الأربعاء 15 مايو 2024 - 05:07 صباحاً - القاهرة

     

 

 

               

 

  أحدث الأخبار

 

 

  الأكثر قراءة

 
 
 

ما أسباب تراجع الأغنية

  ازمة صوت

  ازمة كلمة

  ازمة لحن

  غياب دور الدولة في تبني أصوات جادة


نتائج

 

 
 
 

الصورة النمطية للذات العربية والترجمة للآخر


د.حاتم الجوهري
الأحد 22 مارس 2020 04:16:21 صباحاً



بعد نجاحي منذ حوالي خمس سنوات في تدشين وإدارة المركز الدولي للكتاب بالهيئة المصرية العامة للكتاب، ووضع بروتوكول ثقافي حاكم له، وبعد أن حقق المركز في فترة صغيرة أرقام مبيعات قياسية، بمجموعة من الندوات المتنوعة أعطت للمكان روحا مميزة، ووضعت خطة برقمنه موجودات المركز وإتاحتها "أونلاين" للجميع، ومن خلال أجهزة حاسوب موجودة بالمركز للزائرين، في سياق تصور شامل قدمته للتعامل مع المركز كموقع ثقافي متكامل يشمل معظم النشاطات الثقافية.

في الوقت نفسه وقبل أن أحصل على جائزة الدولة عن ترجمتي لـ"تأملات في المسألة اليهودية" لسارتر؛ أُعلنت القائمة القصيرة لجائزة المركز القومي للترجمة متضمنة ترجمتي لديوان: "أغنيات البراءة والتجربة" لوليم بليك، وفي خضم نجاحي في العبور بالمركز الدولي وتحقيق نجاح أشاد به الجميع، ووصول ترجمتي للقائمة القصيرة لجائزة المركز القومي للترجمة، تلقيت التكليف بإعادة إنتاج التجربة وتفعيل المركز العلمي للكتاب، بالهيئة المصرية العامة للكتاب أيضا.

هنا نظرت للأمر كباحث في "دراسات التدافع الحضاري" تلك التي أعطيها مفهوما يقوم على أن الوجود في العالم ليس وجودا فرديا، بل هو وجود مزدوج يقوم على إدراك لطبيعة الذات وهويتها، في علاقتها بإدراك طبيعة الآخر وهويته، وأن احتمالات المستقبل بالنسبة لجماعة بشرية ما.. بقدر ما ترتبط بظروفها الذاتية وتاريخ تطورها الخاص، فهى ترتبط بالقدر ذاته بالظروف الموضوعية خارجها وبموقف الآخر وتاريخ تطوره، ومسارات التقاطع بينهما شدا وجذبا، هيمنة وخضوعا.

فالحضارة ومشروع النهضة لأي أمة ما -في تصوري- هى ظاهرة بينية؛ يقوم على قياس تطورها بالنسبة للأمم الأخري وفق عدة معايير، تؤدي في محصلتها النهائية لتفوق أمة على أخري، والتدافع هو مفهوم أقرب للتنافس وليس الصراع، الصراع حالة من حالات التدافع، والوفاق حالة أخري منه.

 وكذلك الخضوع حالة والهيمنة حالة، وأهم ما في الخضوع الظاهر هو سبل المقاومة والصمود وتحين فرص النهضة، وأهم ما في الهيمنة ودروسها المستفادة عبر التاريخ هو كيف يتصرف المنتصر، وما الذي فعله بالظاهرة الحضارية العالمية عندما هيمن، من الجانب الإنساني في علاقته بالآخرين، ومن الجانب المدني وما أضافه لتراكم التمدن والعلم والتحضر ككل.

وفق هذا المنطلق الحضاري والمعرفي قدمت مشروعا للمركز العلمي للترجمة يقوم على عدة جوانب أساسية

دراسة الصورة النمطية المستقرة عند الآخر الغربي التي شكلها الاستشراق، واستهداف تغييرها من خلال مشروع للترجمة العكسية إلى لغات العالم وليس منها، يقوم ليس على ترجمة الأدب وبعض أمهات الكتب أو كلاسيكيات المكتبة العربية وفقط، إنما يقوم على اختيار نقاط بعينها لها ثقلها عند الموازنة الحضارية، وعمل دراسات جديدة وفق خطاب علمي موضوعي جديد يعي خطاب الآخر ويدركه من منظور التدافع الحضاري، ثم ترجمتها إلى اللغات المعنية شيئا فشيئا.

-تحويل المركز العملي للترجمة، إلى مركز أبحاث متكامل، يربط خطته في ترجمة الأعمال من اللغات الأخرى بأهدافه في بحث سبل النهضة المصرية والعربية، مركزا على الدراسات الاستشرافية والدراسات المستقبلية والحضارية، والنظريات الإنسانية والاجتماعية الجديدة في الألفية الجديدة، مع التأكيد على عدم صدور ترجمة من اللغات الأخري دون أن تصحبها دراسة تبرز سياقها في ثقافتها وحضارتها الأم، وأهميتها وعلاقتها بالثقافة العربية والمصرية (مدخل التدافع الحضاري).

-الانفتاح نحو وجهات حضارية جديدة خاصة في الثقافة والأدب الأفريقي واللاتيني والأسيوي، لاستكشاف احتمالات المشترك الحضاري والبناء عليها، والخروج من هيمنة المركز الأوربي فكريا وأدبيا التي سيطرت على العقلية العربية في القرن العشرين، وخلقت أصناما أيديولوجية ومعرفية وثقافية.

-وضع استراتيجية جديدة للترجمة في هيئة الكتاب ككل، وضبطها داخل إطار المركز العلمي للترجمة، بما يواكب الاحتياج الحضاري الجديد للبلاد في ظل استشرافها لمستقبلها وبحثها عن سبل رصف الطريق إليه، واستكشافها إرهاصات النهضة ونماذجها المعرفية التي تصلح للتطبيق على الحالة المصرية، والسيناريوهات الممكنة في هذا الاتجاه الذي يربط المعرفة بالاحتياج الحضاري الآني للديار المصرية والبلاد العربية.

وفق هذه النقاط الأساسية الخمس وضعت تصوري لتفعيل المركز العلمي للترجمة بالهيئة المصرية العامة..

وتبقى المعرفة سلاحا ذو حدين؛ إما أن تتحول لرافد مهم في خدمة مشروع النهضة لأمة ما، عبر الانغماس في دراسة حالته الخاصة واستكشاف مستودع هويته، والبحث في سبل استعادة نموذج تفوقه مستقبلا، وأسباب انكساره قديما..

أو تصبح مجالا للإشغال والمراوحة في المكان لا نفع منها ولا ضرر، مجرد صخب وضوضاء متفرقة لا تعرف معنى الانتظام في سيمفونية جماعية الأداء، لخدمة مشروع وطن وحلمه بالنهضة واستعادة المكانة المستحقة بين الأمم