الخميس 25 أبريل 2024 - 08:42 صباحاً - القاهرة

     

 

 

               

 

  أحدث الأخبار

 

 

  الأكثر قراءة

 
 
 

ما أسباب تراجع الأغنية

  ازمة صوت

  ازمة كلمة

  ازمة لحن

  غياب دور الدولة في تبني أصوات جادة


نتائج

 

 
 
 

القصيدة /الفيلم في التغريبة السيناوية لعماد قطري


محمد ناجي المنشاوي
الأحد 26 ديسمبر 2021 01:14:48 مساءً



في قصيدته النوعية (الجزء الثالث من مدن البعاد /التغريبة السيناوية) يقدم الشاعر عماد على قطري نصا نوعيا يمزج فيه بين السيناريو السينمائي والحوار المشحون باللغة ذات البعد الإشاري الصوفي فالقصيدة في مجملها تمثل فيلما سينمائيا تسجيليا قصيرا تتجول فيه الكاميرا عبر مشاهد متعددة ويضم كل مشهد من مشاهده عددا من اللقطات من زوايا متنوعة في بناء محكم كيما يصل بقارئه /مشاهده في النهاية إلى الكشف عن الدلالات والمغازي التي يسعى (الفيلم /القصيدة) أو (القصيدة /الفيلم) لإيصالها إلى وعي (المتلقي = القارئ /المشاهد) وذلك من خلال حوار على ألسن الشخصية /الراوي المعلق /البطل (المرئي أحيانا والمتواري احيانا أخرى) وهو (قصاص الأثر السيناوي) ذو البعد الفلكلوري الراسخ في الوعي الجمعي المصري كمثال للخبرة والصبر والرصد والوعي بالتاريخ والتجربة الإنسانية في الفيافي، ويأتي رسم عماد قطري لهذه الشخصية مبهرا ودقيقا ليؤهلها للإجابة عن سؤال ( الشاعر/ البطل الثاني) الذي يلح بسؤاله المتكرر (ما الخطي؟) ، وهي تتناص مع قول أبي العلاء المعري : (مشيناها خطى كتبت علينا... ومن كتبت عليه خطي مشاها /ومن كانت منيته بأرض... فليس يموت في أرض سواها) ذلك السؤال (الفلسفي /الصوفي) وماالفلسفة إلا البحث عن الحقيقة بطرح أسئلتها التي لاتنتهي، أما الصوفي الباحث دائما عن مرتبة ( الوصول) عبر مدارج الطريق من المكابدة والمعاناة، ومن ثم يعتمد الشاعر في نسج حواره عي لغة الرمز والإشارة حيث المعاني الكامنة وراء المفردات وفي ثنايا الإشارات لأصحاب الطريق وكذلك لغة الشعر ماذا تكون لو لم تكن إشارات ورموزا صادرة من الصرخات المنغومة السرية المتوقدة في (اللاوعي لدى الشاعر) فما إن تتقد وتصل إلى ذروة (الاشتعال) تظهر وتتجلي في مدرج ( الكشف /التعبير) ومن ثم يتعاون الحوار السينمائي المكثف مع الصورة التي هي لغة السينما بامتياز (فلافيلم دون صورة وهذه بديهة فإذا صادفت الصورة لغة ناطقة رمزية) بتنا حينئذ أمام نص سينمائي مكتمل الأبعاد وهو ماحققه عماد قطري في قصيدته تلك، يصف الشاعر بيئة التصوير (اللوكيشن) وصفا نثريا لتتلقي مخيلة المتلقي النص تخيلا سينمائيا صافيا لاشائبة فيه ف(نهار /داخلي) خيمة بدوية تتوسط صحراء مترامية الأطراف تتوسط الكادر صورة بالأبيض والأسود لبدوي تجاوز الستين يلبس ملابس بدوية فوق رأسه غترة وعقال يجلس في خيمة وحوله بعض البدو أمامه في منتصف الخيمة يوجد موقد (كانون) به حطب متقد، وفوق الكانون بكرجان للقهوة (دلة)، وبراد شاي كما يوجد حوله بعض البدو الجالسين، تدور فناجين القهوة فيبدؤون في الشرب، وفي المدى تترامي الصحراء على اتساعها بينما نشاهد في البعيد بعض أغنام وماعز وإبل سائمة يتلفت