الثلاثاء 14 مايو 2024 - 05:52 مساءً - القاهرة

     

 

 

               

 

  أحدث الأخبار

 

 

  الأكثر قراءة

 
 
 

ما أسباب تراجع الأغنية

  ازمة صوت

  ازمة كلمة

  ازمة لحن

  غياب دور الدولة في تبني أصوات جادة


نتائج

 

 
 
 

برومير


أمل سالم
الأربعاء 13 مارس 2019 02:13:43 مساءً



دهاليز النفس البشرية في  "سنوات التيه"

عند مطالعتنا لرواية " سنوات التيه " للروائية شاهيناز الفقي، فإننا نجد أنفسنا تلقاء عمل يوجب التحدث عنه عبر قنوات معينة، وسنبدأ بأولى تلك المناحي، وسأحاول في  إيجاز أن أتناول جانبًا واحدًا وهو:

1-مورفولوجية الرواية:

والمصطلح (مورفولوجية)  يشير إلى علم دراسة الشكل والبنية، وعادة دون اعتبار الوظيفة. وبالنظر إلى بنية الرواية-التي بين أيدينا الآن- سوف نتوقف عند نقاط معينة:

النقطة الأولي: أهدت الروائية مبدعها إلى " أحباء تناوبوا على قلبي الرحيل، أهديكم نبضة من نبضات قلبي" والذي هو في حد ذاته يعلن للمتلقي أن دهاليز هذه الرواية وأروقتها قد تكون في عالم آخر، غير العالم الواقعي الذي يحيا فيه المتلقي والكاتب.

النقطة الثانية: شاهد الرواية، وهو مقتبس من أقاويل "شمس تبريز" وفيه يقول:" في السكون الموحش سأسمع صوت روحي  فأعرفها متحررًا من هذا العالم، سوف أطأ عالمًا أبعد، جديدًا، حيث يكون المنتهي هو عين المبتدي".

ويضعنا شمس تبريز في شمس الرواية،  سنجد أننا نستنتج أن الكاتب إن عني ما يقوله الشاهد فإنه سوف يصنع مونولوجًا داخليًا مع الذات في مقاطع كثيرة من الرواية، وسيصنع عالمًا موازيًا لعالم يعتقد أنه سكون موحش، ويكون الزمن فيه مستديرًا على نفسه، حيث يصعب تحديد بدايته ونهايته؛ إذ يتداخلان، وهو ما أجادت الكاتبة فعله داخل روايتها؛ إذ أننا بعد مطالعة قرابة ال 300 صفحة سنكتشف أن هذا العالم هو في خيال شخص واحد وهو الدكتور خالد.

النقطة الثالثة: أن الرواية تشتمل على 292 صفحة مقسمة إلى 22 فصلًا، وسنجد أن الفصول متزنة من حيث عدد الصفحات فأكثرها وصل إلى 19 صفحة وهي4 فصول "4،6،7،10" وأقلها عددًا يحتوي على 8 صفحات ، وهما فصلان"2،13" وبذلك يمكن القول باتزان فصول الرواية عدديًا، أي من حيث الكم.

أتناول في تحليل العمل بهذه الطريقة العددية، والتي تبدو ساذجة، لأننا إذا قلنا أن القارئ هو دائمًا البطل الأخير من أبطال الرواية، فإننا يجب أن نتقن الرسم لشخصية القارئ، الذي نبغي مطالعته للعمل، كما نتقن بالضبط رسم شخصيات أبطال الرواية، وأضيف أن الروائية قد طوعت الكيف وهو (الأحداث التي تقدمها للقارئ عبر الفصل الواحد) مع الكم( وهو عدد الصفحات التي تحتوي علي هذه الأحداث)، من أجل تقديم فصلًا متزنًا للمتلقي؛ بغية إجبار المتلقي على الوصول إلى نهايته، وعدم التوقف في منتصفه، وأيضًا تقديم فصلًا مشوقًا، يجبره على العبور للفصل الذي يليه. هذا ما يمكن حسابه على سيكولوجية التلقي.

