الأربعاء 15 مايو 2024 - 06:48 مساءً - القاهرة

     

 

 

               

 

  أحدث الأخبار

 

 

  الأكثر قراءة

 
 
 

ما أسباب تراجع الأغنية

  ازمة صوت

  ازمة كلمة

  ازمة لحن

  غياب دور الدولة في تبني أصوات جادة


نتائج

 

 
 
 

مصر والاتحاد الأفريقي والصين والثقافة


د.حاتم الجوهري
الأربعاء 10 أبريل 2019 11:38:04 مساءً



تسلمت مصر الأحد 10 يناير الماضي رئاسة الاتحاد الأفريقي لعام 2019م، خلفاً لرواندا  خلال أعمال القمة الثانية والثلاثين للاتحاد التي عقدت  بالعاصمة الاثيوبية أديس أبابا، لتكون أمامها فرصة سانحة للغاية كي تغير صورتها النمطية التي تعرضت للكثير من الشوائب، من صورة مصر/عبد الناصر القديمة التي كان لها دورا رئيسيا في مرحلة التحرر الإفريقي من الاستعمار، واستطاعت مصر حينها مد الجسور الاقتصادية والثقافية والسياسية مع القارة الجميلة، إلى أن وصلنا للمفارقة والأزمة بتصعيد الملف الأثيوبي وبناء سد النهضة دون اتفاق ومن طرف واحد، إلا أن المفارقة تأبي ألا تكتمل إلا بحسن الحظ ربما، حيث تمت مراسم تسلم رئاسة الاتحاد في دولة المقر وهى أثيوبيا ذاتها، وفي عاصمتها أديس أبابا في فرص واحتمالات مفتوحة بالجملة لتحسين مكانة مصر بالقارة.

هناك الكثير من الفرص الممكنة الآن لتستعيد مصر بعضا من مكانتها السابقة وصورتها الذهنية القديمة في القارة السمراء، هناك عدة محاور يمكن لمصر العمل عليهم أثناء رئاستها للاتحاد الأفريقي، لتربط بين ما هو سياسي واقتصادي وثقافي؛ بداية يجب أن تضع مصر في حساباتها الربط بين ثلاثة محاور قائمة وموجودة بالفعل، أولا: رئاسة مصر للاتحاد الإفريقي وما يمكن أن تطرحه من مبادرات مبتكرة وجادة لتفعيل المزيد من مساحات التعاون بين بلدان الاتحاد، وثانيا: التواصل مع المخططات والوجود الصيني القوي في القارة السمراء من خلال المسار البري والبحري لطريق الحرير الجديد، وثالثا: موقع مصر ذاتها داخل مبادرة الحزام والطريق الصينية والعلاقات المصرية الصينية المتنامية.

 إذا استطاعت مصر توظيف الروابط بين رئاستها للاتحاد وموقعها داخل مبادرة الحزام والطريق ووجود الصين ذاتها النشط للغاية في القارة السمراء، فستكون قد حققت المعادلة الأكثر مناسبة للظرف الإفريقي الراهن، وهو ربما ما قد نجد ضالته في "المبادرة الرئاسية للبنية التحتية" القائمة والموجودة بالفعل، والتي تم تدشينها في عام 2011 وتتضمن عشر مشروعات عملاقة لتنمية البنية التحتية وتشارك فيها مصر كذلك، خاصة وأن مشروع طريق الحرير الجديد الذي تدعمه الصين يقوم بالأساس على استعادة وتجديد وتوسعة محطات طريق الحرير القديم وتعزيز بنيتها التحتية، وهو ما طبقته المبادرة الصينية في أفريقيا من خلال عدة محطات في شرق أفريقيا في: تنزانيا وكينيا وجيبوتي ومصر.

إذا استطاعت مصر الربط بين "المبادرة الرئاسية" التي هى عضو فيها وبين مبادرة "طريق الحرير الجديد" وبين خططها في رئاسة الدورة الحالية للاتحاد الإفريقي، تكون قد حققت معادلة مرجعية مهمة للغاية في إدارة سياستها الخارجية وفق رؤية مشتركة ومدمجة.

 من ناحية أخرى هناك عدة ملفات جانبية يمكن لمصر الحركة فيها وتوظيف وجودها في رئاسة الاتحاد الإفريقي، أهمها ملف دول حوض النيل والعلاقات مع كل من جنوب السودان والسودان وأثيوبيا، وكذلك أمن البحر الأحمر ومضيق باب المندب والعلاقات مع جيبوتي والصومال وأريتريا، وعلاقة ذلك بالملف اليمني والوجود الإيراني هناك.

