الأربعاء 01 مايو 2024 - 09:03 مساءً - القاهرة

     

 

 

               

 

  أحدث الأخبار

 

 

  الأكثر قراءة

 
 
 

ما أسباب تراجع الأغنية

  ازمة صوت

  ازمة كلمة

  ازمة لحن

  غياب دور الدولة في تبني أصوات جادة


نتائج

 

 
 

الرئيسية ابداع الناقدة د.زينب العسال تكتب ..القصة القصيرة جداً بين الفن والانزياح(4)

 

 
 

الناقدة د.زينب العسال تكتب ..القصة القصيرة جداً بين الفن والانزياح(4)

  السبت 30 نوفمبر 2019 06:48 مساءً   




يرى الكثير من النقاد المغاربة أن الاهتمام النقدى بالقصة القصيرة جداً أدى إلى ظهور أسماء لامعة فى هذا المجال الإبداعى، من هؤلاء محمد زفزاف الذى رحل عن دنيانا فى مطلع هذا القرن عن تسع وخمسين عاماً.

ليس ثمة من ينكر أهمية قصص زفزاف ـ أضيف: القصيرة جداً ـ فهو واحد من أهم المبدعين، ذاع صيته كثيراً بعد وفاته، وكأننا نقدم له الاعتذار عن تجاهل الأوساط الأدبية الرسمية لفنه. فلم يحظ بأية جائزة أدبية، ربما كان عائدها المادى قد ساعد على اجتياز معاناة واقعه المرير. كان يمثل الوجه الآخر من المدينة التى لم يكن يوماً يحبها، وقد انصهر أدبه فى بوتقة الفقر، فعبر عن الفقراء والمهمشين، ولعلى أذكر قول سعدى يوسف إن تشبث زفزاف بالحرية، حرية الفنان والمواطن، أورده شظف العيش، بل المقاطعة والعزلة أحياناً، وبينما كانت النزهة سبيلاً إلى الرفاهة " كانت الشدة لدى محمد سبيله إلى قامة الفنان الفارعة " ( 17)

ثمة رأى نقدى أن السرد القصصى ـ أو الروائى ـ يقترب كثيراً من لغة الشعر بما تحمله من مجاز وتكثيف واستعارة، إلى حد اقتراب القصة القصيرة ـ فى بنيتها ـ من بنية القصيدة، لكن الشاعرية فى إبداع محمد زفزاف تكمن فى استحضار واقع مؤلم يعيشه المهمشون، لا يتأفف زفزاف منه، أو يتنكر له، لأنه بعض البيئة التى نشأ فيها. العادى والمألوف يتحول فى سرد زفزاف إلى سرد كابوسى، يصور واقعاً لا أمل فى إصلاحه، كما فى قصة " الكناس "، وفى قصة  " سردين وبرتقال "، تكتنز الدلالة عبر التكثيف الذى يجعل القصة تتجه نحو ما هو أيديولوجى واجتماعى وسياسى، إضافة إلى الأنا الساردة التى تصير جزءاً من السرد: " فى كل مرة كنت أفكر أن الأرض أصبحت لنا بعد الاستقلال ـ أو لبعض الناس ـ لا أدرى ـ لكن البحر ليس لنا، لكننا على كل حال قد حصلنا على الاستقلال، وأصبحت الأرض لنا".

الحقائق التاريخية ـ هنا ـ تعكس ـ عبر المفارقة اللاذعة ـ مدى المرارة التى تجترها الأنا الساردة، والتى لا تنفصل أبداً عن السرد، فهى ذات تنظر من الداخل، لا من الخارج: " أصبح لنا وزراء مغاربة. قال لنا بأنه ينوى أن يهدم البراريك التى نسكنها، ويبنى لنا عوضها دوراً، فيها مراحيض" (  18). القصة تفجر التفاعل الوجودى للإنسان، والذى يربط البشر من خلال مواجهة المشكلات التى تعترضه، سواء على المستوى الإبستمولوجى، أو السوسيولوجى، أو السياسى الأيديولوجى" ( 19).