النقطة الرابعة: يكمننا اعتبار أن الرواية الماثلة بين أيدينا ضمن الروايات النفسية، والرواية النفسية تكون فيها الأحداث مسجَّلةً، على نحو ذاتيّ، في ذهن واحد أو أكثر من شخصياتها. وفي روايتنا هذه فإن الأحداث مسجلة داخل ذهن الدكتور "خالد" ، وتلعب فيها عمليات الوعي دورًا مشوِّقًا يَعْدل دور الأحداث الخارجية أو يفوقُهُ أهميةً. مثلما حدث في خاتمة الرواية حينما اختار الدكتور "خالد" المكوث في واقعه الافتراضي، مفضلًا إياه على الواقع الحقيقي والملموس، رافضًا تعاطي قرص الدواء، حيث اختار الأسرة التي بناها في خياله ، حتى وإن كانت عبر جريمة قتل عن عمد،.وفي الرواية النفسيّة تقدَّم الأحداث، لا وفقاً لتسلسلها الزمنيّ، كما جاء في الرواية من عدم ترتيب الأحداث ترتيبًا زمنيًا، ولكنْ كما تتداعى في ذهن البطل أو غيره من شخصيات الرواية، ونشأت الرواية النفسية في الفترة التي طلع خلالها "فرويد" بنظرياته النفسية، ولكنها لم تكن بالضرورة نتيجةً لذلك، ثم بلغت أشُدَّها في القرن العشرين، ومن أبرز ممثليها (مارسيل بروست)و(جيمس جويس)و(فرانز كافكا).

وللحق أن الكاتبة اختارت منذ الفصل الأول مدخلًا سرياليًا من خلال الحلم، حينما روت على لسان بطلة الرواية، التي لم تسمَّ إلا في الفصل الثاني، " ناديا" حكاية المستشفى، ثم انتقلت إلى طفولتها، ثم إلى رحلة الذهاب إلى الدير...إلخ من أحداث،  أعتبرها كانت تمهيدًا لتعريفنا بالمرض المختار للحبكة الروائية، وهو مرض نفسي اسمه " متلازمة الجمال النائم".

المُتَلاَزِمَة:هي مجموعة من الأعراضالمرضية والعلامات المتزامنة ذات المصدر الواحد. وفي الطب النفسي المتلازمة: مجموعةٌ مترابطةٌ سهلٌ ملاحظتها سريريًا من السِمات، أو الإشاراتالتي يراها أحدٌ غير المريض، أو الأعراض التي يبلغ عنها المريض.

متلازمة كلاين – ليفين" أو .."Sleeping Beauty Syndrome" متلازمة الجمال النائم:

مرض عصبي نادر ومعقد، يبدأ عفويًا خلال فترة المراهقة، وفي حالات معينة قد يظهر في سن السادسة من العمر.. فقد تم الكشف عن معظم الحالات في الصبية والرجال الذين تتراوح أعمارهم بين 6 و 59 عامًا، فوُجِد أن نسبة انتشاره في الذكور تساوي حوالي أربعة أضعافه لدى الإناث.

عند بداية النوبة يشعر المريض بالنعاس تدريجيًا، وينام معظم النهار والليل، ويستيقظ فقط إما لتناول الطعام أو للذهاب لقضاء حاجته. وعندما يستيقظ المريض، يلاحظ تغير سلوكه، وغالبًا ما يظهر السلوك الطفولي لديه. كذلك نجده يواجه الارتباك، والتوهان، الخمول والافتقار الكامل للطاقة، مع انعدام العواطف والشعور باللامبالاة.. مع ذلك فإنه يبدو شديد التركيز والحساسية للضجيج والضوء، مترافقًا مع اضطرابات إدراكية وسلوكية.. كالشعور بالجوع القوي، والرغبة الجنسية الشديدة.

والحق أن الكاتبة درست بعناية هذه المتلازمة، وأعراضها، وطرق علاجها، وتناولت جلسات الاستماع بطريقة تجعل القارئ يكتسب ثقافة نفسية خاصة بهذه المتلازمة، فهي تمامًا نقلت المتلقي إلى مصحة لعلاج هذه المتلازمة، وبقليل من المجهود، سيجد القارئ نفسه متفاعلًا مع الطبيب المعالج كطبيب، وأيضًا مع المريضة، يستحثها على الإفاقة، شغفاً وراء معرفة باقي الأحداث ، والوصول إلى حل معضلة الرواية، ويسعى القارئ وراء المريضة يحثها على التعافي، إلى أن يصطدم في نهاية الرواية بأن المريض في واقع الأمر هو الطبيب المعالج نفسه.

