السبت 18 مايو 2024 - 08:31 صباحاً - القاهرة

     

 

 

               

 

  أحدث الأخبار

 

 

  الأكثر قراءة

 
 
 

ما أسباب تراجع الأغنية

  ازمة صوت

  ازمة كلمة

  ازمة لحن

  غياب دور الدولة في تبني أصوات جادة


نتائج

 

 
 
 

نظرة


مرفت عمر
الجمعة 28 فبراير 2020 12:19:53 صباحاً



فيلم "صندوق الدنيا "والعالم الموازي

ربط فيلم صندوق الدنيا بين منطقة وسط البلد بالقاهرة من وجهة نظر القروي البسيط في حكاياه لابنه الذي يزورها للمرة الأولى، وبين من يسكنها وتمتزج معاناته بأزقتها وجدرانها العتيقة، الخطوط الدرامية التي بنيت عليها الأحداث إلتفت جميعها حول الخط الأول، اللاهث لاستكشاف حياة عاشها في خياله ونسجت خيوطها أنامل لاعب عرائس الماريونيت ، ففي رحلة سائق الأجرة من إحدى قرى الريف التي يصطحب فيها ابنه المراهق إلى القاهرة لتوصيل عدد من السيدات للوفاء بنذورهم، يلخص في جمل حوارية بليغة طبيعة الحياة في وسط القاهرة أو كما يطلقون عليها في الأقاليم "مصر"، الحوار يعد في الفيلم من أبرز العناصر حيث روعي فيه الايجاز والعمق في الكثير من المشاهد.

 

 

مصر التي لم يزرها السائق "باسم سمرة" منذ وفاة زوجته تصبح محطته الأخيرة، ويحدث الربط بين عرائس الماريونيت التي استهوت ابنه في استهلال الفيلم واقعا يعيشه، بينما تتقاطع معها الخطوط الدرامية الأخرى لتؤكد طبيعة لعبة صندوق الدنيا بما تتضمنه من حلقة ربط لعدد من القصص، الصندوق يحوي الريجيسير "عمرو القاضي" الذي يفرض تنازلات على الممثلات الجدد لايجاد عمل لهن، والممثل "أحمد كمال" الذي يمنح التفاؤل والدعم لأصدقائه المحبطين وهو لا يجد عملا، الأبكم"علاء مرسي" الذي يحب فاطمة ولا يقوى على الاعتراف لها، الكاتب :خالد الصاوي" الذي قرر قتل زوجته التي يحبها لسوء سلوكها، ولاعب السيرك "علي صبحي" الذي يلتف حوله شخصيات العمل بدافع الانبهار أو عدم الاستسلام للحالة.

الفيلم تضمن استهلال موفق أجبر المشاهد على التركيز في كل التفاصيل وصورة غنية مع كادرات ولوحات تشكيلية، واختيار منطقة وسط البلد لتكون محورا للأحداث جاء موفقا جدا، لما له من طبيعة خاصة يسهل معها إحكام ربط تلك الحلقات، فهي المنطقة التجارية التي تعج بالبشر من كل حدب وصوب، وهي المقاهي والبارات والمنتديات الثقافية والعيادات والشركات، يتجول بها لاعبي النار وآكلي الزجاج وكل من لديه مواهب خاصة، بينما أغلب ساكنيها يعانون صعوبة الحياة ويتعدون خط الفقر.

قدم المخرج عماد البهات عملا فنيا اكتملت أغلب عناصره من سيناريو وحوار وتصوير وإضاءة ومونتاج ومكساج وموسيقى، ليكون عمله الروائي الطويل الثالث بعد استغماية والبلياتشو محطة مهمة ومختلفة في حياته، كما كانت أغلب شخصياته موفقة على مستوى الكتابة واختيار الممثل وإجادته، لنشاهد عملا مميزا ممتعا ذا رؤية خاصة.

العناصر النسائية في العمل جمعت بين الضعف والقوة وهو ما أراه طرحا متوازنا، أظهر النموذج الأول "فرح يوسف" ضعيفا قابلا للتنازل بفعل خلافاتها المتكررة مع الزوج وتطلعها للأضواء، والنموذج الثاني "رانيا يوسف" أكثر ضعفا بفعل البحث عن الزوج والأبناء، أما النموذج الثالث "جيهان خليل" قويا يرفض التنازلات رغم صعوبة الحياة، وهو الطرح الذي يعلى من قيمة الاختيار ويبعد عن النظرة الدونية للمرأة.

القناص "عمرو القاضي" في الأحداث والذي ساهم في تدمير العديد من النساء هو أضعف ما يكون أمام من أحب، لا يكل من عرض الزواج عليها بعد 10 سنوات ورفضها المستميت تحقيق رغبته، الكاتب العاشق يتمنى قتل زوجته الخائنة رغم يقينه أنه لن يعشق بعدها، أما المختل عقليا "علاء مرسي" فلا غاية له إلا القرب من فاطمة التي يراها كل نساء العالم، والسائق لم يقوى على الزواج بعد فقده زوجته ووهب حياته لابنه الوحيد، بينما الطبيب كبير السن لا يتورع عن خداع الفتيات تحت ستار الزواج العرفي ثم يتركهم لمصائرهم.

 

العالم الكبير الذي وجد فيه الشاب القروي "علي" نفسه بعد فقد والده لم يختلف عما شاهده على مسرح عرائس الماريونيت، شخوص تتحرك وتتكلم وترقص بإدارة آخرين، يتحكمون في مصائرهم ويغيرون في نهاياتهم، هذا هو صندوق الدنيا الذي سعى لتنمية خيال الأطفال والحياة في عوالم أخرى موازية أكثر أمتاعا