الجمعة 26 أبريل 2024 - 10:47 صباحاً - القاهرة

     

 

 

               

 

  أحدث الأخبار

 

 

  الأكثر قراءة

 
 
 

ما أسباب تراجع الأغنية

  ازمة صوت

  ازمة كلمة

  ازمة لحن

  غياب دور الدولة في تبني أصوات جادة


نتائج

 

 
 
 

َالشيخ الغزالي ناقدا فنيا


محمد ناجي المنشاوي
الجمعة 17 ديسمبر 2021 09:19:56 مساءً



لم يكن فضيلة الداعية الإسلامي الشيخ محمدالغزالي (1917 _1996) _ رحمه الله _ داعية ومفكرا إسلاميا تقليديا يقف عند حد المنقول لكنه كان ذا عقل رحب وهبه الله ملكات قلما تتوفر لدى داعية آخر، فاتسم باتساع الأفق، ورحابة الصدر، والفهم العميق لكتاب الله، ولسنة نبيه محمد _صلى الله عليه وسلم _ ولايتسع المجال لإحصاء جهوده الدعوية اوكتبه الثمينة أو أفكاره الواعية المستنيرة، وقد واجه ماواجه في مسيرة حياته من أفكار بالية وجمود فقهي وافهام قاصرة بعلمه الغزيرة وفقهه العميق، دون تراجع او استسلام، ويعد كتابه الفريد (السنة بين أهل الفقه وأهل الحديث) قنبلة فكرية مدوية ألقاها في وجه ماأسماه بالفقه البدوي وقد وقف منه دعاة الجمود والتضييق من أشياع الوهابية موقفا معاديا ومتشنجا ومتشككا، ولكن قناته لم تلن لهم يوما ما، ومن أمثلة ذلك موقفه من فن الغناء والموسيقا، إذ حرم أولئك النفر هذا الفن تحريما تاما، ولكن الغزالي وقف لهم بالمرصاد يفند حججهم ويقارعهم الحجة بالحجة والنص بالنص ليكشف عن جهلهم وتعنتهم وقال عن الفن الغنائي (إنه كلام حسنه حسن وقبيحه قبح ص85) وعدد الغزالي وأحصى قرابة سبعة أحاديث يرويها أولئك المتعنتون عن تحريم الغناء مؤكداعلي عدم صحتها (لم يرد حديث صحيح في تحريم الغناء على الإطلاق ص97) موضحا (إن الأصل في الأشياء الإباحةص 96) وتبدو موهبة هذا الداعية الجليل في تذوقه للفن الغنائي ظاهرة جلية تنم عن فطرة سليمة عندما ادلي برأيه في أغنية دمشق لأحمد شوقي، بينما لحنها وغناها موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب فيقول الغزالي عندما سمعت البيت القائل : وللحرية الحمراء باب بكل يد مضرجة يدق. فرأيت : انه كان ينبغي أن يتعاون النغم والأداء على إبراز صوت المطارق التي تهوى على الأبواب الموصدة ،وجؤار المجاهدين وهم يهاجمون السجون التي قبعت داخلها الجماهير المستعبدة، وعزائم الشهداء وهم يجودون بأنفسهم فداء للحق، وأنين الجرحى، وعناد المكابرين، إن حشودا من الأصوات المزمجرة والجيوش الملتحمة، كان يجب أن تبرز خلال تلحين القصيدة، وعند غناء هذا البيت ذاته، لكن الملحن المغني ليس رجل هذه الملحمة ص 89_ 90)، ذلكم رأي الشيخ الغزالي في اللحن، فهل وجدنا ذوقا في التوزيع الموسيقى أرقى من ذلك؟! كما تراه يلمز عبد الوهاب في صدق أدائه الصوتي في تصوير كلمات الأغنية، ففضيلة الشيخ لايشعر بعنصر الصدق في حنجرة المغني، ولاشك أن صدق المغني في قدرته على تصوير الكلمة بتنغيمها وتلوينها بإحساس يصل إلى وجدان المتلقي، ويبرر الغزالي عدم صدق المغني والملحن عبد الوهاب لكونه ليس رجل هذه الملحمة يقصد الغزالي بذلك انه غير منفعل بها، وكأنما الغزالي يضيف إلى المطرب ضرورة إيمانه بما يغني لكي يحقق النجاح