لكن القارئ اللماح، والذي لن يتناول الرواية كموضوع بوليسي،أوبشغف معلوماتي، سيستشف أن الطبيب ربما يكون هو النائم في هذه الرواية حينما يحاول أن يخلق شخصية تروق له في خياله، وقد مهدت الكاتبة لذا بعدد من المصادفات التي يصعب في الحياة تلازمها، فمثلًا كلاهما مصاب بفوبيا الحشرات الدكتور "سليمان" والمريضة" ناديا"

وجاءت شخصية الدكتور شاكر كشخصية متشككة في مرض " ناديا " كإشارة للقارئ لحثه على إعمال العقل أثناء تلقيه العمل، واختياره لجانب من الجانبين ينحو نحوه أثناء تلقيه العمل، فهو إما مع رأي الدكتور خالد وهي مريضة أو مع رأي الدكتور شاكر وهي ليست مريضة وإنها مدعية للمرض. وجود المسالك المتعددة في العمل الروائي، وعدم الإقصاء، واختيار القارئ لواحد منها والانحياز له، هذا يعزز ديمقراطية النص. والحق أن هناك أمثلة كثيرة على ذلك في الرواية وفي أكثر من شخصية من شخصيات الرواية.

النقطة الخامسة: شخصيات الرواية

يمكن أن نقول أن الكتابة الحقيقية هى التى تمكن القارئ من استكشاف جوانب مختلفة من وجدانه، والاستطلاع داخل دهاليزه النفسية،ويتحقق ذلك من خلال خلق روابط بين القارئ و شخصيات الرواية، ولكي تتآزر هذه الروابط يجب أن تكون شخصيات الرواية حية .

وقد أجادت الروائية في رسم شخصيات الرواية على المستويين:

الرسم الخارجي: فهي لم تترك شخصية إلا وجسدتها تجسيدًا جيدًا، حيث تناولت البعد الجسمى لكل شخصية من شخصياتها، ولم تدع شيئًا للصدفة من صفات الجسم من طول وقصر وبدانه ونحافة وذكر أو أنثى وعيوبها وسنها، كما تصف لون البشرة وملامح الوجه أحيانًا كثيرة، وما إلى ذلك من خصائص خِلقية وجسمية مميزة .وكذلك البعد الاجتماعى ، لشخصياتها جميعًا من انتماء الشخصية إلى أي طبقة اجتماعية، وكذلك نوع العمل الذى تقوم به، وثقافتها، ونشاطها، وكل ظروفها المؤثرة فى حياتها، ودينها وجنسيتها وهواياتها .

الرسم الداخلي:  وقد تناولت البعد النفسى، لكل شخصية ، وما تحتويه من الاستعدادات  والسلوك من رغبات وآمال وعزيمة وفكر، والمزاج الشخصي.

وقد استخدمت  مسارينلرسم الشخصيات:

المسار الأول : الطريقة المباشرة او التحليلية: وهي إن كانت تلجأإلى رسم الشخصيات معتمدة على الراوي العالم بكل شىء، مستعملة في ذلك ضمير الغائب، فترسم شخصياتها من الخارج، وتشرح عواطفها وبواعثها وافكارها واحاسيسها، وتعقب على بعض تصرفاتها بحيث يفسر بعضها الآخر، وكثيرًا ما كانت تعطينا رأيها فيها صراحة دونما التواء .

المسار الثاني: الطريقة غير المباشرة أو التمثيل:حيث كانت  تُنحى الراوي جانبًا، ثم تُري المتلقي الشخصية من خلال حرية الحركة والتعبير عن نفسها بنفسها، مستعملة في ذلك ضمير المتكلم، فتتكشف أبعادها أمام المتلقي بصورة تدريجية عبر أحاديثها وتصرفاتها وأفعالها، وهى تفصح عن مشاعرها الداخلية وسماتها الخُلقية وأحاسيسها .

والحق أن جميع شخصياتها كانت ترسم وبتصاعد على مدار فصول الرواية حيث أن نمو الشخصية جاء نموًا متوازنًا طبيعيًا مما يضيف للرواية مصداقية وقبول عند المتلقي على اختلاف ثقافته.

ليست ثمة حشو غير ذي معني في هذه الرواية، ليس ثمة فائض لغوي أو فائض حدثي.