وربما استلهم الفنان حواديت ألف ليلة وليلة، كما فى قصة " الحرف "، بالإضافة إلى وقائع حياتية ، تعبر عن قسوة الواقع، وفقدان الأمن والطمأنينة. القصة ـ مثل قصص محمد زفزاف بعامة ـ تلامس الواقع الذى عاشه المبدع.

بدأت القصة القصيرة فى الإمارات على يد شيخة الناخى، وذلك فى السبعينيات من القرن الفائت. يعود السبب إلى انبثاق دولة الإمارات العربية المتحدة  سنة 1970، وعودة عدد كبير من الدارسين خارج الإمارات، إضافة إلى ظهور الوسائط الإعلامية، وإن كان على استحياء. ثم جاء الجيل الذى سمى بجيل الانفجار الإبداعى، حيث ظهرت أسماء كثيرة، منها سلمى سيف مطر، وهو اسم مستعار يذكرنا بما كانت تفعله الجدات منذ مطالع القرن الفائت إلى الثلاثينيات من القرن نفسه.

سلمى سيف مطر هى الصوت الأشد جرأة فى اجتراح الواقع المعيش فى الإمارات فى ثمانينيات القرن الماضى. كان هم المرأة المبدعة هو التنبيه إلى ما يحدث فى المجتمع، وفى أحوال المرأة بخاصة. كانت المرأة هى المحور الأهم فى هذه القضايا، لارتباطها بالقضايا الاجتماعية والوجودية والوطنية. ناقشت المرأة المبدعة ما يعترى المجتمع الإماراتى من قيم جديدة، إثر الطفرة النفطية، إضافة إلى البحث عن حلول للقضايا الإنسانية بشكل عام.

كانت سلمى مطر سيف ومريم فرج وأمينة أبو شهاب وليلى أحمد وظبية خميس وفاطمة محمد وغيرهن، يدلين بدلوهن فى قضايا المرأة، كل من منظوره ورؤيته. حكايات الجدات والأمهات عن رحلات صيد اللؤلؤ، وما كانت تتحمله المرأة من عذابات بعد الأخ والزوج والابن، صارت جزءاً من الموروث الشعبى الذى أفاد منه الإبداع القصصى.

لم يكن الإبداع القصصى للمرأة الإماراتية يندرج تحت " قصص قصيرة جداً". كان غالبية هذا الإبداع قصصاً متوسطة الحجم، ارتبطت بأشكال متوارثة، أو مستحدثة، مثل الحكى الشعبى، والقصة القصيدة، والحوارية، الأسطرة، وهو ما حفزنى على اختيار إبداع سلمى سيف مطر الذى يقف ما بين القصة القصيرة والقصة القصيرة جداً. قصص سلمى تصدر عن حفيدة حقيقية لشهرزاد، بكل ما كانت تملكه من قدرة على الحكى والتشويق والإبهار، إلى جانب الفنية العالية.

كانت الجدات والأمهات يحكين عن رحلات اللؤلؤ وعودة الأحباء. إنها رحلات الآمال والآلام، تذكرنا بها الأغنية الخليجية الشهيرة التى تلخص معاناة المرأة أمام المجهول الذى يمثله البحر: " توب يا بحر".

