الخميس 16 مايو 2024 - 04:57 صباحاً - القاهرة

     

 

 

               

 

  أحدث الأخبار

 

 

  الأكثر قراءة

 
 
 

ما أسباب تراجع الأغنية

  ازمة صوت

  ازمة كلمة

  ازمة لحن

  غياب دور الدولة في تبني أصوات جادة


نتائج

 

 
 
 

تقاسيم .. الغنائية بديلًا عن الرومانسية


د. زينب العسال - تقاسيم
الثلاثاء 05 مايو 2020 01:30:58 صباحاً



كان لقب الرومانسية هو ما شدنى لقراءة أدب يوسف السباعى. بالطبع لم أكن أعى معنى هذا اللقب، كنت لم أتعد الثالثة عشرة من عمرى، لكنني أدركت معنى الرومانسية بعد التحاقى بكلية دار العلوم، وتدريس د. حسان تمام لمادة النظريات الأدبية، كانت هذه المادة تدرس تاريخ النظريات الجمالية العالمية، وتحركها من بلد إلى آخر فى أوروبا، ذاكرت الكتاب المقرر من الجلدة للجلدة، ظنًا منى أنى سبقت زملائى، لكننى فوجئت بأن الدكتور حذف أكثر من باب، والحمد لله أن أبقى لنا الكلاسيكية والرومانسية.

يومها أدركت لماذا أطلق على يوسف السباعى فارس الرومانسية، إضافة إلى نشأة الرومانسية فى أوروبا منذ أواخر القرن الثامن عشر، ثم ذيوع المذهب فى  أوروبا والعالم مع مطلع القرن العشرين، إنها أدب التمرد والثورة على الكلاسيكية، فإذا كان العقل عند الكلاسيكيين هو الباعث لتذوق الجمال والفن، فإن القلب والعاطفة هما الأساس فى ذلك عند الرومانسيين.

لقد طور الأدب المصرى الرومانسية عندما اجتاحت النزعة الوطنية والرغبة فى التحرر من الاستعمار نفوس المصريين، وترجم الشعر ذلك المطلب، فجاءت قصائد شوقى وحافظ مترعة بنزعة إنسانية، واهتمام لافت بالطبيعة، ثم جاءت مدرسة المهجر لتؤكد على هذه النزعة، وتضيف حب الوطن، والتغنى به بعد شعور مؤلم بالغربة والاغتراب.

لسنا فى حاجة إلى تعريف صارم، جامع مانع، للرومانسية، فقد أعيا الفلاسفة والمفكرين وجود مثل هذا التعريف. لكن آثارها دومًا كانت جلية أمام العيون.

الاهتمام بالشعور ومشاعر الإنسان، وذكر الطبيعة، والبساطة فى التعبير عن الذات، وما تعانيه من وحدة وألم، والتوله بالمحبوب لحد الفناء، وإبراز العواطف الجياشة، والخيال المفرط الذى يلف كل شىء محيط بالمبدع، فانطبعت ذاتيته على هذا النوع من الأدب.

قد يظن البعض أن الروايات الرومانسية هى قصص الحب واللوعة والسهاد، بينما كانت روح الرومانسية الأولى تسرى فى القصص والروايات على نحو يتسم ببث النزعة الوطنية المستمدة من القصص والوقائع التاريخية، مثل رواية " الفرسان الثلاثة" لألكسندر دوماس الأب.

الرومانسيون يحبون الطبيعة فهى صديقة لهم تشاركهم حالاتهم الروحية والنفسية والقلبية، إن جاز التعبير.

الحب هو أسمى عاطفة، وهو العنصر الأهم فى أدب الرومانسيين، هو الفضيلة العظمى، وهو العاطفة المقدسة، وأصبحت المرأة ملاكًا طاهرًا فى كتابات هؤلاء الرومانسيين، لكن تنقلب الصورة فى أدب محمد عبد الحليم عبد الله، فالمرأة لديه كائن خائن، لا عاطفة له، ولايستحق الإخلاص، ونتذكر رواية " شجرة اللبلاب".

بينما ظلت صورة المرأة ناصعة فى أعمال يوسف السباعي " بين الأطلال" ،  و"إنى راحلة"  و " نادية " حتى " رد قلبى" التي تؤرخ للثورة وتداعياتها في الطبقة الحاكمة.

أعتقد أن ظهور الغنائية والمونولوج الداخلى فى جيل الستينيات، كان البديل للرومانسية، بعدما وقع الأدب فى أتون الواقعية النقدية، لم يعد الحب وأحوال العشاق والحديث عن المرأة كمعشوقة مقدسة، والتغني بالطبيعة، هو ما يستهوى جيل الستينيات الذى تلقي ضربة قوية فى أحلامه وتطلعاته بعد 67، بعد أن تهدد الوطن، واحتلت قطعة من أرضه، عادت الاستهامات إلى التاريخ، ولم يفلح نصر أكتوبر 73 في أن يحيى الرومانسية، فمن غير المتصور أن يحدث ذلك مع ظهور أنماط استهلاكية جديدة.

أعتقد أن ما يكتبه الشباب الآن لا يمت إلى الأدب الرومانسى بصلة، كيف لهم بهذه الرومانسية، وجيلهم يعانى البطالة وغياب القدوة والمثل وغياب الأمل فى حياة كريمة مطمئنة، ورفاهية لا يقوى على دفع فاتوراتها، لا الشباب ولا الأجيال السابقة، إضافة إلى أن ما التصق بالكتابة الرومانسية من السذاجة والتقليدية، نفرت الأجيال من الاقتراب منها، وإن كنت أجد فى بعض المواقع والمدونات الشبابية دعوة ملحة لكتابة روايات تفاعلية رومانسية، إلى جانب اتجاه الأدباء الشباب إلى كتابة قصص المغامرات والرعب.

أتصور أن الدعوة إلى الغنائية ستؤتى أكلها بعد أن طالعتنا في إحدى المدونات، فنالت استحسان البعض، ووجدنا من يتكلم عن تصدرها قائمة التوزيع.