الأربعاء 15 مايو 2024 - 01:54 مساءً - القاهرة

     

 

 

               

 

  أحدث الأخبار

 

 

  الأكثر قراءة

 
 
 

ما أسباب تراجع الأغنية

  ازمة صوت

  ازمة كلمة

  ازمة لحن

  غياب دور الدولة في تبني أصوات جادة


نتائج

 

 
 
 

تقاسيم


د. زينب العسال - تقاسيم
الثلاثاء 03 مارس 2020 04:34:08 صباحاً



"لم يمت " مقدمة لحن إبداع جميل  لطيفة الزيات

تعتمد قصة" لم يمت "للدكتورة لطيفة الزيات والتى نشرت فى مطلع الخمسينات فى كتب للجميع كان العدد عن الفدائيين

لم تشر الزيات إلى القصة ولم تضمها فى أى مجموعة،إعتمدتالقصة على واقعة تاريخية حدثت أيام الاحتلال الفرنسى ، وقد استلهمتها د. لطيفة الزيات لتساهم بها همم المصريين آنذاك كى يواجهون عدوا أخر ، فالهدف السياسى لم يغير عن الزيات ..فالاهتنام بالواقع والسياسة كانت المحرك الأول للابداع لديها فهى ثم المثقف العضوى،فهي تمثل المثقف العضوي.

القصة ارتكزت على فكرة الفرد الذى لا يتحقق إلا لتواصل مع الجماعة والتحامه بها ، فلطيفة جعلت الصبى يرجل بالبندقية إلى قرية أخرى ليسلمها إلى أهل تلك القرية؛حتى يخوضوا نضالهم ضد قوات الإحتلال الفرنسى الذى قتل اباه وأمه وأهل قريته..

كما سبق القول بالقصة استوحتها الزيات من التاريخ  يتصدر القصة مقطع من مذكرات الجنرال "ريبوا"احد قادة الحملة الفرنسية على مصر يقول:"كان الجنود الفرنسيون يعملون على إخماد الثورة بإطلاق الرصاص  على الفلاحين المصريين ، وفرض الغرامات على البلاد ولكن الثورة كانت كحيل ذات مائة رأس ، كلما اخمدها السيف والنار من ناحية ، ظهرت من ناحية أخرى اقوى وأشد مما كانت ، فكانها كانت تعظم ويتسع مداها كلما ارتحلت من بلد إلى آخر  ونقطة من هنا ونقطة من هناك يتجمع السيل ليجرفنا من حيث جئنا.

بهذا التصدير ندرك ان القصة تتناول  صورة من صور الكفاح ضد الاحتلال الفرنسى ، فالبطل صبي يتسلل لمعسكر ألجنود الفرنسى يحمل بندقية لكن يكتشف امره!  يجلد فيفقد الوعى'وحين يفيق  يجد الجنود الفرنسيين فى نوم عميق ، فينتعش الأمل فى نفسه من جديد ويحاول أن يهرب ببندقبته'ويتجه بها إلى أقرب قربة وهى " قرية الفقاعى"وفى طريقه للقرية  ، ومع شدة ألمه وجراحه يتذكر الصبح مت حدث لأبيه وأمه وأهل قريته " لو كان مع الفلاحين سلاح لما ذهبوا ... ولا نتصرواعلى الفرنسيس".

هنا العلاقة بين الفرد والمجتمع وتساوى بين تلك العلاقة وعلاقة المجتمع بالوطن ، فالصبى مهما كان شجاعا فلن يواجه العدونحن لا نرى شيئا ولا نسمع شيئا..فقط زحف الصبى على الأرض وجهاد فى أن يصل لقرية الفقاعي

لا نجد ملامح للمكان ومن ثم لا نجد اى معالم أو ملامح للمكان..المهم هو تحر ير الأرض  الوطن كن قبضة العدو والقضاء عليه .

تشبه لطيفة الزيات الفلاحين بنابلس القمح انهم نبت هذه الأرض ..أرضهم

يتكون جسده المتهالك على الأرض في تحفز ..وينتهى مصير الصبح  وهو مسجى على الأرض دون أن يلتقى بأهله ..لكن وجد أهله فى هؤلاء الفلاحين الذين ينتظرون مصيرهم المؤلم، انه يحبهم قبل أن يراهم ..يعرفهم قبل أن يقابلهم ويشعر بأنه جزء منهم أما السلاح فقد اتاهم به.

تصف لطيفة الزيات الطفل بعد أن تعرض لتعذيب الفرنسيين،" أحمر ت وجوههم غضبا حين امتنع عن التأوه والصراخ، أن يدا حديدة جبارة تعتصره، التسلخات والقروح في  ظهره تشتعل ، لم يعد يشعر بالدم الزج وهو يسيل مدرارا"

أعتقد أن هذه القصة تعد العمل الأدبى إلا أنها تقدم فيها تقنيات حديثة كالمشاهد الاسترجاع وهى فى الوقت ذاته تفسر دوافع الصبح لاقتحام معسكر الأعداء.

وتقوم الجملة الفعلية التى تحتل المكانة الأولى القصة بدور كبير فى تصوير تصاعد الحدث المؤدي فى الوقت نفسه إلى إحداث تأثير في  وجدان المتلقى " لا يريد من الحياة إلا أن يهمهم ويسهم ويطوسهم فى التراب "

"وقطع على الصبى افكاره وقع أقدام فتشبثت يده الجريحة بالبندقية التي حملها وتركز كيانه فى عينيه وهو يقرب أشباح تبدو فى الأفق البعيد .. ولم يعد هناك ما يخفيه" ."تهالك الجسد المنهك واقترب كن الصبح جمع من الفلاحين الذين يحسون مداخل القرية"، انهالت عليه الأسئلة "تقر جمعهم مضطربوالفرنسية يطلقون عليهم الموت من أفواه البنادق الجهنمية".

الجملة الفعلية هنا، تتلاءم مع تصوير حدة التوتر والصراع النفسى، والصراع مع الزمن إلى أن يتم نجاح عملية الصبي، أو محاولته الثانية في تهريب البندقية

يبدو فى القصة نبرة تعليمية تستخلص الحكمة من فعل الصبي البطولة "لم يمت ؛فقد ترك لنا من حيث إلا يدرى ، سلاحا لا يموت، سيتوارثه أولادنا من بعدنا جيلا بعد جيل" والعبرة تحمل إشارة مزدوجة حيث تشير إلى السلاح بوصفه أداة الصبي القوية، وإصرار علي  التضحية بنفسه فداء أهله ووطنه.

تلعب المؤثرات الخارجية الليل وما يتبعه من ظلام وسكون وأصوات الحشرات ونوم جنود الاحتلال دور فى تعميق الشعور لمأساة الصبى الصغير الذى يعانى الوحدة والفقد والحزن على أهله وما وقع عليهم من قهر  نصف إلى ذلك هذه الأنا التى تنبعث ضعيفة دلالة على ما تلقاه الصبى من عذاب ..كل ذلك كان بيئة طبيعية لكى يفكر الصبى فى الهرب الأول والتخطيط لسرقة البندقية فى محاولته الثانية.فقد جرت أحداث القصة فى الليل وانتهي مع قرب طلوع النهار  والرمزية واضحة .. لاتحتاج إلى تفسير

المدهش أن هذه القصة تعد من أكبر قصص الزيات،وتعد بداية قوية لمبدعة وناقدة عاشت مهمومة بقضايا الوطن