وفي الشمال الإفريقي المطل على البحر المتوسط يمكن لمصر من خلال رئاستها للاتحاد الإفريقي التفاوض مع أوربا حول ملف المهاجرين بحرا من أفريقيا إلى أوربا، وتحسين شروط التعامل معهم أو وضع نقاط إنذار مبكر للسفن غير الشرعية قبل تعرض ركابها للغرق بين القارتين.

وفي ملف الثقافة يمكن لمصر أن تطالب اليونسكو باسم الاتحاد الإفريقي بتخصيص نسبة أكبر من العناصر الممكن لدول القارة أن تسجلها على قائمة التراث الثقافي اللامادي العالمي، مع زيادة نسبة المخصصات للقارة في مجال صون العديد من العناصر الثقافية المعرضة للضياع والانقراض، مع إمكانية أن تطرح مصر قائمة مقترحة لعناصر التراث الثقافي اللا مادي المشترك بين دول القارة، خاصة في مجال القصص الشعبي والموسيقي والعادات القبائلية.

وعلى مستوى الأدب والفنون يمكن لمصر أن تطرح مشروعا عملاقا لترجمة الآداب الإفريقية وتبادلها بين دول القارة، فيمكن أن تقترح كل دولة مئتي عمل أدبي أو ثقافي يعبر عنها كمرحلة أولى فيما يمكن أن نطلق عليه خزانة الأدب الإفريقي، لتتم ترجمته للغات الرئيسية في القارة، على أن تكون حقوق ترجمة هذه الأعمال المئتين مفتوحة ومجانية  لكل دول القارة السمراء، ويتبعها عقد سيمنارات مقارنة ونقاشات حول المصادر المشتركة والمقاربات المتجاورة في النماذج الأدبية الإفريقية.

وعلى مستوى الحلم الكبير يمكن لمصر أن تطرح مبادرة عملاقة ربما تكون موازية للمبادرة الصينية وفي ضخامتها،  هي مبادرة تفعيل طريق رأس الرجاء الصالح القديم على أن يدور هذه المرة حول أفريقيا بالكامل عبر قناة السويس ولا يقف عند البحر الحمر ، مع اعتبار محطاته القديمة وتجديد بنيتها المشتركة والبحث في عناصرها الثقافية المشتركة كوعاء جامع لشعوب القارة، وهو مشروع ضخم وفي حاجة لجهد طويل لترويجه داخليا وخارجيا، لكنه سيكون مشروعا مصريا رائعا تستطيع منه النفاذ بجدية لجذورها الإفريقية العميقة واستعاداتها، رغم ما سيتطلبه من مواجهة ناعمة مع العملاق الصيني ليقبل أو ليدمج مبادرة طريق رأسي الرجاء الصالح مع طريق الحرير الجديد، وكذلك القدرة على توظيف الرغبة الأمريكية في العودة للقارة السمراء ومواجهة الوجود الصيني من خلال المبادرة، وإدارة التوازن مصريا بين الوجود الصيني والأمريكي في القارة السمراء.

مصر تملك فرصة سانحة لتملك بعض أوراق الضغط واكتساب مساحة متزايدة على الصعيد الدولي من خلال رئاستها لاتحاد الأفريقي، يمكنها أن تحقق مصالح القارة السمراء الطيبة البكر بأهلها البشوشين بطبعهم في البداية وقبل أي شيء كالتزام أخلاقي، ويمكنها أن تستعيد جسورها الثقافية والاقتصادية والسياسية مع القارة الجميلة، وفي الوقت نفسه يمكنها إدارة الوجود الصيني والأمريكي في القارة والموازنة بينهما، لصالح القارة ولصالح الوجود العام لمصر في خريطة الدبلوماسية الدولية.

رغم الوضع الداخلي المرتبك لمصر بعض الشيء إلا أنها تملك الفرصة للمساهمة في تأسيس نظام عالمي لم تتحدد ملامحه بعد؛ قدرتها على استعادة المشترك مع عمقها الإفريقي ومد الجسور التي قطعت سيكون مؤشرا دالا على قدرة كوادرها السياسية أو عجزها، المهارة في إدارة المحفظة السياسية ما بين الصين وأمريكا في الملفات الدولية والإقليمية والإفريقية تحديدا، سيكون مؤشرا على قدرة هذا الجيل من الكوادر المصرية على استعادة روح المبادرة والشعور بمكانة الهوية المصرية ودورها المحوري عبر التاريخ.

رئاسة الاتحاد الإفريقي هى اختبار صعب أمام الدبلوماسية المصرية فإما مرت الدورة التي مدتها عام مرور الكرام الخفاف، أو أثبتت الدبلوماسية المصرية فيها قدرتها على التعامل بمنطق الند للند واستعادة ما هو لها أصلا، وفق كتب التاريخ وتضاريس الجغرافيا وآمال الشعوب.