الجمعة 03 مايو 2024 - 12:16 مساءً - القاهرة

     

 

 

               

 

  أحدث الأخبار

 

 

  الأكثر قراءة

 
 
 

ما أسباب تراجع الأغنية

  ازمة صوت

  ازمة كلمة

  ازمة لحن

  غياب دور الدولة في تبني أصوات جادة


نتائج

 

 
 
 

ذكريات علي جناح الاثير


محمد الجراح
السبت 31 أكتوبر 2020 11:18:51 صباحاً



   أشرت في المقال السابق إلى أن أخي الأكبر لم يكن يرغب في وجودي من الأساس!؛ كما أن الصحفي استكثر وجودي في الأهرام لأن واسطتي إليه كانت تشغل وظيفة صغيرة بأحد الأندية؛ فكانت خدمته لي على قدر الواسطة؛ ومن جديد وجدت نفسي في مفترق طرق أحلم بعمل يفجر في ذاتي طاقات الإبداع؛ عمل لا يرتبط بمواعيد حضور وانصراف وروتين مكاتب الحكومة؛ وكانت حكايات توفيق الحكيم ونعمان عاشور وربما طه حسين تسيطر على تطلعي المشروط للوظيفة والمستقبل الذي أرغبه وأتمناه؛ وفي تلك الأيام أعلنت صحيفة تسمى "الحياة" عن حاجتها لمحررين فذهبت وكلي أمل أن يتحقق حلمي؛ تقدمت إليهم بأوراقي وتم قبول كل من أتوا؛ كانت الصحيفة صغيرة وتوزيعها محدوداً؛ وتصدر كل أحد عن جمعية ترعى الأرامل والمطلقات؛ وكان من أعضاء هيئتها إحدى شقيقات الرئيس الراحل أنور السادات؛ نشرت لي الصحيفة عدة موضوعات بلا مقابل؛ وكان مبلغ المكافأة إن تم صرفه لا يزيد على عشرة جنيهات بما يعني أن الاستمرار فيها سيكون غير ذي فائدة؛ وكان من ضمن زملائي فيها الكاتب الصحفي عبد النبي عبد الستار؛ وبعدها أعلنت إحدى المكتبات الشهيرة بمنطقة وسط البلد عن حاجتها إلى موظف للعمل بها في مجال بيع الكتب شريطة حصوله على مؤهل جامعي؛ وبالطبع ذهبت إلى مقر الدار التي تحتل بكتبها أجزاء كبيرة من الرصيف الواسع لميدان طلعت حرب الشهير؛ كان عم مدبولي واقفاً أمامها كعادته وكأنه يرحب بكل المارين؛ أو كما لو كان يغريهم بعينيه الذكية فيشدهم شداً حتى يبتاعوا سلعته!؛ لكنني رأيت على الجانب طابوراً من أمثالي يمتد لأكثر من نصف كيلو حتى دخل بالمصطفين فيه إلى أحد الشوارع الجانبية!، كان مشهداً عصيباً أصابني بالإحباط لأنني كاره للزحام بطبيعتي؛ ولا أحب الوقوف في طابور من أجل الحصول على أي شيء!؛ ولأن ما رأيته لم يكن يبشر بخير على الإطلاق فلم انضم إلى زمرة المصطفين؛ وظللت لدقائق واقفاً لا أدري ماذا أفعل؟!؛ فقد تكبدت عناء المشوار وتجهيز صور الأوراق المطلوبة والحضور في الوقت المحدد؛ وبدا لي أن كل ما فعلته قد صار أمام ما أراه بلا فائدة!.

       فإذا بي وأنا في حيرتي تلك ألمح شخصاً أنيقاً ذا شارب عريض يجلس أمام المكتبة على كرسي ويضع ساقاً فوق أخرى؛ بينما صاحب المكتبة يقف أمامه بنفسه حاملاً مجموعة كتب؛ والآخر منهمك في تصفح ما يناوله له واحداَ تلو الآخر؛ ظننته ساعتها الكاتب الصحفي "اسماعيل النقيب" الذي كان قد حقق شهرة من مجموعة أحاديث تليفزيونية تحدث فيها عن مواقف مختلفة في مجتمعه القروي؛ فكنت من المعجبين به وبما يقوله؛ وعلى الفور توجهت إليه فرحاً وألقيت عليه السلام باسمه وبعد أن رد سلامي سألني مبتسماً: من يكون الأستاذ اسماعيل النقيب الذي ذكرت؟!؛ ظننته يمزح معي؛ أو أنه ينكر نفسه مني باعتباري متطفلاً عليه؛ لكنني وجدته ينتظر إجابة بالفعل؛ ولم أشأ إلا الرد عليه فقلت له حضرتك الأستاذ اسماعيل؟!، ومن جديد تمادى في الاستفهام وأنا استشعر حرجاً من الموقف فسألني: وماذا يعمل الأستاذ إسماعيل النقيب؟!؛ قلت في نفسي ما بال هذا الرجل يمارس معي هذا المزاح وهو لا يعرفني؟ ألا يعلم ماهي وظيفته حتى يسألني أنا عليها؟!؛ لكنني التزمت جانب الهدوء حتى تنتهي لعبته معي على خير؛ فقلت له إنه " كاتب صحفي بجريدة الأخبار"!

      شعرت من لسان الرجل أن لهجته مغايره ومفرداته مختلفة حتى لو كان وجهه يحمل من ملامح من أقصد؛ أو تطابق شاربه العريض مع شارب الأستاذ إسماعيل؛ قلت في نفسي قد يكون عراقياً أو فلسطينياً وربما كان لبنانياً أو سورياً؛ ورجحت إحدى الجنسيتين الأخيرتين؛ وكان من الممكن أن ينتهي الموقف عند هذا الحد؛ وأعتذر للرجل على ما وقعت فيه من لبس وأنصرف، لكنه أحيا التواصل عندما رد مبتسماً: أنا أيضاً صحافي لبناني مقيم بمصر وأعمل مديراً لمكتب جريدة "الرأي العام" ومجلة "النهضة" الكويتيتين بالقاهرة، فأخبرته مبتهجاً بأنني أعشق العمل في الصحافة وكم أتمنى أن أمتهنها؛ وأخبرته بأن لي تجربة في هذا المجال؛ وأنني أود لو أعمل صحفياً، فقال على الفور "والله رب صدفة خير من ألف ميعاد"؛ وأخبرني بإمكانية أن أنضم للعمل معه بنظام القطعة؛ واشترط أن يرى نماذج من سابقة أعمالي؛ وضرب لي موعداً لمقابلته في مساء اليوم ذاته؛ وبالفعل عدت إليه في سكنه المواجه للسفارة الروسية بمنطقة الدقي، تصفح بهدوء أعمالي وأنا أحتسي معه ومع زوجته الأردنية قدحاً بالغ المرارة من قهوة سوداء لا وجه لها، فما أن انتهى حتى قال لي بعطف إن أعمالي المنشورة هي أقرب للمقالات منها إلى الموضوعات الصحفية.

                                                                      يتبع ؛؛؛؛