المرجو، ولعل تلك الآراء تؤكد بما لايدع مجالا للشك اننا أمام فقيه يملك ذائقة فنية يجهر بها دون مواربة، وغير عابئ بفتاوي المتعنتين، من جموع المسلمين، بل يبيحها ويفتي بحلالها مقيدا هذا بشروط سبعة وهي : 1=إلهاب الشوق إلى زيارة الأماكن المقدسة كأغنية (إلى عرفات الله) لأحمد شوقي 2=إثارة الحمية للقتال، والدفاع عن العقائد والأوطان، وأغلب الشعوب تضع لبنيها نشيدا قوميا يتغنون به جماعات 3=وصف المعارك والمبارزات وثبات الرجال في الساعات الحرجة 4=الرثاء المحرك للأحزان النبيلة والذي يعيد للنفس الفهم الصحيح لطبيعة الحياة الدنيا، وهذا الرثاء قد يكون سلبيا متفجعا 5= وصف ساعات الرضا والسرور اختفاء بها واستبقاء لآثارها 6= الغزل الشريف، وشرح عواطف المحبين، وارتقاب جمع الشمل 7= وصف الامجاد الإلهية، ومايليق بذي الجلال والإكرام من تحميد وإعظام ص 88_89) ويقول الفقيه المجددالجرييء الشيخ الغزالي رحمه الله (إن ارتفاع المغنيين إلى مستوى المعاني التي يترنمون بها أمر صعب، ونجاح الأغنية يرد بعد شرف المعنى إلى حسن الأداء وجودة اللحن وتجميع الأنغام التي تخدم في النفس البشرية مايحقق الاستثارة المنشودة ص89). واستخلص من آراء الفقيه الكبير انه يقدم لنا مايقرب من نظرية نقدية رائعة في الفن الغنائي إذ يضع مايشبه بالقوانين الحاكمة في عملية الأداء والتلقي ويوضح العلاقة بين أضلاع مربع الأغنية وهي :الكلمة واللحن والمغني والجمهور حتى نكاد لانشك في أنه قد اطلع على علم الموسيقا والغناء دارسا له وفهما لمراميه إذ يقر بصعوبة مهنة المطرب حيث إنه في حاجة إلى الارتفاع إلى مستوى معنى مايغنيه من كلمات حتى يترتب على ذلك استثارة جمهور المستمعين، يعني الفقيه الذواقة بذلك تحقيق شرط اندماج جمهور المستمعين بالأغنية وإلا فقدت أثرها وتأثيرها، ونحن نقرأ لهذا الفقيه الذواقة هذه الآراء نشعر في لحظة ما توحد صوته التحليلي الفني بصوت موسيقار نا الراحل عمار الشريعي رحمه الله في برنامجه المشهور (غواص في بحر النغم) ويبرر الغزالي بوعي ووضوح الأسباب التي تلقى بظلالها على تصادم ذائقة المتدينين مع مايغني في عصرنا فهو يلقى باللائمة على البيئة الفنية المعاصرة كما تترامي إلينا أنباء وحياة تعيش في أرض الغرائز وتحسن الطبل والزمر وهي (تحدو) العواطف الرخيصة وما أحسبها تنهض (اي العواطف الرخيصة) إلى هدف عال ص 90) ويدافع الغزالي عن المغنيين المحترمين قائلا (إن سر تحريم بعض الوعاظ للغناء (ربما) إنهم ينظرون إلى (سيرة المشتغلين بالغناء والموسيقا) ثم يرفضون هذا النمط من السلوك ويستنكرون مايلامسه ومايصاحبه من آلات وجو عابث (لكن) الإنصاف علينا غير ذلك) فيضرب لنا الغزالي أمثلة لطوائف يفترض انها تعمل في مهن إنسانية عظيمة كالصحافة وفي المجال الديني ولكنهم يمارسون لونا من البغاء الصحفي ببيع ضمائرهم ولكن رغم ذلك لم يجعل هؤلاء الصحافة باطلا، وهناك من رجال الدين من يأكل أموال الناس ويصدون عن سبيل الله ولكن هذا لم يجعل الدين باطلا كما يرى الغزالي ان هناك فنانين لا يسوون قلامة ظفر ص 90)، كما يشهد لفنانين آخرين بالأدب والتقوى وقد صلى معهم في جماعات عامة ورآهم في قوافل الحج والعمرة