الأربعاء 15 مايو 2024 - 03:06 صباحاً - القاهرة

     

 

 

               

 

  أحدث الأخبار

 

 

  الأكثر قراءة

 
 
 

ما أسباب تراجع الأغنية

  ازمة صوت

  ازمة كلمة

  ازمة لحن

  غياب دور الدولة في تبني أصوات جادة


نتائج

 

 
 
 

عيون مينرفا


عبد الحميدشوقى - المغرب
الجمعة 12 أبريل 2019 12:49:32 صباحاً



الرواية انفلات من وهم الهوية

 يقول جيل دولوز :" الفكرة احتفال دائم "، والاحتفال لا يكون كذلك إلا بقدر ما يبتعد عن كل سلطة  تحد من اندفاعه، ويمكن للروائي أن يقول: الرواية اشتهاء دائم..

 تجد الرواية العربية اليوم نفسها متحللة من وهم امتد على مدى أكثر من خمسة عشر قرنا، كان خلالها الشعر يعتبر ديوان العرب، أي المعبر الجوهري عن هويتهم. ويجد الشاعر منذ الوهلة الأولى منخرطا في حمل هذا الإرث الثقيل دون أن يعرف لماذا. وكلما ابتعدت القصيدة عن هذا الوهم الثقيل كلما اتهمت بالقصور والشذوذ.

  على العكس من ذلك، تنهض الرواية على مسافة من هذا الإرث الهوياتي، ولا تجد أمامها سوى تاريخ قصير ارتبط بالبدايات الأولى للعصر الأوربي الحديث، وبأربعينات القرن الماضي بالنسبة للرواية العربية. لا يجد الروائي العربي أمامه شبح النابغة الذبياني في سوق عكاظ يفرض سلطته التي لا تقبل الجدال في فرض مصفاته الشعرية التي تمرر بتقتير غير مفهوم ما يستحق أن يكون شعرا وما لا يستحق.

 بهذا الانفلات من ثقل الماضي الذي يقدم نفسه كجينات إبداعية تنقل بالوراثة نوعها الفني وكأنه قانون بيولوجي، يمكن للرواية العربية أن تخرج أولا من سلطة اللغة الأم، ومن سلطة النموذج البلاغي، ومن سلطة الشكل التقليدي وما يفرضه من طريقة في التشبيه والصياغة الشعرية، وأن تنفتح على متن كوني يتمدد خارج اللغة العربية، ويحمل تجارب كونية مكنتها الترجمة من الوصول من قارات كانت مجهولة بالنسبة للعربي، مثل القارة الأمريكية اللاتينية والقارة الآسيوية، وقارة الإبداع  الروسي القيصري، بل وحتى من قارة الرواية الإفريقية التي وصلت العالمية من خلال بعض النماذج الراقية مثل الرواية النيجيرية أو الجنوب أفريقية، وقارة الرواية العبرية.  

 نحن إذن أمام غنى وتعدد في مصادر التكوين والتأثر لدى الروائي العربي، بكل ما يعنيه ذلك من عمق في الرؤية الفنية التي ستجعل المبدع العربي يخرج من "الغنائية" الضيقة نحو "التراجيدية" المفتوحة المتعلقة بالكائن الإنساني في شروطه الكونية، وليس فقط المتعلقة بالكائن العربي الذي توهمنا أنه جوهر خالد لا يسري عليه التحول التاريخي.

 لا أحد ينكر أن هذه المحاولات الرواية الأولى بدأت مع توفيق الحكيم في "عصفور من الشرق"، وبلغت ذروتها مع الطيب صالح في "موسم الهجرة إلى الشمال". لقد أتاحت التجارب الروائية العالمية للمبدع العربي أن يرى ذاته لا من خلال وهم الهوية الثابتة التي خلقتها لديه سلطة لغة أريد لها أن تكون متعالية شعرا ودينا، ولكن من خلال احتكاك ذات بـ"آخر" لا يشاركها في نفس اللغة، ولكن يشاركها في نفس القلق الإبداعي والقلق الإنساني. فهل يمكن أن ننكر ما كان للرواية الفرنسية والإنجليزية والألمانية والروسية القيصرية وروايات هيمينغواي وسكوت فيتزجرالد ويوكيو ميشيما، من تأثير واضح على المتن الروائي العربي؟ وكلما أحس المبدع العربي بثقل نموذج معين، كلما أسعفه تعدد التجارب على الهروب من صوت إلى آخر، وكل صوت يقف على قدم المساواة مع الأصوات الأخرى دون أن يرتبط ذلك بمفهوم الطبقات الشعرية التي يقدمها له التقليد النقدي الذي يجعل الذات المبدعة تنظر إلى نفسها بنوع من التشكك كلما حاولت أن تتجرأ على التطاول على مجد الأقدمين.

 لم يعد الروائي العربي اليوم ناطقا باسم قبيلة أو عقيدة أو هوية أو لغة، بل يقدم نفسه للعالم كصوت ذاتي تعكس تجربته الفردية تداخلَ وضجيجَ أصوات خفية تشكل مياهه الجوفية، ولا يطالب المتلقي سوى بقبول تواضعه الإبداعي المبني فقط على العمق الفكري والمتعة الجمالية والفرادة الذاتية.

  وهل نستغرب بعد هذا كل هذا الانفجار الهائل في التأليف الروائي وفي هجرة كثير من الشعراء إلى الرواية؟ إن الانتقال إلى عالم الحرية والانفلات من وهم الماضي وثقل النموذج الأبدي. وقد نجد هذا المبرر حتى داخل حقل الشعر العربي نفسه، حيث أصبحت التجارب الشعرية المتحررة اليوم تعي أن شرط الإبداع يكمن في التحلل من كل سلطة مهما كانت، وفي الانفتاح على المتن العالمي.