الاثنين 29 أبريل 2024 - 08:03 صباحاً - القاهرة

     

 

 

               

 

  أحدث الأخبار

 

 

  الأكثر قراءة

 
 
 

ما أسباب تراجع الأغنية

  ازمة صوت

  ازمة كلمة

  ازمة لحن

  غياب دور الدولة في تبني أصوات جادة


نتائج

 

 
 
 

دنيا


أحمد هريدى
الاثنين 18 مارس 2019 07:02:44 مساءً



الباليه  لجمهورالشارع

الباليه.. هذا الفن الجميل الذي يكشف عن الجمال النائم في جسم الراقص أو الراقصة ويبعث في الأجساد ارتعاشات الروح واختلاجاتها حرة من كل القيود التي كبلتها طويلاً.. ألم يحن الوقت لكي يعبر عن روح الإنسان البسيط المتعب الحائر الساعي في دروب الحياة؟

فن الباليه مثله كسائر الفنون، عبر عن وجهة النظر الرومانتيكية التي سادت بداية القرن التاسع عشر والتي غيرت من النظرة التي ينظر بها الناس إلى الحياة وجعلتهم يثورون على أنفسهم التي حولتها الثورة الصناعية إلى ماكينات لا تشعر ولا تحس ولا تأبه بكل ما هو إنساني.. وشارك الباليه الفنون الأخرى في صنع المهرب الجميل من العالم البائس الذي يعيشه الناس وخلق لنفسه أشكالاً ومضامين تزخر بحكايا الحلم والأشباح والجنيات وبعوالم أكثر مثالية من عالم الواقع.. وأوجد الباليه لنفسه أجنحة يحلق بها.

في بعض فقرات العروض التي قدمتها فرقة الباليه الكندية في القاهرة، نتلمس محاولة بعض مصممي رقصات الباليه في العالم الاقتراب والدنو من الإنسان في حياته اليومية والتعبير عنها، الأمر الذي يحقق لهم قدرًا أكبر من التواصل بينهم وبين الناس ويقرب المسافة التي تبعد فن الباليه عن الجمهور العريض. في اللوحات التي قدمت تحت عنوان "الأيدي" يحدث التصالح بين الكلمة والصوت الإنساني وبين الأغنية الحديثة وأغنية الأوبرا وبين الحركة والنغمة والإيقاع.

ينفتح الستار عن مجموعة من الراقصات والراقصين يقفون مشرعي الأذرع والأيدي في الهواء.. الصوت العميق للممثل الإنجليزي "بول سكوفيلد" الآتي عبر شريط الصوت يتراوح بين الرقة والعنف والخفوت والقوة.. تكتسي الكلمة الشاعرة المسموعة بالصورة الحركية ويتجمع الخيط المرئي إلى جانب الخيط المسموع ليكون النسيج الفني الحي والمتألق.

الإنسان المتوحد الواقف في الظلمة ينفتح الستار عليه وهو يقوم بعمل تكوينات بيديه وذراعية حزينة وشجية وغير ذات جدوى.. الضوء المتألق يجد له مكانًا على المسرح والإيقاع يصحو والنغمات العذبة تسري لما تتقدم من يمين وشمال خطوات مرحة وثابتة ونشيطة لفتيات جميلات وفتية يافعين.. المتوحد والمتفرد يمد يده يمسك بأيدي الجمع الممدودة في مودة وفرح ويرقص ويقفز ويتمايل في انتشاء.

آلات النفخ النحاسية تقود بقية الآلات الموسيقية والجمع الراقص والإيقاع نحو الفرح الأسمى وتوقظ فينا الإيقاع النعسان وتدعونا إلى مغادرة مقاعدنا إلى الرقص.. هو الفرح إذن عندما يعبر عن نفسه وهو التطهر والاغتسال من شرور وآثام الليل ما نشاهده فوق المسرح.

أغنية نسمعها على الشريط الصوتي.. تنويعات لحنية على جملة كلامية واحدة: "كل العالم بين يديه".. يعلو النغم ويخفت ويقوى ويضعف.. الإيقاع يتحرك من البطء إلى السرعة.. الجمع الراقص يكرر الجملة الكلامية ويعطيها من روحه درجات اللون والظلال: "كل العالم بين يديه".. حركة الجسد والأذرع والسيقان والأيدي وقسمات الوجه تعبير شديد الخصوصية بين الروح والجسد.. اللحن يبلغ ذروته والجمع الراقص ينشد: "كل العالم بين يديه".

لوحة "خطوات مرحة" من موسيقى تشايكوفسكي صمم رقصاتها "جورج بالانشين"، نموذج للامتزاج والالتحام بين النغمة والحركة في تشكيل مرئي ومسموع منحته حركة خطوات الراقصات والراقصين الخطوط المنسابة والألوان البهيجة.

بالحركة والنغمة تحكي الأغنيات حكايا الإنسان وأحزانه الكبيرة وأفراحه الصغيرة من خلال رحلة الإنسان في الواقع المعاش.. وهذه جذوة الحب المشتعلة تبعث النور في وجه العاشق وتلقي بذبذبات ضوئها على جسده.. خطوات متعثرة خجلى وخطوات واثقة متباطئة.. خطوة أولى يبدأها المحب تتلوها خطوات الحبيب.. يسعى الحبيب إلى الحبيب.. يمد له يده لتنام عصفورة بين يديه.. لكن الخطى تتباعد والأيدي تتشنج ويسكن الحزن الجسد لما تتجمع في سماء الحب سحابة رمادية.

هلموا إلى الرقص.. هذه رقصاتنا.. فأين رقصاتكم؟.. ثنائيات في لون الورد وفي ألوان حمراء ورمادية وقرمزية.. الحركة هي ذوب الرقة والعذوبة.. والراقصات والراقصون كما لو كانوا كائنات عليا شفيفة تعلن علينا رقتها وشاعريتها ونحن نستقبل في فرح ذوب الشعر ونغتسل ونتطهر.

من الجميل أن يجد الإنسان المهرب الجميل والملاذ الآمن والوسادة التي يريح رأسه عليها من عناء وشقاء اليوم.. لكن أليس أكثر جمالاً وأكثر نبلاً أن نجد عروض فن الباليه في الشارع كماحدث أمام مبنى وزارة الثقافة في حي الزمالك بالقاهرة في أيام إعتصام مثقفي مصر ضد وزير ثقافة ينتمي إلى قوى الظلام؟