الجمعة 03 مايو 2024 - 03:11 مساءً - القاهرة

     

 

 

               

 

  أحدث الأخبار

 

 

  الأكثر قراءة

 
 
 

ما أسباب تراجع الأغنية

  ازمة صوت

  ازمة كلمة

  ازمة لحن

  غياب دور الدولة في تبني أصوات جادة


نتائج

 

 
 
 

عن " فدوى.. وسيرة وطن "


د. زينب العسال - تقاسيم
الأحد 26 نوفمبر 2023 11:35:39 مساءً


 الحلقة الأولي 


السيرة الذاتية لا تعرى كاتبها فقط، بل تعرى عملية الكتابة ذاتها، تنزع القناع عنها وتفضح سترها. ثمة وظائف أخرى على كاتب السيرة مراعاتها بخلاف تعرية حياته، يستطيع كاتب السيرة واقعيًا كان أم خياليًا, أن يكتب من جديد ما رآه أو سمعه بنفسه أو بالتنويه المحسوس أو المخمن، كاتب السيرة شاهد على العصر بما ينفى كونها" سجلًا من سجلات الدفتر خانة " يلتقى ذلك مع ما ألمح إليه مصطفى سويف، وأسماه " الأنوار الكاشفة " وهو مصطلح نقله سويف من مجال البحوث النفسية إلى مجال السيرة الذاتية.. ففى هذا النقل فائدة هي: الالتقاء في الذاكرة بين ما هو اجتماعي عام وما هو شخصي، وتؤي الأنوار الكاشفة وظيفة استيعابية للذكريات المتوهجة، متعلقة بأحداث شخصية تكونت بفعل ظروف قومية أو دولية، فالسيرة الذاتية تتغذي وتنمو مع أحداث تاريخية واجتماعية يمر بها المجتمع الذي ينتمي إليه كاتب السيرة الذاتية, فالسيرة هنا تقترب من الشهادة.

ويرى البعض أن انتشار المذكرات واليوميات والسير الذاتية يتزايد في فترات  "لاضطراب السياسي " ومع وجدود تمفصلات تاريخية حادة، تحدث نوعًا من الجدل السياسي".

إن كتابة السيرة الذاتية لمبدعة لها خصوصيتها في الكتابة، وتقدم مفهومًا مغايرًا لوظيفة الفن إن كان للفن وظيفة بجوار جمالياته، وهو بلا شك عند فدوى فؤاد عباس له دور ارتبط بكيان الوطن ووجوده داخل الوجدان الفلسطينى، فلا معنى للأدب إن لم يعالج جروح شعب فقد الوطن، وأصبح يعانى الغربة والاغتراب.

إن الكتابة السردية هي كتابة تعتمد على الحكى بالأساس، وعلى التحليل، وهي في كل الأحوال تجربة إنسانية في لحمتها وسداها، قد تتدثر بالأفكار والآراء الفلسفية والأيديولوجية، فإذا كانت هذه الكتابة تنتمى للسيرة الذاتية أو رواية السيرة الذاتية، فنحن أمام درب من البوح واجتراح الذات ومساءلتها، وكشف العلاقة بين الذات وذوات الآخرين.

" فدوى " تجربة إبداعية لها مذاقها السردي .. فهى سيرة مغايرة لسير الأخريات..لا حاجة بي إلى تعدد أسماء المبدعات اللواتي كتبن سيرهن الذاتية، لكن سيرة فدوى فؤاد عباس تختلف، فهي ليست سيرة ذاتية لشخصية بعينها, إنها سير لذوات وشخصيات ووطن وبشر عاشوا المنافي والشتات والضياع، إنها في المجمل سيرة إنسانة فلسطينية تحمل بداخلها وطنها السليب أينما ذهبت، تتمتع السيرة بما يمكن أن نطلق عليه سمة التشجير والتشابك وليس التشذر، وهذه السمة نلحظها في غالبية كتابات فدوى، الإبداعية منها والنقدية، إضافة للتكرار، وتعدد الصياغات لفكرة واحدة، أو موقف، أو حدث واحد، لعل مرجع ذلك أن الكاتبة تكتب ذاتها، إنها تكتب بماء الرومانسية، تكتب وهى تحيا حالة من الطيران والتحليق، فهي طائر ينطلق فى سماء الوجود، وبالتالي فإن مساحة اللاوعى كبيرة، الأحلام والأطياف والأمنيات، مسارات تشكل طرقًا تسير فيها الكاتبة لتبلغ منتهاها، رغم أن الكاتبة تصف نفسها في غير موضع بأنها عقلانية.

فدوى عباس شغوفة بالتنظير لأعمالها وتقديمها عبر التحليل والوقوف على أسرار كتابتها، وتقديم إستراتيجية لهذه الكتابة، وهذا الأمر قد يتفق معه البعض أو يختلف، لعلي من الصنف الثاني، وبخاصة حينما ترفق هذا التنظير عبر مقدمة ضافية في صدارة عملها الإبداعي .. هى تأخذ بيد متلقيها، تبصره بالجوانب الدفينة، وتبرر له ما قد يرى أنه لا لزوم له، هكذا تكتب فدوى عباس. أعتقد أن لدى القارئ دربة طويلة فى قراءة الأعمال الإبداعية، تجعله فى غير حاجة إلى مثل هذه المقدمات.

نحن ندرك أن اختيار الكاتب لاسمه عنوانًا لسيرته الذاتية معناه كشف ذاته، وتقديمها دون مواربة أو خوف، أو من وراء قناع، لكننى أرى أن الكاتبة قدمت نفسها في صورة ناصعة البياض، بينما رمت البعض بالنقص والعوار، من منا ليس له نقيصة، لكن فدوى تتدثر بالصدق الفنى ليقيها من منزلقات الكتابة الصريحة والجريئة في السيرة الذاتية كما كتبتها فدوى طوقان وكوليت خورى وغادة السمان ولطيفة الزيات ونوال السعداوي والحبل على الجرار.