الجمعة 19 أبريل 2024 - 06:52 صباحاً - القاهرة

     

 

 

               

 

  أحدث الأخبار

 

 

  الأكثر قراءة

 
 
 

ما أسباب تراجع الأغنية

  ازمة صوت

  ازمة كلمة

  ازمة لحن

  غياب دور الدولة في تبني أصوات جادة


نتائج

 

 
 
 

دماء التلاميذ والضمير الجمعي


محمد ناجي المنشاوي
الجمعة 05 نوفمبر 2021 11:22:26 مساءً



لم اتمن في أي زمن مضى مثلما تمنيت في هذا الوقت الراهن ان أمتلك بوقا سحريا يصل بصرختي إلى أعمق أعماق كل سمع وعقل وقلب وضمير كل مصري، إن قلبي ينفطر حزنا وأسي إزاء مايقع من جرائم قتل لأبنائنا التلاميذ جراء مشاجرات تقع بينهم إما بين أركان الفصول والمدارس او أمامها أو بعيدا عنها، وكانت جريمة واحدة مثلما يحدث الآن جديرة بانتفاض الوجدان الجمعي للمصريين جميعهم، أما الآن فتقع الجريمة البشعة فتقابل ببعض استياء وقتي سرعان مايزول بعد مضى زمن قصير وبعد أن يتفرق دم الضحية بين القبائل، ماذا جري لمشاعرنا؟ وما الذي غيب ضمائرنا؟ وما الذي قتل فينا الإحساس بالمسؤولية؟ كيف هان علينا أبناؤنا وبناتنا وهم يستقبلون الحياة؟ إن مايحدث من أعمال بلطجة بين صغارنا تودي بحياة فريق منهم ليست حادثة فردية ولا أسلوب حدوثها متوقع من صبية صغار إنما هي حوادث تتري وأساليب شديدة الشذوذ ومن ثم بات مايحدث يمثل ظاهرة حقيقية تستفز المشاعر والضمائر الحية، فمن يشعر بالطمانينة وله ابن او بنت انطلق في الصباح إلى المدرسة؟ من المؤكد بعد هذه السلسة من الحوادث ستكون ساعات حضور التلميذ بالمدرسة نيرانا من القلق والفزع تأتي على نفوس أولياء أمور أولئك التلاميذ، فليست هناك أسباب ولا ضمانات تجعل من عودة التلميذ إلى منزله أمرا حتميا أومؤكدا ، إن ظاهرة الانحراف بين الطلاب والتي تعرف الآن بالبلطجة جديدة على مجتمعنا لها أسبابها ودوافعها وعوامل انتشارها الكثيرة والمتنوعة ومصادرها معلومة وواضحة لكل باحث في هذا الشأن وقد ظهرت تلك الظاهرة اول ماظهرت في مجتمع مغاير تماما لمجتمعنا إذ هي ظاهرة وافدة فقدظهرت في رأي الباحث الأمريكي وليم كفاراكيوس منذ عام 1948 زيادة مطردة في معدل عدد انحراف الأحداث في الولايات المتحدة الأمريكية ففي كل عام يحول حوالي نصف مليون من الأطفال إلى محاكم الدولة للأحداث وقد سجلت الزيادة في عدد الحالات 70٪ فيما بين سنة 1948 و1955 وقد قرر المدرسون الأمريكيون في كبريات المدن وجود حوادث كثيرة لاعتداء بدني على أعضاء هيئة التدريس في مدارسهم وأوضح 28٪ من المدرسين ان هذه الحوادث وقعت خلال 12 شهرا، بالطبع من السهل إظهار سخطنا وغضبنا نحو سلوك المنحرفين في مجالسنا الخاصة لتزجية اوقات الفراغ مع ان المجتمع احد عناصر صناعة هذه الظاهرة ولم تعد تلك الظاهرة شديدة الخطورة والتي تهدد مستقبل الوطن يكتفى التعامل معها ببعض برامج التوك شو التلفازية أو الإذاعية ولكنها تحتاج إلى جهود جمعية جبارة وواعية وسريعة لحشد الرأي العام المصري خلف هذه القضية الوطنية بامتياز لحث مؤسسات الدولة المصرية والمجتمع المدني ليتمترس الجميع في خندق واحد لمواجهة الظاهرة القاتلة بحزم ودون تهاون وذلك بدراسة الظاهرة وردها إلى أسبابها الحقيقية وتحديد المسؤوليات وتوزيع الجهود وفق خطة مرسومة بدقة وتحديد أساليب وأدوات العلاج قبل أن تتحول مدارسنا _ لا قدر الله _ إلى ساحات للتنمر واتحرش والتناحر وتتحول المدرسة إلى مجزرة لأطفال وصبية أبرياء على يدي أقران وأتراب لهم قد أهملت تربيتهم إهمالا جسيما حتى وصل بهم الأمر إلى ماوصلوا إليه من انحراف متنوع الدرجات والأنواع والصبي الحدث الصغير هو بالضرورة سيصير مجرما كبيرا وسفاحا عظيما مالم يتم تداركه وعلاجه وتتوزع مسؤولية العلاج بأنصبة متفاوتة بدءا بالأسرة ومرورا بالمدرسة ذات العبء الأعظم ومؤسسات الثقافة والإعلام ودور الرعاية الاجتماعية والجامعات والمؤسسة الشرطية ، والحقيقة ان الدراسات المبنية على عدد المقدمين للمحاكمة والذين يقضون فترات العقوبة في سجون الأحداث أمر مضلل للغاية وشديد الإبهام فكثيرون أمثال الأعداد المحكوم عليهم بالعقوبة طلقاء قد ارتكبوا من الجرائم ربما اكثر من أولئك الذين خلف أسوار الإصلاحات إلا انهم لا أعرف من حسن اوسوء حظهم لم يقبض عليهم والسؤال الأهم هل يكتفى بالتصدي لهذه الظاهرة بعقاب من يتم القبض عليه؟ ام يتوجب على المنوط بهم العلاج القيام بإعادة بناء شخصية هؤلاء الصغار ضحايا ظروف تربوية وتنشئة اجتماعية لاذنب لهم فيها كما يتوجب أيضا الي المبادرة بإحصاء دقيق لكل المنحرفين خارج أسوار الإصلاحية والمبادرة بإعادة تنشئتهم تنشئة صحيحة حتى يشبوا اسوياء ولايتحولون في لحظة إلى قنابل موقوتة واسعة الانتشار يصعب حينئذ السيطرة عليها ، ومازلت أؤكد على أن المدرسة الحقيقية هي التي يقع عليها عبء ثقيل في التنبؤ بسلوك الانحراف عند التلاميذ ومن ثم تستطيع وضع البرامج المناسبة لعلاج كل نوع على حدة إنها مهمة شاقة عمادها معلم بروح الأب ومعلمة بروح الأم ومدير بعقل الحكيم ويمكن للحكومة المصرية ان ترصد جائزة كبيرة سنوية لكل من يتقدم بعلاج فعال وواقعي وناجز لهذه الظاهرة وتأتي بعد ذلك ادوار المؤسسات التي ذكرتها آنفا، فهل من مجيب؟