الخميس 16 مايو 2024 - 03:40 صباحاً - القاهرة

     

 

 

               

 

  أحدث الأخبار

 

 

  الأكثر قراءة

 
 
 

ما أسباب تراجع الأغنية

  ازمة صوت

  ازمة كلمة

  ازمة لحن

  غياب دور الدولة في تبني أصوات جادة


نتائج

 

 
 
 

الدولة المعاصرة وامتلاك بنية العالم الافتراضي


د.حاتم الجوهري
الاثنين 22 أبريل 2019 03:07:52 صباحاً



 

مفهوم الدولة في القرن الحادي والعشرين ومستلزماته أخذ شكلا مغايرا للغاية عن الشكل التقليدي للدولة ومؤسساتها البيروقراطية الموروثة قديما، أصبحت هناك مستلزمات مطلوبة للدولة المعاصرة في عصر الوسائط المتعددة والتواصل الافتراضي عبر شبكة الإنترنت وتطبيقاتها وآلياتها المتعددة، يمكن أن نطلق على تلك المستلزمات "البنية التحتية للنفوذ الافتراضي".

بمعني أن تمتلك الدولة بنية تحتية إلكترونية صلبة (أجهزة ومعدات) وبرمجيات ومخرجات تطبيقية متنوعة؛ تحقق لها الحد الأدني من الوجود في العالم الافتراضي الواسع وفق مغريات تقدمها عبر منصاتها الإلكترونية لتكسب النفوذ الافتراضي عند مواطنيها أو غيرهم، وقد تقع الدول هنا في فخ استخدام بني تحتية افتراضية لا تمتلكها بحجة أنها متاحة ومجانية وتخضع لملكية الشركات متعدية الجنسيات، لأن الأبنية الافتراضية الأجنبية لها سياقها وقدرتها على بناء نفوذ خاص بها لدى المستخدمين وفق السياسة المعرفية والثقافية التي وضعها مطوروها وممولوها.

لذا فمن الأهمية بمكان أن تلتفت الدول العربية (ومصر على وجه التحديد) لأهمية وجود بنية افترضية مستقلة خاصة بها، تؤسس لنفوذها الافتراضي على المدى القصير والمتوسط وطويل الأجل، فالولاء الإلكتروني في العالم الافتراضي أصبح أمرا واقعا، وأصبح الواقع الافتراضي مجرد انعكاس لمساحة من الوجود الفعلي للظاهرة الإنسانية وأنشطتها في العصر الحديث.

وخطورة الولاء الإلكتروني الجديد بعيدا عن المجال السياسي والفكري المباشر؛ هو قدرته على التأثير غير المباشر في وعي وتوجيه الشخصية، عبر آليات التنميط وغسيل المخ الحماعي وخلق سياسة القطيع (أو الجموع بشكل اكثر تهذيبا)، التي ربما ستسمح ببعض الشعارات الظاهرية شكلا لكنها ستعيد تشكيل منظومة القيم الأساسية، وتتحكم في المواطن الافتراضي العالمي متجاوزة مستودع الهوية التاريخي الموروث الخاص بكل دولة وشعبها وقيمها.

وإذا لم تلتفت البلاد العربية ومصر مبكرا وسريعا لأهمية الاستثمار في مجال "البنية التحتية للنفوذ الافتراضي" وفق خطة متدرجة وواعية للغاية، سكنتشف أن الهوة الموجودة بالفعل والشرخ في اتساق منظومة قيم الإنسان العربي قد وصلت لحد صعب للغاية، بما قد يؤدي في نهاية المطاف لحدوث صدام جديد لأسباب متعددة وحتى متنافرة بين مستويات المجتمع العربي.

نخبة الفرز الطبيعي التي تتسق مع مستودع هويتها بطبيعتها وتدافع عنه، ستبدأ في التمرد والاعتراض على توجيه سلوك القطيع الناعم والخفي في مجتمعاتها العربية، وستحاول خلق حالة مضادة له، بنية السلطة التقليدية ستقبل بالوضع وتتعايش معه طالما لم يهدد نفوذها ومصالحها المستقرة، لكن اتزان المعادلة لن يستمر طويلا، لأن محكات مستودع الهوية غير المتوقعة خاصة في منطقة ساخنة مثل المنطقة العربية، ستجعل رد فعل الجموع الافتراضية عند يقظتها شديد العنف في محاولة للتطهر من صراعه الداخلى المتراكم في منظومة قيمه.

