السبت 20 أبريل 2024 - 06:16 صباحاً - القاهرة

     

 

 

               

 

  أحدث الأخبار

 

 

  الأكثر قراءة

 
 
 

ما أسباب تراجع الأغنية

  ازمة صوت

  ازمة كلمة

  ازمة لحن

  غياب دور الدولة في تبني أصوات جادة


نتائج

 

 
 

الرئيسية تقارير التونسي حامد محضاوي يكتب قراءة في نص "للشاعرة ميرفت أبو حمزة

 

 تقاسيم الإيقاع في اللامرئي
 

التونسي حامد محضاوي يكتب قراءة في نص "للشاعرة ميرفت أبو حمزة

  الاثنين 02 نوفمبر 2020 03:48 مساءً   




منذ العنوان يدفع شيفرات الرمزي، ينشيء في ذوات القراء مسائلة عميقة، تمشي ما بين الاستفزاز والتلاسن والتناقض حسب درجات الفهم العنوان يمرّ من منطق "أبصر ترى" إلى مناطق اعمال البصيرة.

في أحجيات النصّ تنثال اختلاجات الشاعرة عبر مفازع مختلفة في ذات اللحظة. ينعكس صدى العمق كحشرجات محتدمة تصارع نفسها لانتشال القيمي من شوائب التّشابه.

"هل نتركُ الكلماتِ للريح ؟!

وهل ستنقطع مشيمةُ المناجاةِ

ليُرفَعَ مجدُ الوليدِ الإله ؟!"

 لا تشي ميرفت بحقيقة واحدة حيث تُبقى تأبيد السؤال فكرة قائمة. عبر معول الشك الديكارتي تنشيء نسقيّة النص أرضا متحرّكة تدسّ فيها الشاعرة ألغام التبعات البين ذاتيّة. هذه التيمة تعرّي ألوان الطيف وتنفض الأصباغ عن رؤى المتاح للّه

" الكثيرُ من الكلماتِ بيننا

والصوتُ والصدى

وزُرْقَةُ البحرِ والمدى ..

ها قد غرقَتْ كلُّ المرافئِ

قبل أن تغتسلَ الوجوهُ

من رملِ الطريقِ

وانطفأتْ نجمةُ النوارسِ

وما مِنْ دليلٍ ..

لذا شاعَ بيننا تقديسُ البديلِ"

المضمّنات على معابر النص تكمل فكرة العنوان وتخرج به من قول تسويقي، إذ أن النصّ يدسّ في آتونه بذرات حضوره، ولا يطالع في إطار قراءة سطحيّة. عوالم النص تنهل من مناخات متعدّدة تجعلك تسابق انفتاحاتها وتتابعيّتها، وسط هذا لا تجنح الشاعرة لبناء صراط بقدر ما تسعى لتعرية خوالجها وتداعياتنا، في اللحظة التي نصعد معها جبل التصوف لنمارس طقوس شطحنا سرعان ما تعود بنا إلى فداحة أرضنا

"لم أخطئْ دربي إليكَ في

لكنّ الدربَ انكسرَ

وهوتْ كلُّ الرواسخِ نحو البداياتِ

والأشجارُ منحَتْ أجسادَها لأبدية النارِ .."

 والعكس بالعكس صحيح، هنا يأخذ شكل البوح قوالب زئبقية، عصيّة عن الامساك، هناك يكمن إيقاع الرمزي لرؤية ميرفت "أن لا فكرة واحدة للّه" لا بمقياس ابن عربي "اللّه في جبتي" ولا برؤى السلفي المتؤثّب، تقيم الشاعرة في تأثيث الهواجس بين الأرض والسماء في مغالبة منهكة للوقائع.

"ثم إنه حصارُ الجفافِ والجوعِ ..

والفضاءُ حصارٌ !

ورقابُنا مطروحةٌ على الطرقاتِ

بين السماسرةِ والتجارِ ..

فما الذي يرفعُنا إن سقطْنا ؟

وهل امْتهنَّا السقوطَ

من أوَّلِ تفاحةٍ

إلى آخِرِ غصنٍ أيل للإحتراق"

 هنا أستحضر قول أمين معلوف: "اتمنى ان يقول لي اللّه أني بريء من كل ذلك". النص بحث عن اشراقة وسط اشواك التجنّي.

