الأربعاء 24 أبريل 2024 - 05:28 مساءً - القاهرة

     

 

 

               

 

  أحدث الأخبار

 

 

  الأكثر قراءة

 
 
 

ما أسباب تراجع الأغنية

  ازمة صوت

  ازمة كلمة

  ازمة لحن

  غياب دور الدولة في تبني أصوات جادة


نتائج

 

 
 
 

هل الأوبرا فن الطبقة؟


محمد ناجي المنشاوي
السبت 31 أكتوبر 2020 12:15:24 صباحاً



عرفت مصر فن الأوبرا لأول مرة في 24 من ديسمبر عام 1871م ورغم ان نية الخديو إسماعيل اتجهت لعرض أوبرا عايدة وكلف الموسيقار الإيطالي فردي بتلحينها مقابل أجر بلغ 150 الف فرنك من الذهب كما كلف المهندسين الإيطاليين بيترو أفوسكاني و روتيسي ببناء دار الأوبرا إلا أن تأخر فيردي في تلحينها  دفع بهم إلى عرض أوبرا أخرى في حفل افتتاح قناة السويس وهي أوبرا (ريجيليتو)  من تلحين فردي أيضا وعرضت بعد ذلك أوبرا عايدة التي تدور قصتها حول الأسيرة الحبشية عايدة  وراداميس قائد الجيش المصري، وقد صمم بناء الأوبرا ليسع 850متفرجا  وقد وقع خلاف بين الفنانين في أوروبا حول فن الأوبرا فقد رآه بعضهم أنه فن مولد غير خالص وأنه لم يصل بالتمثيل إلى مستوى المسرحية ولا بالموسيقى إلى مستوى السيمفونية أما أنصارها فقد رأوه مزيجا رائعا متناسقا من الشعر والتمثيل والرقص والغناء والموسيقا جميعا وقد بدأ ظهوره في عام 1600 م عندما مثلت في فلورنسا أوبرا ايريديس  للموسيقي بري،  ولم تكن مصر في هذه الحقبة تعرف الفن المسرحي بمعناه الفني الناضج ولا الأوبرا حتى وقت عرض أوبرا ريجيليتو عام 1871م  فكان أحمد شوقي في مهده في عامه الأول وكذلك توفيق الحكيم  ،  وارتبط هذا اللون من الفنون بالمتفرج الأرستقراطي من ظهوره في مصر  البلد العربي الأول في التعرف على هذا الفن  بينما أخذ هذا الفن يتطور في أوروبا تطورا كبيرا ونضج نضجا شديدا على أيدي موسيقي أوروبا  ومؤلفيها وكذلك ارتبط هذا الفن في أوروبا بطبقاتها الارستقراطية حتي أواخر القرن السابع عشر ثم بعد ذلك بدأ يقترب من عامة الجمهور الأوربي والدليل علي ذلك أنه مع نهاية القرن السابع عشر ظهر في مدينة البندقية وحدها إحدى عشرة دارا للأوبرا  ومع الوقت بدأ الجانب التمثيلي في الأوبرا يتراجع امام فن الغناء  وفي ألمانيا قدم الموسيقيون عام1695م  لونا جديدا عرف ب (السنجسبيل)  الذي يشبه إلى حد كبير الأوبريت.  وتعد أيطاليا في صدر هذا الفن بين الأوربيين إذ يعود الفضل في ازدهار الأوبرا لديها إلى موسيقيها  أمثال روسيني،  وبلليني،   ودونيزيتي وهناك أوبرات ذاع صيتها عالميا مثل عايدة  ، وكارمن،  وسالومي،  وتاييس،   وتوسكا،  وفاوست،  والتروفاتوري و لاترافياتا ومينون،  ،  واورفيووايريديس  ولوتشيادي لاميرمبور وحلاق أشبيلية وفيديليو ومدام بتر فلاي،  والواقع ان ازدهار الأوبرا في ايطاليا ارتبط  ببحثها عن التحرر من الاستعمار النمسوي وبخاصة فردي الذي كان من أكبر من حمل لواء الثورة عن طريق الموسيقى

وظلت أوبرا عايدة تقدم عروضها في مصر بصورة دورية حتى عام 1971م حين احترقت الأوبرا ثم عادت للعرض في احتفالية كبيرة بمنطقة الأهرامات عام1987 م

كان من المفترض لمصر القطر العربي الذي نقل فن الأوبرا أن تقوم بتطوير هذا الفن بما يتفق مع تاريخها وتراثها الغنائي والموسيقي والشعري وان تدفع به إلى آفاق العامة ولايقتصر علي طبقة بعينها بحيث تتاح للجميع وبخاصة ان مصر غنية بكوادرها الفنية القادرة على استيعاب الفنون الوافدة وتعيد إنتاجها في صورة مصرية عربية خالصة ولكن الأمور لم تسر كما كان ينبغي فظلت عروض الأوبرا تخاطب جمهورا بعينه خطابا منعزلا عن ذوق عامة المجتمع ومن ثم ظل حبيسا في نطاق فن الطبقة  ولم يتطور كما حدث في ايطاليا ليصير فنا جماهيريا يقبل عليه العامة قبل الخاصة،  واكتفي موسيقيونا بالوقوف عند فن الأوبريت ولو بذلوا جهدا أكبر لقدموا أوبرا شعبية وأظن ان الأسباب التي وقفت وراء عدم  الارتقاء بها إلي المستوي الجماهيري وعامة المجتمع تتلخص فيما يأتي  :  أن ظروف المجتمع المصري قبل ثورة يوليو 1952 لم تكن تسمح بذلك فرواد الأوبرا كانوا محصورين في أبناء الطبقة الأرستقراطية وبعد ثورة يوليو ومع المد القومي نفرت الجماهيري من الفنون الطبقية الوافدة من الغرب وانصب اهتمام الدولة بالفنون الموجهة للجماهير والتي تدعم الأفكار الاشتراكية والتي لاقت رواجا في صورة الأغنية الفردية علي النمط القديم مع بعض التطوير في أسلوب الطرب والغناء وصار صوت أم كلثوم هو المهيمن علي مشاعر ووجدان الجماهير علي امتداد الوطن العربي وكذلك عبد الحليم حافظ وفريد الأطرش ولوأحسنت الدولة لوظفت موسيقارين كبيرين كعبد الوهاب وفريد لتلحين أوبرا مصرية عربية خالصة وبخاصة فريد الأطرش الذي قدم صورا أوبراليه في أفلامه السينمائية كان يمكن أن تتحول هذه الأوبريتات مع شيء من التطوير والدعم إلي أوبرا كاملة كما أن المسرح القومي اكتفي بتقديم النصوص العالمية المسرحية وبعض نصوص كبار الكتاب،  ولقد كان شوقي والحكيم والشرقاوي  قادرين علي كتابة هذا اللون من الفنون،  كما أن سيد درويش صاحب الأوبريتات الرائدة قادرا علي ذلك لوطال به العمر  وماأذكرهم على سبيل التمثيل لا الحصر فمصر مازالت غنية بكوادرها القادرة علي صناعة أوبرا جماهيرية ولكن الأمر يحتاج إلي رعاية تامة من جانب وزارة الثقافة والجهات المختصة لدعم هذا الاتجاه الذي غاب طويلا وانحصر في نطاق الطبقة،،،  فهل ننتظر من يأتي من رحم الغيب ليحقق هذه الأمنية الكبيرة؟  ربما !.