الاثنين 29 أبريل 2024 - 11:56 مساءً - القاهرة

     

 

 

               

 

  أحدث الأخبار

 

 

  الأكثر قراءة

 
 
 

ما أسباب تراجع الأغنية

  ازمة صوت

  ازمة كلمة

  ازمة لحن

  غياب دور الدولة في تبني أصوات جادة


نتائج

 

 
 

الرئيسية ابداع < وأد > للقاصة : رباب كساب

 

 
 

< وأد > للقاصة : رباب كساب

  السبت 16 مارس 2019 05:27 مساءً   




 

في عيني صغيرتين مرتا بهما رأت الدنيا، رأتها تتبختر وتمد يدها في فتحة صدرها وتعطيها، أخذت الكثير، كثير يساوي مرات شحها الماضية، لم تشكرها، كفى بالانتظار سنينا تكفيرا عن ظلمها لهما.

أمسك بيديها، ربت عليها، لقد فهم ما يدور برأسها، كل كلمات التهدئة التي خرجت منه لم تكن شفيعا للبركان الثائر بداخلها ليهدأ، اكتفى بالنظر للصغيرتين والصمت.

أخرجت من حقيبتها خيطا وإبرتين انهمكت في العمل وهي لازالت تحمل عصبيتها، يجلس إلى جوارها يداعب الصغيرتين بإشاراته وابتساماته، وهما يبادلانه الابتسام، تُصدران حمرة خجلهما قبل كل ضحكة وابتسامة تكشف عن فراغ في فميهما بعد ضياع أسنانهما الأمامية، تعمل؛ وبين حين وآخر تنظر إلى الفتاتين فتتذكر أن الدنيا لازالت على شحها وأنها تخالها تضحك في عيني الطفلتين.

تنحي الإبرتين جانبا وتربت على يديه، تتلقى دمعة تمزق روحها نصفين، كل كلمات التهدئة لن تجدي، هي أدرى به من أي مخلوق، حين تزوجته كان يحلم بأن تتحسن الأحوال ويملآ الدنيا أطفالا يعوضونه وحدته، هي كانت تتمنى أن تشاركه الحلم وتفتح بهم حضانة، انتقيا الأسماء والعدد؛ سهرا يحلمان كثيرا، امتد الحلم بهما حتى حملا أحفادهما، كل ليلة كانا يبيتان في حجرتهما الصغيرة يغمضان عينيهما والحلم غطاء يدثرهما.

تقترب الصغيرتان منه، يستقبلهما حضنه، يسألهما عن اسميهما، يجيبانه في سرعة، يرويان كثيرا عن ألعابهما عن إخوتهما كأنهما يعرفانه منذ زمن بعيد، كأنه صديق، مدت له طفلة منهما يدها ببعض حلوى كانت بجيبها وفعلت الأخرى مثلها تحسس جيبه ونكس رأسه وهو يمد يده ليأخذ منهما قطعة الحلوى، أخرجت زوجته قطعتي ( لبان ) فرحتا بهما - أمهما تنهرهما عن مضغ ( اللبان ) – يلوكانه في سرعة قبل أن تلمحهما أمهما، تحولت فرحتهما وسعادتهما لقفز وعدو فظلتا يبتعدان عن عينيهما بينما هما يعودان لرتابة جلستهما، يشردا في ضيق الحال والأيام.

الكل يمضي في دروب الدنيا، الكل يمهرون مع الحياة عقودا وهما وحدهما عقدهما رهن القيد منذ أمد.

الرجل الذي شاهداه في التليفزيون بالأمس يتحدث عن الحد الأدنى والأقصى للدخل ترك في نفسيهما سؤالا واحدا ( ماذا يصنع الرجل الذي يتقاضى الحد الأقصى ليأخذه ؟ ) المذيعة تذكر أرقاما تحتاج منها لوقت لتعرف عدد أصفارها، أين كانوا قبل سنوات قبل الحد الأدنى هذا؟ أين كانوا حين أخذت وهو قرارا بالوأد ؟

أخبرها أن أحدهم قال له اليوم أن الحد الأدنى ليس بزيادة كبيرة، ثم أن أي زيادة سيتبعها ارتفاع في الأسعار تلتهم تلك الزيادة، تذكر أنها تكره يوم الزيادة السنوية الضئيلة في راتبه وتكره شهر يوليو، وتنتحب في فبراير الذي يسميه موظفوا الحكومة ( فقراير ) رغم أن شهور السنة كلها (فقراير) .

يخرج من جيبه بعض نقود، لا تعرف من أين أتى بها فقط تعرف أنها ستدفع الجمعية لجارتها التي أكلت وجهها كما قالت له وهي تبكي فكبتت بداخله لحظة تأججت فجأة حين لمح ملاحتها وتذكر أيامهما قبلا، كانت تغسل له ملابسه وقد شمرت عن يديها، ورجليها انحسر عنهما جلبابها فتحركت مشاعره تجاهها وبحث بداخله عن بعض قوة يواجه بها سيل مشاعر نسيها في بحثه الدائم عن شيء فقده، لكنها عاجلته بدموعها.

قبضت في دورها الشهر الماضي، سددت بها بعض الديون، لم تدخل بجنيه واحد لبيتها، لا أحد يفهم شيئا، كل نساء الجيران يطالبونها بالإنجاب، يتحسرن عليها وتسمع مصمصة شفاههن حزنا عليها، وكذا الرجال الذين يمازحونه بزواج آخر وأقلهن شرا يدعو له .

الصغيرتان عادتا مرة أخرى وفي يدهما حلوى غزل البنات، أكلتاها وهما تواصلان اللعب معه، قام من جلسته، جرت في جسده دماء حيوية لم يعرفها منذ سنين، أخذ الكرة منهما حركها بقدمه كما يفعل لاعبي الكرة، حملها على وجه القدم لتصعد وتهبط، الفتاتان يضحكان ضحكات صافية، ضحكات لعبت بأوتار مشاعر زوجته التي نحت الخيط والإبرتين جانبا تاركة ( البلوفر ) الذي أضاعت فيه عينيها وهي تتعلم صناعته لأجله فالشتاء على الأبواب وملابسه كلها باتت لا تليق حتى بشحاذ، قامت من جلستها، توجهت نحوهم، حملت منه الكرة ألقت بها لإحداهما، أخذتها وأعطتها لأختها، ثم له ليعود مرة أخرى ليحركها ويسير بها كلاعب كرة محترف، نسى الوقت والزمن وكل شيء وذهب بالكرة بعيدا.

تتطاير ضفائر التوأمتين وهما تقفزان وتضحكان وتصفقان، آخذين قلبها معها، طالعين بتنهيدة تمزق صدرها بدلا من أن تريحه، تمر بيدها على صدرها تعتصره ، تنزل ببطء الألم على بطنها تغرز أظافرها فيها، تحني جسدها، وتتكور، فظنتا أن بها شيئا نادتا زوجها الذي أخذه بعض مرح ليعود فينحني عليها ليجدها تكاد تمزق بطنها ففهم ، ربت على كتفها وهو يطمئن البنتين، يمسح دموعه وهو يكتم في نفسه الكلام لم يكن عليها أن تطاوعه وتنزعه من مكانه ، ليتها ما استمعت له حين قال أي رحم في الفقر رحم قاتل.

 

أخبار اخرى فى القسم