ليكون الحل الأمثل نحو التغيير المتدرج في سبيل الاتساق مع مستودع الهوية العربي الموروث، هو سرعة الانتقال لتأسيس "البنية التحتية للنفوذ الافتراضي" عربيا، لتوجه تشكيل النمط وثقافة الجموع نحو التوحد مع قيم مستودع الهوية تلك وتضبط سلوك ثلاثي التدافع المجتمعي ما بين: بناء السلطة والجموع والفرز الطبيعي، نحو الاتساق أكثر مع الذات ونقل الوجود والنفوذ التاريخي الواقعي، إلى الوجود والنفوذ الافتراضي المعاصر.

وسيتنوع الجمهور المستهدف محليا وإقليميا ودوليا من استخدام "البنية التحتية للنفوذ الافتراضي" في الدول العربية، محليا سيحقق المشروع توازنا في ارتباط مستخدم الخدمة الافتراضية من مواطني الدولة في ارتباطه بالأبنية والمنصات الافتراضية الأجنبية، وما تقدمه من سياقات ثقافية لابد بدرجة من أن تعبر عنها وتؤسس لبناء ولاء خاص لها، بما سيجعل البنية الافتراضية العربية كجزء من حزمة أوسع ونسق أكبر تهدف لتظيم الوجود الافتراضي والنفوذ الافتراضي في حياة المواطن العربي.

 وعلى المستوى الإقليمي ستحقق البنية الافتراضية الوجود الفعلي لنفوذ الدولة، وذلك عبر ارتباط الجمهور العربي بالمنصات الإلكترونية المتعددة ومخرجاتها التي ستقدمها الدول العربية بما ستتضمنه من مفاهيم وتصورات تعبر عن مستودع الهوية العربي، على أن يكون مصدر الجذب والمفاضلة الرئيسي  على المستوى الإقليمي هو القدرة على تقديم خدمة أكثر التصاقا وتعبيرا عن الجمهور والجموع العربية في مواجهة منافسيها.

وعلى المستوى الخارجي ستحقق البنية التحتية للنفوذ الافتراضي ومنصاتها الإلكترونية عامل جذب للمستخدم الأجنبي من جهة توفير مصدر معلومات وتطبيقات أكثر تعبيرا للباحثين عن المعلومات في نطاق الدول العربية، ومن جهة اخرى شيئا فشيئا ستملك الدول العربية الفرصة لتضبط العديد من المفاهيم المغلوطة والمشوهة التي ستروجها البنية التحتية للنفوذ الافتراضي الأجنبي ومنصاته الإلكترونية ، عند قطاع سينمو بالتدريج دوليا كلما كان أكثر قدرة على تقديم الخدمات نفسها بالمحتوى صاحب النكهة العربية.

يمكن أن نتعتبر البنية التحتية موازية بشكل ما هنا لمصطلح (Hard ware  )، فكيف ستسعى الدول العربية وعلى رأسها مصر للترويج لثقافتها الناعمة ولنفترض أنها توزاي هنا بشكل ما مصطلح (Soft ware) دون أن يكون لديها البنية الصلبة المتماسكة لنقلها وحملها كمنصة مستقلة، شروط الدولة المعاصرة أصبحت تتطلب امتلاك بنية تحتية افتراضية بتمثلاتها المختلفة وتطبيقاتها المتنوعة، وكلما تأخرت مصر والبلاد العربية في إدراك أهمية الاستثمار في مجال بنية العالم الافتراضي، كلما كان الثمن شديدا كالعادة.

خاصة إذا اعتمدت المحددات الأساسية لشغل وتعبئة تلك البنية على ما هو مشترك وإنساني وتاريخي ومستقبلي بين كل العرب و"مستودع هويتهم" المتراكم، وابتعدت عما هو استقطابي على كل المستويات العرقية والدينية والطائفية والسياسية.