السبت 20 أبريل 2024 - 05:46 صباحاً - القاهرة

     

 

 

               

 

  أحدث الأخبار

 

 

  الأكثر قراءة

 
 
 

ما أسباب تراجع الأغنية

  ازمة صوت

  ازمة كلمة

  ازمة لحن

  غياب دور الدولة في تبني أصوات جادة


نتائج

 

 
 

الرئيسية الرئيسية التسامح بين الأديان من منظور الدبلوماسية الروحية

 

 جديد المفكر المغربي الدكتور خالد التوزاني
 

التسامح بين الأديان من منظور الدبلوماسية الروحية

  الجمعة 27 نوفمبر 2020 07:01 مساءً    الكاتب : سيد يونس




يعد المفكر المغربي الدكتور خالد التوزاني واحد من المفكرين الكبار بالمغرب والعالم العربي فهو يحمل فكر مستنير ويحمل علي عاتقه هو محاولة البحث عن رؤية مختلفة للاشياء مستندا علي رؤية وخلفية إسلامية روحانية فلسفية بشكل معاصر هو أيضا عاشق للتراث وقد صدر للمفكر المغربي الدكتور خالد التوزاني التسامح بين الأديان من منظور الدبلوماسية الروحيةصدر هذا الكتاب ضمن منشورات جمعية النجاح للتنمية الاجتماعية بمدينة العيون الساقية الحمراء، في طبعته الأولى عام 2019، وهو الكتاب الحائز على جائزة الشيخ سيدي المختار الكنتي للثقافة العالمة، والتي يمنحها مجمع الشيخ المختار الكنتي الثقافي الإسلامي بموريتانيا، ضمن فعاليات ملتقى عيون الأدب العربي الذي تنظمه جمعية النجاح للتنمية الاجتماعية، حيث فاز الأكاديمي المغربي الدكتور خالد التوزاني بجائزة الكتاب حيث يتسائل المؤلف عن لماذا لم تنجَحْ دَعَواتُ التَّقريبِ بين الأديان، ولمْ تُفلِحْ الدِّبلوماسيات الرّسمية والموزاية في تحقيقِ تَسَامُحٍ حقيقيّ بين أهلِ الديانات، وفرض تعايشٍ فاعل ومؤثّر بين مختلف الفئات المتباينة في المعتقد والملّة؟ ما العوائقُ التي تُؤَخِّرُ فَرْضَ التّسامح العالَمِيّ وحِماية أمنِ النُّفوس والأرواح التي تُزْهَقُ في كلِّ لَحْظَةٍ؟ تلكم بعض التساؤلات التي تحاول الدراسة المقترحة الإجابة عنها، انطلاقاً من مرجعية عرفانية صوفية، وتربوية وأخلاقية أصيلة، تنهل من المشترك الإنساني كثيراً من حججها وبراهينها، نظراً لأهمية الموضوع، حيث إنَّ قيمة التَّسامح ستكون أكثر إلحاحاً في المستقبل، ففي عصرنا تجري أحداث تطرّف بمسمَّيات عِدَّة، وبتوظيفٍ لعدد من الإيديولوجيات والأفكار، التي تروم فرض الهيمنة وتحقيق السّيطرة على الأفراد والشُّعوب، وباتَ الأمن العالَمي في مهبِّ الرّيح مع انتشار بُقَعِ التَّوتُّر واستمرار النّزاعات وتزايد وتيرة الحُروب على ضِفاف العديد مِن حُدود الدّول ومناطق العُبور، وهي أحداثٌ تجري في كثير من الحالات باسم الدّين، وباسم الحقّ، وترفع شعارات برّاقة، فالعُنف باسم الله، من أخطر ما يهدِّد عالمنا المعاصر، لأنَّ المتطرّف الدِّينيّ يرى نفسه صاحب الحقّ المطلق في تمثيل الله وتنفيذ شرع الله عُنوة، ومثل هذا النوع يصعب إقناعه بشيء اسمه التسامح، ومن هنا كانت الحاجة ماسّة لتأصيل