الثلاثاء 14 مايو 2024 - 04:43 مساءً - القاهرة

     

 

 

               

 

  أحدث الأخبار

 

 

  الأكثر قراءة

 
 
 

ما أسباب تراجع الأغنية

  ازمة صوت

  ازمة كلمة

  ازمة لحن

  غياب دور الدولة في تبني أصوات جادة


نتائج

 

 
 
 

أوراق ثقافية


وائل النجمي
الأحد 16 فبراير 2020 12:33:36 صباحاً



القوى الناعمة المصرية والاستراتيجية الثقافية!

أتساءل في هذه المقالة: أين القوى الناعمة المصرية من قضايا الوطن المصري وما مشكلات تحقيق فاعليتها؟ ولماذا لا تستطيع أن تصبح موردا ثقافيا يساعد الدولة في تحقيق سياساتها الداخلية والخارجية، ولماذا لا تسهم في تحفيز المواطن المصري وتحويله إلى حالة الإنتاج، وحالة الشخصية المصرية الفاعلة؟ ولماذا تقف عاجزة في مواجهة أفكار التطرف والإرهاب؟ هل أصبحت القوى الثقافية المصرية عاطلة عن التأثير في المجتمع المصري والعالم العربي ومن ثم مجمل العالم؟ وما معوقاتها؟ وكيف يتم النهوض بها؟ لقد صاغ (جوزيف ناي) في 2004م بجامعة هارفارد مصطلح «القوى الناعمة» لوصف القدرة على الجذب والضم دون الاكراه أو استخدام القوة كوسيلة للإقناع. ثم توسع المصطلح في الآونة الأخيرة، ليشمل قدرة التأثير على الرأي الاجتماعي والعام وتغييره من خلال قنوات الفعل الثقافي؛ وموارد القوى الناعمة لأي بلد هي ثقافته، وهي تعمل جنبا إلى جنب لمصلحة الوطن مع قواه الصلبة – العسكرية – من أجل تقوية صورة البلد، وتسويقها وتدعيم سياساتها الداخلية والخارجية، وكلما تمتعت هذه القوى بالجاذبية كلما أسهمت في تحقيق المزيد من المكاسب بدون احتمالية الدخول في صدامات أو خسائر. وعلى خلفية هذه الرؤية ومن منظور ثقافي بحت، أتساءل: لماذا تراجعت قيمة المثقف المصري؟ لماذا أصبح عاطلا عن التأثير عن ذي قبل؟ ومثل هذا التساؤل ومحاولة أيجاد إجابة عنه ليس بالأمر الهين، بل أخشى أنه أمر يثير الكثير من الغضب في اتجاهات عدة، على رأسها المثقفين أنفسهم، الذين تثبت الوقائع أنهم رغم رغبتهم في ممارسة الانتقاد للواقع وللمؤسسات طوال الوقت، إلا أنهم ليس لديهم تقبل لنقد الذات، وأن فكرة من النرجسية والأنانية تسربت للمثقفين باعتبارهم القاطرة التي تسبق المجتمع، دون الوعي بأن الواقع يشير إلى خلل في هذه القاطرة، وفي ممارساتهم، والحقيقة أنني أعتقد أنه آن الأوان لمرحلة من النقد الذاتي والمراجعة للفعل الثقافي والممارسة الثقافية، فإذا ما كان الهدف الرئيسي والشعار المعلن لأي مثقف هو محبة الوطن، والنضال من أجل قضايا الجمهور، فإنه من الواجب أن ننظر في الأفعال الثقافية، وفيما يتعلق من إجراءات ثقافية على الأرض هل فعلا تصب في مصلحة هذه الشعارات، أم تحوّل المثقف المصري عبر مجموعة من الممارسات الروتينية والشللية والبحث عن المصالح الشخصية وتحويل الفعل الإبداعي إلى فعل شخصاني أكثر من كونه فعل جمالي، فضلا عن الانغلاق في برج عاجي عن المواطنين، واتهامه بالدونية والأمية وعدم الرغبة في الوصول إليه. إذن لدينا حالة من حالات الانغلاق الثقافي بين مُنتج الثقافة، ومتلقيها، فالمثقف له عدة مستويات، فهناك المثقف المنتج للثقافة، سواء كان روائيا أو شاعرا أو كاتبا أو باحثا أو أكاديميا بالإضافة إلى رجال الدين وكذلك الفنان والمغني إلى أخره من المواقع التي يمكن أن يشغلها المثقف، ولعله أمر لا يلتفت إليه الكثيرون أن المغني والممثل وفنان الفنون الشعبية – حتى الراقصة وإن كنا نتحدث عن استحياء – إلا أن كل هذه الطبقات على الاختلاف فيما بينها هي في النهاية أحد روافد الثقافة، وتنتج وتؤثر في الفعل الثقافي – سواء اتفقنا معهم أم اختلفنا قبلنا أو رفضنا، بل انضم حديثا لهذا الإنتاج المدونون وأصحاب قنوات الانترنت وصفحات التواصل الاجتماعي، إذن هناك متغيرات جديدة على الساحة الثقافية لم يكن يضعها المثقف في الحسبان من قبل، وبجانب المُنتج هناك المُقدِّم للثقافة، وهو الحلقة الوسيطة، ذلك الذي يعمل عمل الشارح أو الميسِّر لتقديم الثقافة إلى الجمهور – وهو الدور الذي شهد تراجعا كبيرا في الفترة الأخيرة – ثم هناك الجمهور، الذي يعاني من مشكلات نقص التعليم، واختفاء القيم، وتعددية الاختيارات دون أن يكون مؤهلا لمعرفة الفارق في النوع والدرجة والأثر لهذه الاختيارات، وبهذه الخلفية المعقدة من التداخلات تتعقد خريطة الممارسة الثقافية في مصر والعالم العربي، ويسهم ذلك في تقليل الاستفادة منها، وفي اللقاءات القادمة سأفصل الكلام أكثر حول هذه النقاط وحول إمكانية تحقيق استراتيجية ثقافية تفيد المجتمع وتسهم في تطويره، فإلى لقاء قادم إن شاء الله.