لحظة بلحظة، فمنذ فقدوا قدرتهم على البوح واختزال الحواس كلها في الإنصات المخزي، ملقين وعيهم بعيدا، تحولوا إلى مسوخ قميئة ، يقول :

السَّيَّارَةُ أَلْقَتْنِي فِي شَارِعٍ غَرِيبٍ جِدًّا فِي مَدِينَتِي الصَّغِيرَةِ

عِنْدَمَا كَشَفْتُ الغِطَاءَ ..

النَّاسُ كَانَ شَكْلُهُمْ غَرِيبًا جِدًّا

هَلْ هَؤُلاءِ هُمُ المُتَحَوِّلُونَ فِي أَفْلامِ الرُّعْبِ ؟!

أَجْسَادٌ هَزِيلَةٌ ، رُؤُوسٌ صَغِيرَةٌ ، عُيُونٌ ضَيِّقَةٌ ،

آذَانٌ  ضَخْمَةٌ مُتَوَحِّشَةٌ ، لا أَثَرَ لِوُجُودِ فَمٍ !!

 

 

5- الموت خلاص لذات ملغومة بأحلامها: إن ميراث الموت كان هائلا، ؛ لذا يمكن اللجوء إلى يابسة بديلة أقل قتامة أو اختيار الانتحار ؛ لأن الوطن بالأساس لا شيء إذا كان يضاد أحلام المنتمين له، و تعتبر قصيدة "حياة غير شرعية" ( و التي ترصد كل وجوه الوطن على اختلافها وتناقضاتها وهي قصيدة تحتاج دراسة مستقلة  حيث يطرح الشاعر فيها وجوه الوطن الثمانية من وجهة نظره وهي : وطن الطفولة – وطن الصبا والعيد – وطن الرحيل – وطن الحب – وطن الحريات – وطن العدالة- وطن اليتم أو كما سماه وطن ما بعد أمي – وطن الهجرات الحتمية) تعتبر هذه القصيدة خاصة في مقطعها الثامن دليلا على اشتهاء التخلص من جريمة الذات عبر الخلاص من الجسد الذي هو مصدر الآلام، لأنه يحبس الروح التي هي مصدر الآمال،الروح المقيدة بجسد و وطن يبدل أقنعته، يقول الشاعر/ عمرو الشيخ في هذا المعنى:

 

(مِصْرُ كَانَتْ تَبْعُدُ شَيْئًا فَشَيْئًا

          تَبْعُدُ .. تَبْعُدُ ..

          شَيْئًا فَشَيْئًا ... تَبْعُدُ

لَمْ أَشْعُرُ بِأَيِّ شَيْءٍ غَرِيبٍ

فَأَنَا لَمْ أَرَهَا أَبَدًا مِنْ قُرْبٍ

لَمْ يُرَافِقْنِي إِلا شَرْخُ جَدَارِ المَنْزِلِ

لَمَحْتُهُ مَعِيَ فِي الزَّوْرَقِ !

المَوْجُ ..

          كَانَ يَعْلُو ،

                   وَيَعْلُو ..

 

المِلْحُ فِي فَمِي كَانَ الأَمَارَةَ)

........

يقدم الشاعر عمرو الشيخ في ديوانه " بتوقيت النزيف " الصادر عن دار بردية 2018 نصوصا شعرية تغامر بحس شعري رهيف، جاعلا من الثورة ملحمة في اتجاه مضاد، تاركا قصائده كَيَدِ غريق انفصلت عن الجسد، وظلت طافية على الموج تلوح للبعيد، لتدلل على جريمة منسية في الأعماق.