الأربعاء 17 أبريل 2024 - 01:54 صباحاً - القاهرة

     

 

 

               

 

  أحدث الأخبار

 

 

  الأكثر قراءة

 
 
 

ما أسباب تراجع الأغنية

  ازمة صوت

  ازمة كلمة

  ازمة لحن

  غياب دور الدولة في تبني أصوات جادة


نتائج

 

 
 
 

رقائق


ناصر الرقيق : باريس
الجمعة 18 يونيو 2021 09:32:53 صباحاً


هل يتحطّم الإنسان كما الأشياء ؟
لا أحد يرغب في ترك موطنه و ركنه الذي نشأ فيه إلاّ لضرورة قد تزيد إن بات غير آمن على نفسه فيفرّ حيث يظنّ أن الدنيا ستفتح له ذراعيها لكن هيهات هيهات! في اليوم فائت، كنت أمارس عملي بمركز للاّجئين مرّ أمامي حطام بشري لرجل من دولة لا يأمن فيها الإنسان على نفسه، عرفته سابقا حيث مرّ أمامي منذ ما يزيد على السنة لكن لا شيء تغيّر في واقعه الإداري و وجوده القانوني، ما تغيّر فقط شكله و صحّته و قدرته النفسية و الجسديّة الذين تدهوروا كثيرا. بكى أمامي و قال « أريد فقط العودة لبلدي » لا أريد شيئا آخر، بدا لي منكسرا، متكسّرا، محطّما و ذليلا لأبعد حدّ لأنّه خسر معركته و هاهو يعلن رسميّا الهزيمة. أنا متأكّد أنّه حين رحل عن ركنه كان في أشدّ ما يكون من قوّته و عنفوانه الذين قاداه لرحلة طويلة إمتدت لآلاف الكيلومترات و لعبور عدّة دول برّا و بحرا و هو يحمل أحلامه و أحلام زوجته و أبناءه الذين تركهم ينتظرون هناك، حيث اللاّأمن. هذا الرجل حين وصل أوروبا قبل عشر سنوات أو يزيد، لا يعرف و لا يذكر، لم يكن يتصوّر أن رحلة التيه ستطول لهذا الحدّ، لقد دخل دائرة لم يعرف كيفيّة الخروج منها، يدور و يدور و يدور و ينتهي لنفس نقطة إنطلاقه الأولى، لقد تحوّل ببساطة لشيء تتلاعب به الإجراءات و القوانين و التنقيحات التي لا حدّ لها. حين بكى، أبكاني! لأنّي تذكّرت يوم هاجر أبي و تركنا رغم أنّ هجرته كانت في ظروف طبيعية لكنّها تبقى هجرة بما فيها من الفراق و آلامه، مازلت أذكر ذلك اليوم جيّدا! حين بكى الرجل، حضرتني صور أبنائه و زوجته الذين لا أعرفهم و تخيّلت كيف أنّهم ينتظرون منقذهم كما كنت و إخوتي ننتظر أبي، سيكون قاسيا أن يعود لهم بعد هذه السنين الطويلة من الغربة مريضا، عاجزا و قد فقد نضارة شبابه الذي دفنه في أوروبا!! سيكون قاسيا على أبنائه الذين حلموا بأبيهم يحلّق عاليا بجناحين كبيرين كطائر أسطوري فوق بلدهم الغير آمن ليخطفهم بمخالبه و يطير بهم حيث الأمن و السلام، أن يعود لهم يجرّ أذيال خيبة لا حدّ لها!! سيكون قاسيا على زوجته أن يعود لها حطاما بشريّا غير قادر على ممارسة حتّى مهامّه الدنيا!! و سيكون قاسيا عليَّ إن واصلت الكتابة.