في المستوى الفنّي تقرع الشاعرة باب طرح جديد، يقوم على تكثيف الإيقاع الداخلي على شاكلة نبضات قلب لا تنقطع، بحيث تكون أصل القصيد، أي أنّ التقطيع تنويم جميل والنبضات لا تستكين، هذا إيقاع يدلّ على مدى الترميز الحي في سكنات الكتابة، بعيدا عن مغالبة الغموض في التّشكيل دون تضمين عملي. سمة أخرى تغذّي هذا الطرح وتدفعه للألق هو المنحى البسيط الذي يصعد فوق التمييع ولا يركد في أبراج عاجيّة

"يا اللهُ يا اللهُ

ماتتْ كلُّ الألهةِ

ولم تزلْ لعنتُها تهدِّدُ بالهلاكِ

تخرجُ من جوفِ خشيتِنا

تمشي بمشيتِنا

وتشدُّنا من متاهٍ إلى متاهٍ"

وهو منطقة صعبة ليس بيد أي كان تأثيث وجاهتها. التنويع في مستوى المعاجم فتح أكثر من عمق للنص واخرجه من المباشرتيّة، الشاعرة سحبت البساط من تحت أنقاض الركود وجعلته بساط ريح ترتحل به انشادا لتثوير الفردي في الذات وتخصيبا لرؤية مغايرة للراهني

"جبابرةٌ جبابرةٌ

وعقولُ الشرِّ فينا حائرةٌ

فيا صُنَّاعَ الشرِّ

من سيَحيْكُ عباءةَ المدى

ومن يردُّ لهذه الحقولِ أبناءَها

الشرقُ يلبسُ ثوبَ النارِ

ولا شيءَ إلا خيطُ دخانٍ

يرقصُ على خصرِ المدى "

 هنا عبر معاول فنيّة تنهل من المحسوس الإيقاعي لتحرك نغمية جامعة. في النص تتراءى احجية بين ذات الشاعرة ولحميّة النص مفكّها اجده في قول اودونيس "أنا مفرد بصيغة الجمع"

هنا تكمن إرادة الشاعرة في جماعها وتأثيث الشعر عبر معارج فكرة مقاتلة. تستنزف كليّا

"وها أنا

أجُرُّ كل أحلامي وصَلَواتي

في طريقِكَ الرئيسِ

فالفرعيةُ ، يا الله ، اسْتَهْلَكَتْني .."

 

أنا لا أخافُك يا اللّه

            ___

 

الكثيرُ من الكلماتِ بيننا ..

الكثيرُ من الوداعةِ والودائعِ

والوداعِ ..

يا اللهُ يا اللهُ

هل نتركُ الكلماتِ للريح ؟!

وهل ستنقطع مشيمةُ المناجاةِ

ليُرفَعَ مجدُ الوليدِ الإله ؟!

 

تصدَّعْ يا جدارَ الصمتِ

تصدّعْ..!

أَعِنْ صراخيَ الهزيلَ

همزةَ وصلٍ بين أفصَحَ

والتَبَسَ ..

مَجِّدْ لغةً قد تلُمُّ شتاتَ كلِّ

اللغاتِ ..

 

الكثيرُ من الكلماتِ بيننا

والصوتُ والصدى

وزُرْقَةُ البحرِ والمدى ..

ها قد غرقَتْ كلُّ المرافئِ

قبل أن تغتسلَ الوجوهُ

من رملِ الطريقِ

وانطفأتْ نجمةُ النوارسِ

وما مِنْ دليلٍ ..

لذا شاعَ بيننا تقديسُ البديلِ

يا إلهي لك المجدُ

لك المجدُ

وعلى هذه الأرضِ ما عاد سلام

 

أنا لا أخافُكَ يا اللهُ

فالخوفُ ضعفٌ

وأنا مرآتُكَ على هذه الأرضِ

أهز ضعفي بقوتك

أُقرِئُ الكواكبَ رحلتي

 قبل أن تتساءلَ عن حلكتي

أشُدُّ بإزاركَ .. وأضيءُ

أنا لا أخافكَ

وهل يخافُ المحبُّ من حبيبه ؟!

 

لم أخطئْ دربي إليكَ

لكنّ الدربَ انكسرَ

وهوتْ كلُّ الرواسخِ نحو البداياتِ

والأشجارُ منحَتْ أجسادَها لأبدية النارِ ..

راكضةً خلفي

تمشي ويسبقُها الدخانُ !

تتلاسنُ حولنا أحجياتُ الأزلِ ..

