الثلاثاء 14 مايو 2024 - 12:36 مساءً - القاهرة

     

 

 

               

 

  أحدث الأخبار

 

 

  الأكثر قراءة

 
 
 

ما أسباب تراجع الأغنية

  ازمة صوت

  ازمة كلمة

  ازمة لحن

  غياب دور الدولة في تبني أصوات جادة


نتائج

 

 
 
 

"النكتة" ثقافية شعبية للمقاومة!


د. السيد نجم
الاثنين 11 مارس 2019 09:49:11 مساءً



الشيء الوحيد الذي  لم يختلف حوله البشر، هو الرغبة في الضحك والمرح، ويسعى الإنسان لتفسيره.. نفسيا وإجتماعيا. وان تفاوتت الشعوب والأفراد في إستعادتها للضحك، وعلى إستقبال وسائله وبواعثه.. ومما يثير الضحك دوما "النكتة".

أشارت الأبحاثإن الضحك يخفف الضغوط النفسية ويبعث على التفاؤل.وجارى البحث في إستخدام الضحك كوسيلة لعلاج الأمراض الجسدية.. وأهمية الضحك والمرح ثم توظيفه في مواجهة الألم.

ليس مستغربا أن ينال "الضحك" إهتمام كبار مفكري العالم وفلاسفته، وتوقف أمامه عالم النفس "سيجموند فرويد" فى دراسته "النكتة واللاشعور".. الذي يعتبر "النكتة" آلية نفسية لدفاع الفرد عن نفسه، في مواجهة الشدائد الموجهة إليه من العالم الخارجي، و إنتهى إلى أهم خصائصها، ألا وهى أن النكتة تعتمد على "التكثيف" وفكرة "البديل" الذي يعانى ما نعانيه بطريقة ما فنضحك عليه في النكتة، بينما نحن نضحك على أنفسنا.

تعد "النكتة" أكثر وسائل الضحك شيوعا، وهى متنوعة ودالة وتعتمد على إشتراك من يلقى النكتة والمتلقي.. فقد نبتسم فور أن نقول "كان في واحد صعيدي.." في مصر، أو"جاء رجل من حمص.." في الشام وسوريا، لذلك يقول "د.شاكر عبدالحميد" في كتابه حول الفكاهة والضحك،هدفان لمضمون النكتة: "هناك نكتاً بريئة تقوم على أساس الأسلوبوتتكئ على التلاعب بالكلمات والتورية، وهناك نكت غيربريئة لها هدفان الأول التعبير عن الميول العدوانية، ومن بينها النكت السياسية ونكتالنقد الإجتماعي، أما الهدف الثاني فهو التعبير عن الميول والإتجاهات الجنسية.."

كي يتذوق الشخص النكتة ينبغي أن يكون في حالة تهيؤ تتسم بالإسترخاء، الرغبة في الضحك, مع الإدراك، الذاكرة، الفهم، الخيال، التفكير اللغوي، والقدرة على التصور البصري..

كما أن النكتة تضرب جذورها في التراث الشعبي والثقافي للشعوب منذ القدم، وعرف عن المصريين القدماء إلقاء النكتة بل وتوثيقها على جدران بعض المعابد. كما عرف عن أهل الجزيرة العربية تداول النكتة، حتى أنه مع الدعوة للدين الجديد، ومع بشائر الإسلام لم تختف تلك الخاصية.

وترصد كتب التراث العديد من الشخصيات الفكهة في عهد الرسول "محمد" (صلع). وليس أجدى من الإشارة إلى ما مازح به رسول الله (صلع)، قال الرواة: رأيناهيمزح مع تلك المرأة العجوز التي جاءت تقول له: "ادع الله أن يدخلني الجنة"، فقال لها:                                         "يا أم فلان، إنّ الجنة لا يدخلها عجوز!".. فبكت المرأة، حيث أخذت الكلام على ظاهره، فأفهمها: "أنها حين تدخل الجنة لن تدخلها عجوزاً، بل شابة حسناء" (الواقعة 35-37 والحديث أخرجه الترمذي).

لعل النكتة هي بمعنى ما محاولة للدفاع عن النفس.. فهناك النكتة التي يتبادلها البعض كوسيلة لإزاحة الهم الشخصي والشعور بالحزن والإكتئاب.. وهناك النكتة التي تبتكرها الجماعات في مواجهة واقع حياتي قاهر ومضطرب، كما في زمن الأزمات والحروب.

الطريف أن النكتة هي الوسيلة الوحيدة التي تطال الشخصيات ذات السطوة، والشخصيات العامة ، كما تطال الشخصيات الفقيرة الضعيفة، والشخصيات الغنية القوية، حتى أنها لا تترك الشرفاء الطيبين في مقابل الأشرار الشرسين.

لكل تلك الأسباب شاعت ما عرفت ب"النكتة السياسية".. فقد عرف عن "جمال عبدالناصر"، أنه كان يطلع على ملف "النكات" في نهاية كل يوم عمل، ربما لأسباب سياسية، ولكنها نفسية أيضا!!