الثلاثاء 21 مايو 2024 - 08:03 مساءً - القاهرة

     

 

 

               

 

  أحدث الأخبار

 

 

  الأكثر قراءة

 
 
 

ما أسباب تراجع الأغنية

  ازمة صوت

  ازمة كلمة

  ازمة لحن

  غياب دور الدولة في تبني أصوات جادة


نتائج

 

 
 
 

أدب .... وقلة أدب


دكتور : فهمي عبدالسلام
الجمعة 30 أكتوبر 2020 09:31:21 مساءً


مذكرات " أحمد عباس صالح "-1
عمر من العواصف...هذا هو عنوان مذكرات الكاتب أحمد عباس صالح، الذي عمل كاتبا إذاعيا، ومديرا للتحرير في جريدة" الشعب" تحت رئاسة أنور السادات، وبعدها عمل في " روزا اليوسف " قبل تأميمها مع السيدة روزا اليوسف، وزميلا لكوكبة من الكتاب اللامعين، إحسان عبد القدوس وفتحي غانم واحمد بهاء الدين، ثم رأس تحرير مجلة" الكاتب " الشهيرة، التي استمرت حتى قام أنور السادات بإغلاقها عام 74، وألف كتابا شهيراً – على أيامنا – بعنوان" اليمين واليسار في الإسلام". والكاتب يساري الهوى، وفي منتصف الأربعينيات التحق وكان عضواً في منظمة" حدتو " اليسارية الشهيرة، التي أسسها اليهودي الإيطالي الأصل" هنري كورييل" واستمر عباس صالح عضوا بها حتى قيام دولة إسرائيل عام48، وتبنت المنظمة وجهة نظر كورييل من تأييد قيام إسرائيل، وانسحب وإن ظل يساري الهوى إشتراكي الرؤية. المذكرات الجميلة اقرأها للمرة الثانية لعدة أسباب، أولها أنها مكتوبة بلغة جميلة، كيف لا وصاحبها كاتب راسخ القدم، ثانيا لأن صاحبه احتل مواقع أدبية وصحفية مهمة عبر سنوات مضطربة سياسيا واجتماعيا، فقد عمل في الصحافة إبان العصر الملكي، وشهد ثورة 23 يوليو، وتأرجح مسيرتها بين المضى في طريق الديمقراطية، أو ضربها للديمقراطية والحريات العامة، وأزمة مارس 54، التي انتهت بالمظاهرات المدبرة التي تطالب بسقوط الديمقراطية، كما يعلم من اطلع على تاريخ مصر الحديث المتلاطم المضطرب، ثم التمصير والتحول الإشتراكي ثم هزيمة يونيو، ثم عصر السادات وتحولاته من اليسار إلى اليمين. المذكرات هامة وجميلة، وسأتوقف عند بضعة مواقف انتبهت لها، منها موقف بين أحمد عباس صالح وبين إحسان عبد القدوس. في بداية الخمسينيات قرر مجلس قيادة الثورة انشاء جريدة لتصبح صوتا للمجلس وتدافع عنه، وكان الترخيص باسم جمال عبد الناصر شخصيا، ورأس تحريرها أنور السادات، وعمل عباس صالح صحفيا بها مع الخميسى ولفيف من نجوم الكتابة آنذاك، ولا أتذكر بالضبط سبب فصل أحمد عباس صالح من الجريدة، وأغلب الظن أنه فصل مع خالد محي الدين إبان أزمة مارس عام54، وخرج عباس من الشعب إلى مجلة روزا اليوسف، ولأن الشئ بالشئ يذكر لابد أن نتوقف قليلا عند السيدة فاطمة اليوسف، تلك السيدة العصامية العظيمة،التي انشأت تلك المؤسسة الكبيرة من لاشئ، الحكاية – كما كتبت في مذكراتها – أنها كانت نجمة فرقة يوسف وهبي المسرحية، وحدث خلاف كبير بينهما، فقد نحاها يوسف بك عن دور البطولة في مسرحية، وأسند دور البطولة إلى زينب صدقي، فقررت السيدة فاطمة اليوسف أن تؤسس مجلة لا لشئ إلا لكي تهاجم يوسف بك، الذي كان معروفا عنه كراهيته الشديدة للنقد، وكان- كما يقولون – يستأجر بلطجيية ليعتدوا على من يتجاسر ويتناوله بالنقد. ونشأت مجلة روزا اليوسف فنية ولكن تلك السيدة الفولاذية العنيدة حولتها إلى واحدة من أهم المجلات اللسياسية في مصر والعالم العربي، واستكتبت فيها العقاد والتابعي وغيرهما من كتاب الدرجة ولا يخفي صاحب المذكرات شديد إعجابه بروزا اليوسف، بشخصيتها وبأنوثتها وذكائها وحسن إدارتها للمجلة، المهم أن إحسان في ذلك الوقت كان يكتب القصص والروايات. وذات ليلة كان عباس صالح قد تأخر إلى ساعة متأخرة من ساعات الليل يعمل بالمجلة، وعندما خرج فوجئ بأن إحسان يخرج من غرفته مرهقا ومحبطا وقد علاه الضيق، سأله عباس عن سبب ضيقه، أجاب إحسان بأنه كان يكتب في رواية، ولماذا أنت محبط وحزين، أنا أتعب وأكتب وأسهر الليالي ولا أحد يكتب عني. ويسجل عباس صالح المرارة التي كان يشعر بها إحسان بسبب تجاهل النقاد لما يكتب، " محدش بيكتب عني... مين بيكتب عني!" فحاول عباس أن يخفف عنه وأن يطيب خاطره فقال له" أنت قرائك كثر ورواياتك تنفذ... وهذه شهادة عظيمة وأمل أي كاتب"، إلا أن إحسان استمر في الشكوى المريرة، أن لا أحد يكتب عنه، ثم أنفجر إحسان قائلاً: " أنت كتبت عن يوسف إدريس ومحفوظ وطه حسين وغيرهم ولم كتب عني" - ليس من المعقوا ان أعمل في مجلتك وأكتب عنك... سوف أتهم بأنني مجامل هكذا قال عباس محاولا التهرب إلا أن إحسان قال له - لا إكتب ومالكش دعوة أسقط في يد عباس، ويعترف بأن أعمال إحسان كان يراها محدودة القيمة ولا تعجبه، فعصر كما يقول على نفسه ليمونة، وكتب مقالاً عن عمل من أعمال إحسان، ويعترف أنه حاول ان يكون مجاملاً قدر طاقته، لكنه لم يستطع إلا أن يقول رأيه الحقيقي، وحاول بالطبع أن يجمله، ونشر المقال، ولم يعجب إحسان، الذي استقبل المقال بضيق، وكان المقال سبباً في مضايقات إحسان له، ووجد عباس نفسه بسبب تلك المضايقات المتلاحقة، أن يترك العمل في روزا اليوسف، فلم يغفر له إحسان – بكل بشاشته ورقته- أن يكتب رأيه الحقيقي في إبداعه، فالحقيقة – كما يقولون- مرة.