الخميس 02 مايو 2024 - 06:56 مساءً - القاهرة

     

 

 

               

 

  أحدث الأخبار

 

 

  الأكثر قراءة

 
 
 

ما أسباب تراجع الأغنية

  ازمة صوت

  ازمة كلمة

  ازمة لحن

  غياب دور الدولة في تبني أصوات جادة


نتائج

 

 
 
 

خيري شلبي ..أديب المهمشين الذي استمد وحيه من المقابر


زينب عيسي
الخميس 19 ديسمبر 2019 01:03:36 صباحاً



 

لم يكن يوما يرتبط وحي كاتب أو أديب بأماكن غريبة أكثر مما فعل أديبنا الكبير الراحل خيري شلبي الذي تواكب هذه الأيام ذكري رحيله عام 2011 ،فقد ولدت كثير من أعماله التي نالت شهرة كبيرة من رحم أجواء  المدافن التي كان يحب أن يهرع اليها حينما تختمر فكرة ما في عقله وهو في ذلك شأنه شان كثير من الكتاب الذين تمثل المكنة طقسا أساسيا في كتاباتهم ، حين قابلته قبل وفاته بأعوام قليلة في كافيتيريا  المجلس الأعلي للثقافة قبل ان تغلق أبوابها وكان قد حدد هو المكان لم يشعرني برهبة لقاء قامة أدبية  كبيرة مثله حكينا عن أسرتي وأسرته وتلاطف في الحديث بكل بساطة ما مكنني من الأسهاب معه حول رحلته التي حملت تناقضات كبيرة وعن المهن المختلفة البسيطة التي تقلب عليها وشكلت بلا شك تلك الشخصية المتصالحة مع الحياة والناس حيث عمل في بداية حياته كمحصل تذاكر "كمسري"، وعامل بمقهى "قهوجي"، وأيضا عامل تراحيل، وصبي كواء وفي محل ترزين لم يستح أو يتنكر من تلك البدايات وهو أبن العائلة الأصيلة التي تعرضت لظروف جعلته يسعي للاعتماد علي نفسه ، وكان هذا جزء أصيل لتكوين انحيازاته الأدبية والسياسية رغم انه لم ينتم الي اي حزب سياسي او تتجه كتاباته الي السياسة ،واذا عن لنا ان نتعرف علي خيري شلبي نستمع اليه وهو يعرف نفسه بجملة واحدة فيقول "ما أنا إلا حكواتي سريح، شرير ومجنون، ولو كنت عاقل مكنتش هأبقى خيري شلبي.".

وحكاية الكتابة في المقابر كان يرويها " شلبي"  بفخر وثقة من أنه قد نجا من "جحيم" القاهرة وصخبها حيث أستأجر حوشًا في قلب المقابر ليمارس فيه طقوس الكتابة حيث اعطاه أحد أقاربه مفتاح "حوش" أحد المقابر،  التي كان بها مقهي شعبي كان مقرا له ولاصدقائه من أبناء الحي البسيط يهرع اليهم بعد ان ينتهي من الكتابة لمدة عشر ساعات تقل او تزيد حسبما تجود قريحته ويعود مرة أخرى إلى الكتابة أو القراءة عن الطبقات المهمشة التي أصبحت محور أعماله .

أما حكاية الكتابة في المقابر فروتها  ابنته ريم في أحدايث صحفية وأرجعتها الي الصدفة ففي  إحدى المرات تعطلت سيارته بالمقابر الموجودة بالقرب من منشية ناصر، ودله البعض على ميكانيكى، فترك السيارة لدى الورشة وجلس على كرسى بقهوة هناك فى انتظار إصلاحها، وواتته أفكار للكتابة، فبدأ وانهمك فى الكتابة، ولم يقاطعه أحد من المحيطين إلى أن انتهى، وكان راضياً عما كتب يومها، وشجعوه على زيارتهم، وعرف الناس وقتها أنه صحفى، فبدأوا يحكون له حكاياتهم، وتعرف على عالمهم، وبعدها استأجر مكاناً بالمقابر للكتابة، حتى إن بعض الأصدقاء زاروه فى هذا المكان، واستلهم من المكان شخصية «عم أحمد السماك» واستوحى من قصة حياته ثلاثية الأمالى، وكتاب «ناس فى الأدمغة»

وتحتفظ المكتبة العربية  لـ"عم خيري" الذي ولد بقرية شباس عمير التابعة لمركز قلين في 31 يناير 1938، وتوفي في سبتمبر 2011م، عن عمر يناهز 73 عامًا ما يزيد على 70 كتابا، من أشهرها  السنيورة، الأوباش، الشطار، ، العراوى، فرعان من الصبار، موال البيات والنوم، (أولنا ولد - وثانينا الكومى - وثالثنا الورق)، بغلة العرش، لحس العتب، موت عباءة، بطن البقرة، صهاريج اللؤلؤ، نعناع الجناين، لكن تظل رواية الوتد هي العالقة في الأذهان حيث تحولت الي مسلسل درامي عرف الجمهور العادي بخيري شلبي وفيه جسد القرية المصرية بكل  تفاصيلها وخاصة وضع المراة كعامود للبيت رغم الرؤي التي تدني من دورها  وقامت ببطولته العظيمة هدي سلطان والفنان يوسف شعبان ، لاننسي أيضا فيلم سارق الفرح للمخرج داوود عبد السيد ،ورواية وكالة عطية التي تحولت الي عمل درامي بنفس الأسم .

وخيري شلبي رغم كونه احد أهم روادالفانتازيا التاريخية في الرواية العربية المعاصرة ،لكنه  ابتدع لونا من الكتابة الأدبية اشتهر به بين القراء، وهو فن البورتريه،حيث قدم 250 شخصية  من نجوم مصر في جميع المجالات الأدبية والفنية والسياسية والعلمية والرياضية، على امتداد ثلاثة أجيال، من جيل طه حسين إلى جيل الخمسينيات إلى جيل الستينيات بأسلوب أدبي بديع وقريب من القارئ وهو ما حرص عليه خلال رحلته الأبداعية التي انحاز فيها للبسطاء قبل طبقة الكريمة التي لم تكن تشغل باله علي الأطلاق وهو ما اهله لينال لقب فيلسوف الغلابة  وحكاء القرية المصرية