والهشيمُ زينةٌ فوق كفوفِ الريحِ

فكيف أراكَ وتراني؟!

 

ثم ، إذْ تبخَّرَ الماءُ

وجفتْ في صدري ينابيعُ الكلامِ

ولبسَتْ نهاراتي لونَ المنامِ

كيف ألملمُ شتاتي

كيف أُقنِعُ هذه الرؤى ألاّ تنامَ

 

ثم إنه حصارُ الجفافِ والجوعِ ..

والفضاءُ حصارٌ !

ورقابُنا مطروحةٌ على الطرقاتِ

بين السماسرةِ والتجارِ ..

فما الذي يرفعُنا إن سقطْنا ؟

وهل امْتهنَّا السقوطَ

من أوَّلِ تفاحةٍ

إلى آخِرِ غصنٍ أيل للإحتراق

 

هُو ذا شبحُ موتِنا

هي ذي أجسادُنا

مرتْ عليها جحافلُ اليأسِ

لا قيامةً ، لا نبوءاتٍ

والمزادُ مفتوحٌ

على الكتبِ القديمةِ

وفي الترحالِ مَنْ نحنُ !؟

من هم ؟

من أنتَ ؟

من انا ؟

مِنْ أيِّ طينٍ كلنا ؟!

ومن يعيدُ بناءَ صلصالِ الأجساد

 

 

 

شاعَ الباطلُ !

شاعَ الضبابُ !

ونُفِثَتْ كلُّ الأنفاسِ بالعُقَدِ ..

ونُفِخَ الهواءُ بالأبواقِ ..

وكلُّ هذه الحشودِ ذهبتْ هباءً .. هباء

 

من يُقرِئُ قنديلَ المساءِ كلماتِ المكانِ ؟!

ومن يفتحُ من هذه الجدرانِ

بابَ نجاةٍ نحو الأبدِ

 

يا اللهُ يا اللهُ

ماتتْ كلُّ الألهةِ

ولم تزلْ لعنتُها تهدِّدُ بالهلاكِ

تخرجُ من جوفِ خشيتِنا

تمشي بمشيتِنا

وتشدُّنا من متاهٍ إلى متاهٍ

 

فمَنْ يخلخلُ هذا المدى

والآخرونَ لبسوا حجابَ الأمسِ

واستَتَروا خلفَ النداءِ

ما حجّةُ الظلمةِ

ما حجّةُ الظلمِ

والضلالةُ والضّآلةُ

والضحالةُ

ما حجةُ الفناءِ ؟!

 

لِمَ لمْ تلبَسْ جسدَكَ لتنهضْ

كالصاعقةِ ..كالنارِ

كهَيَجانِ ماءٍ ..

لِمَ لمْ تكن لغةً تجلو رملَ اللغاتِ ؟!

 

لا آلهةَ على الأرضِ فكنْ إلهَ نفسِكَ !

ولا ترتضِ بالقاعِ مغبَّةَ الزحامِ

كن ركنَكَ

كن أنتَ وإرثكَ وتاريخَكَ

فأنتَ أنا ، وأنا الجميعُ

والجميعُ أنا وأنتَ ..

 

هو ذا الوطنُ

المبنيُّ فوق الجماجمِ والأجداثِ

لا مطلعاً للشمسِ فيه !

ولا ليلَ يسترُ عورةَ هذا الجوعِ

والخنوعُ والخضوعُ !

 

جبابرةٌ جبابرةٌ

وعقولُ الشرِّ فينا حائرةٌ

فيا صُنَّاعَ الشرِّ

من سيَحيْكُ عباءةَ المدى

ومن يردُّ لهذه الحقولِ أبناءَها

الشرقُ يلبسُ ثوبَ النارِ

ولا شيءَ إلا خيطُ دخانٍ

يرقصُ على خصرِ المدى

 

يا رمادَ الشِّعْرِ والكلماتِ

يا رمادَ الشعراءِ

يا رمادَ الموتِ الآتي

الشرقُ يشلحُ عباءةَ العربيةِ

وأطفالُ الغدِ يمشونَ عراةً

وكأنهم يسبحونَ لنهايتِهِمْ

في ماءِ الأبديةِ ..

 

وها أنا

أجُرُّ كل أحلامي وصَلَواتي

في طريقِكَ الرئيسِ

فالفرعيةُ ، يا الله ، اسْتَهْلَكَتْني ..

 

أخبار اخرى فى القسم