الشاعر حوله (المحاور /المرئي) في هذه اللقطة، وإذ يذكر الشاعر (صورة بالأبيض والأسود) ليعطي للمشهد بعدا زمنيا عميقا في الماضي ثم يذكر مفردات ( اللوكيشن البدوي) إذا جاز التعبير ليزيد الصورة ثراء وصدقا فهو يذكر ( غترة _عقال _موقد _براد شاي _ أغنام _ماعز_إبل ) ويتواري المحاور معظم الوقت ليتصدر الراوي المشهد ليجيب عن أسئلة المحاور كما يتواري كلاهما معا لتتوالي اللقطات المصورة مصاحبة ومتوازية مع صوت (قصاص الأثر) ليخفف من حدة التسجيل التاريخي البارد ليعطي للقص والتصوير قدرا من الحيوية والسخونة فعلي سبيل التمثيل نشاهد ونسمع المشهد الأول كنموذج لسائر مشاهد النص على النحو الآتي : في (لقطة بعيدة جدا : EXTREM LoNG LoNG SHOT ، نرى المحاور في مواجهة قصاص الأثر وهي لقطة تصور من مسافة بعيدة وتظهر مساحة كبيرة من الموقع المصور وهي عادة لقطة خارجية كان تصور أرض معركة او جزء من مدينة وتستخدم كإطار مكاني لتحديد اللقطات التالية ثم ينتقل إلى لقطة كبيرة جدا BiG CLOS UP لتصوير ( الخطي صك لإثبات نبض الخطى في الدروب) للتأكيد على (صك _نبض) فهي لقطة تعني بتصوير التفاصيل الصغيرة جدا مصحوبة بمؤثر (صوتي) ل(نبض) مع موسيقا تصويرية تفصح عن إصرار السرائر وتحديه لصعوبات الطريق، ثم الخطي (لعنة إن تخن وجهك المرتمي فوق رمل أذته الرياح) وذلك في لقطة بعيدة جدا ثانية ثم (في الخطى _أيها الناس _ صمت الغريب) في لقطة كبيرة CLOS UP للتركيز على وجه السائر وتكبيره لنقل إحساس السائر في صمت وصبر وجلد ثم ينتقل إلى (في الخطي رعشة البنت) في لقطة بعيدة LONG SHOT يظهر فيها الجسم الإنساني بالكامل وتحيط به تفاصيل المكان لتختفي هذه اللقطة تدريجيا ليذهب بنا الشاعر حيث يقتضي الترتيب والتبرير لرعشة البنت في لقطة الرجوع إلى الوراء FLASH BACK لتستعيد الفتاة المرتعشة من جراء ذكريات مضت فيقول (إن عادها التذكار للولد البعيد/ _ لاتلم خطوة ذكرتها الليالي اشتهاء العناق /_ والفتى مثخن والجرح/_ صفدته التوابيت قرب الكنال)، ثم يعود الشاعر بالكاميرا في لقطة بعيدة جدا للرمال الواسعة المترامية أطرافها ليجعلها تستجمع قواها لتجيش عما بداخلها دون أن نرى لها شفاها تتحرك لنسمعها بخاصية سينمائية معروفة بالإيكو ICO حين يقول (أيها الرمل : قلها : شهيد) وكأن كلمة (شهيد) صرخة مكتومة فتخرج بهذه الخاصية السينمائية ممتزجة بالفخر والحزن معا، وهكذا يمضي عماد قطري عبر مشاهده التي تكون وتبني (قصيدته /الفيلم)، وربما كان لبعض شعرائنا تجاربهم في هذا البناء ولكن من المؤكد أن هناك عتبات فارقة في نص عماد قطري يتجاوز بها تجارب الآخرين لما يحتويه النص عنده من قصة درامية محكمة البناء بلغة سينمائية لاجدال فيها وفي بنائه لجمله وعباراته التي تتيح لمن يعمل بالإخراج السينمائي لتحويل كل عبارة تقريبا إلى لقطة سينمائية دالة وتتوالي لقطاته /عباراته في إيقاع متدفق مكثف بحيث يصعب على يد ( المونتير) (منتجة) (منحوتة من المونتاج) ان تقص (تمنتج) اي لقطة زادت على الحوار او تخل بإيقاع الفيلم وتلك مهارة من شاعرنا عماد قطري من الصعب توفرها بهذا القدر إلا لدى شاعر موهوب متمرس ذي خبرة.