مجموعة " عشبة " هى باكورة إنتاج سلمى سيف مطر. عشبة واحدة من قصص المجموعة، تعنى فيها الفنانة بالبناء الأسطورى فى الأحداث، ونماء الشخصيات. عشبة تأتى لتخصّب حياة الرجل            ذوزوجه. تتفانى الزوجة فى رعاية الفتاة التى تقترب من الطفولة، وتنطوى تصرفاتها على بله واضح، ولا صوت لها إلا مواء أشبه بمواء القطط، تعبر به عن حاجتها إلى الطعام أو النوم أو قضاء الحاجة، وهو الصوت نفسه الذى تصدره حين يجامعها الرجل. هذا الصوت، المواء، يعرى المجتمع الذكورى الذى لا يشغله سوى جمع المال، وأن يرث هذا المال ذكر من صلبه، تزوج الرجل عشبة أملاً بأن تنجب له الولد، الذكر، وهو ما كان يفتقده. وضعية المرأة فى القصة هى الولادة والرعاية. عشبة الفتاة المنتمية إلى الفطرة، تكاد تنتسب إلى الأسطورة. عالم البداوة هو العالم الذى يعيشه الرجل، والقيم الذكورية تتحقق على حساب جسد المرأة ( لاحظ اسم عشبة، الذى يعبر عن الخير والنماء ). البداوة تصطدم بالمتغيرات المجتمعية، واعتقال جسد عشبة ليكون تحت تصرف الرجل، وتهيئته للقاء الجسدى، إشارة بالغة الدلالة لإعلاء المجتمع لكل ما هو ذكورى، والنظر إلى جسد المرأة كسلعة. ونهاية القصة ذات طابع أمثولى، يظهر مدى اهتمام الفنانة بالدلالة.

فى قصة " الصندوق الأسود" تتناول سلمى سيف مطر مدى قوة قيم المجتمع القاهرة لكل من يحاول الخروج عنها، فالعلاقة بين الرجل والمرأة بلغت حد التشوش وفقدان الثقة. انهار كل شيء بينهما عدا الانفصال رسمياً. الجو الذى تشيعه القصة كابوسى، قاتم، ويندمج العنصر الكابوسى مع ما هو واقعى، فى ضفيرة فنية موحية.

القصة تعكس دوراً مشابها لدور الصندوق الأسود الموجود فى مكان آمن داخل الطائرة، ليعلن عن أسباب الأخطار التى واجهتها. الصندوق الأسود فى القصة يذكرنا بالأمثولة، والحكاية الشعبية، والناس المتباينى السمات. ثمة الطيب والشرير، وإن لم يقاوم الطيب الشر، بل انساق وراءه، حتى تدمرت حياته. وثمة دلالة تبدو فى خلفية الحدث، وهى أن القوى القاهرة لا تعترف بالحب ولا بالمودة بين المرأة والرجل.

إن إشاعة الجو الكابوسى، والإيقاع الهارمونى، والجمل الحوارية، وتعدد الصفات، واستخدام أساليب النفى والاستفهام والمسكوت عنه.. كل ذلك كله يقدم لنا قصة تتجذر فى الواقع، بينما تلامس أغصانها ما هو أسطورى وكابوسى. النهاية تؤكد على انسحاق كل من الرجل والمرأة، فلا فكاك من هذه القيود إلا إذا وعى الرجل والمرأة ضرورة محاربة التقاليد البالية.

القصة تأخذ من الواقع منطلقاً لها، وتسبح فى مداخل وسراديب النفس الإنسانية، متماهية مع ما هو اجتماعى.

وفى قصة " النشيد" تؤكد الفنانة على أننا لا يمكن أن نعيش الحاضر إلا إذا عرفنا الماضى جيداً. لا نفى للماضى، ولا للتراث، ولا الموروث، لكن من الصعب أن نتغافل النظر إلى المستقبل.

إن شخصية " دهمة " المرفوضة من الجميع تعيش مغتربة اغتراباً وجودياً واجتماعياً، فهى تنتمى إلى شريحة منبوذة، أو ـ فى أحسن تقدير ـ لا يعيرها المجتمع اهتماماً. تفطن الفنانة إلى أن الواقع الإنسانى متكامل، والعالم الداخلى للشخصية بعد رئيس أولته الفنانة اهتماماً لافتاً.

لقد صار النشيد ترنيمة دهمة المعبرة عن حالاتها، عن مأساتها الإنسانية بخاصة. وأسطرة وقائع حياة الشخصية جاء تعبيراً عما تتمناه سلمى سيف مطر من رؤى وأفكار فلسفية واستشرافية لواقع المرأة فى المجتمع الخليجى.

يبقى أن النص الحقيقى، والذى يعبر عن موهبة حقيقية، من الصعب أن نصل فيه إلى دلالة نهائية نطمئن إليها، بحيث نسقطه من وجداننا، وذاكراتنا .

 

أخبار اخرى فى القسم