أحلام فترة النقاهة
عبَّر( نجيب محفوظ) عن سيره موته في الحلم الأخير( 206) الذي كتبه قبل رحيله بساعات وتلك الأحلام التي سماها ( أحلام فترة النقاهة) عكست رؤيته الفلسفية والسياسية والاجتماعية ، وهي تدفعنا للتأمل والتفكير في أشياء كثيرة ، وبرغم انطلاقها من ذاته إلا أنها عبرت وتُعبر عن ذواتنا أيضا.
سماها ( أحلام) ولم يسمها ( قصص ) أو ( قصص قصيرة جدا ) لأنها لا تستند إلي أدوات القصة الفنية ، استنادا يُعطيها تلك الصفة.
لجأ (نجيب محفوظ ) إلي تلك الكتابة المُكثفة ، عقب إصابته ،بعد محاولة اغتياله في يوم 14 أكتوبر عام 1994، بسكين متطرف تابع لجماعة الجهاد الإرهابية.
بعد تلك الحادثة لم يستطع الكتابة بنفس الطريقة التي كان يتبُعها ، فتوقف عن كتابه مقاله الأسبوعي ( وجهة نظر) في جريدة الأهرام ، واستبدله بحوار مع الكاتب ( محمد سلماوي ) كان يُنشر - في نفس المكان - أسبوعيا.
- ظل يكتب تلك الأحلام طوال تلك الفترة حتى قبيل رحيله بساعات.
- ومن المُفارقة ، التي أراها جاءت عن قصد وتعمد ، أن محاولة اغتياله حدثت في نفس الشهر الذي حصل فيه علي جائزة نوبل ، ولكن بعد مضي ست سنوات ( حصل عليها في 13 أكتوبر 1988) وكاد اليوم أن يكون هو نفسه ( محاولة الاغتيال في 14 أكتوبر 1994) وكأن الإرهاب الأسود ، قصد ألا نحتفل معه بذكري حصوله علي الجائزة.
- لقد رأت جماعات التطرف والإرهاب ، أن قتل الرجل أصبح أمرا ضروريا بعد أن جدف وكفر وأصبح زنديقا ، حين كتب روايته ( أولاد حارتنا ) - هكذا حكموا عليه ، وهكذا فسروا روايته - التي جاءت ضمن الأعمال التي حصل بسببها علي الجائزة .
ذلك المُتطرف الذي طعنه بالسكين لم يقرأ الرواية ، ولم يعرفها حتى أكثرنا ، لأنها لم تُطبع في مصر ، وناشر أعماله لا يذكرها ضمن القائمة استنادا إلي ذلك.
نُشرت- فقط - في جريدة الأهرام يوميا في الفترة من 21 سبتمبر – 25 ديسمبر عام 1959 ، حين تحمس لنشرها (محمد حسنين هيكل ) رئيس تحرير الأهرام - في ذلك الوقت - وأثناء نشرها ، اعترضت عليها هيئات دينية ومنها ( الأزهر) ، فكان هذا الاعتراض سببا لمنع نشرها بين دفتي كتاب ، لكنها نُشرت في بيروت عام 1967.
نجيب محفوظ نفسه لم يكن مع نشرها داخل مصر ، لأنه رجل مُسالم ، ولم يكن يريد الدخول في مشكلات مع تلك التيارات التي تتحدث باسم الدين ، وبعد محاولة اغتياله نُشرت لأول مرة- بدون علمه - في مصر كاملة في عدد خاص من أعداد ( جريدة الأهالي ) الصادرة عن حزب التجمع في أكتوبر 1994 ، وبعد رحيل ( محفوظ) نشرتها دار الشروق عام 2006.
- رحل نجيب محفوظ في الثلاثين من أغسطس عام 2006 ، بعد الحادثة باثني عشر عاما .. ورحيله لا يعني غيابه، لأن فكره وإبداعه كتبا له الخلود.