دبلوماسية تسامحٍ عِرفانيّ، ينهض بقيمة التسامح. تحاول هذه الدراسة، عَبْرَ استدعاء العِرفانياتِ الدّينيةِ والأحداث التاريخية والمواقف الإنسانية، إثبات فكرة مفادها: أنَّ روحانيةَ الأديان تَمْلِكُ القدرةَ على زرع بذرة التَّسَامُح في النُّفوس، عبر خَلقِ فُرَصِ التَّواصُلِ الرُّوحي بين بني البَشَر وفرضِ احترام قَدَاسَة الإنسان، انطلاقاً من رؤيةٍ تتجاوزُ ظاهرَ الأديانِ إلى جوهرها الأوَّل وهو الإحسان إلى الخَلَق، والنَّظر إلى الآخر المُخَالِف باعتباره شَريكاً في الحَياة وليسَ مُنافِساً أو عَدُوّاً، وهذا معنى التَّسامح الذي نُنشده في هذه الدراسة المقترحة لجائزة الشيخ سيد المختار الكنتي للثقافة، حيثُ نحاول تقديم مُقترحاتٍ عمليَّةٍ تُسْهِمُ في نَقْلِ التسامح من التَّنظير إلى الممارسة، ونقل الحِوارِ الدِّينيّ مِنَ التَّعَالي إلى التَّآخِي، ومِنْ سُلْطَةِ الدَّليلِ والبُرهان إلى سُلطةِ المحَبَّة والعِرفان، بِمَا يُؤسِّسُ لتسامحٍ حقيقِيّ بينَ أهْلِ الأديان، وهذهِ الرُّؤيةُ نطلِقُ عليها "دِبلوماسية التسامح"، تَنْهَلُ مِن رُوحِ الدِّياناتِ منهجها القائم على تزكيةِ النُّفوسِ وتأليف القُلوب، وهي دِبلوماسيةٌ لا ترومُ الإقناع، أو دفع الآخر للتَّخَلِّي عَنْ مُعتقداتِهِ ومَواقِفِهِ، ولا حتَّى التَّبشير بنمطٍ مُعَيَّنٍ مِنَ التَّدَيُّن والسّلوك، بقدرِ ما تَسعى لتأكيدِ دَوْر التَّزكية في تنقيةِ العلاقاتِ الإنسانية مِنَ التَّوتُّر والقَلق ومِنْ سُلْطَةِ الذَّات ونوازِع الاسْتِعْلاء على الغَير أو اِدِّعاء امتلاك الحَقَّ أو المعرفة و التفوّق، وبذلك يمكن أن يُشَكِّلُ هذا النّمط من الدِّبلوماسية مدخلاً للوقايةِ مِنَ التَّطرُّف والعُنف، ببناءِ تسامح دينيّ وأخلاقي وسلوكي متين وعلى هُدى وبصيرة، يرى في الإنسان، أينما كان، وحيثما وُجد، بُنيان الله، لا يَجوزُ انتهاكُ حرمتِهِ أو الإساءَة إليه، بل المطلوب دوام الإحسان إليه. والمؤكد أنَّ غياب التسامح، قد يقود لحروب عالمية جديدة تهدم بُنيان الحضارة المعاصرة، وتَقضي على المدَنية وتشلّ حركة التَّواصل، "فالكراهية والتَّعصّب، يستهدفان أوّلاً، الجُسور والقناطر والمعابر، فهي أوّلُ ضحايا الحُروب والنِّزاعات، ومعلومٌ دورها وأهميتها في الوصل والتَّفاعل بين جهات ومُكوّنات أيّ مجتمع أو دولة، وما يحدث أنها تستهدف قبل ذلك ومعه المدارك والهويات الجمعية والروابط المشتركة"، ولذلك كانت الأديان – في أصلها وجوهرها- سبيلاً لتحقيقِ انعتاق الإنسان من سيطرة أخيه الإنسان، ليخضع المرء لخالقه وحده، فيحقّق الخلاص المأمول، والحُرّية المنشودة، وينخرط في إعمار الأرض وصناعة الحضارة، غيرَ أنَّ بعض أتباع الدِّيانات سَعوا في الاتجاه المضادّ، فبدل إشاعة روح التسامح باعتباره مظهراً من مظاهر احترام قداسة الإنسان، نراهم يصمّون آذانهم، ويمنعون الآخر من ممارسة حريته في التفكير، وخاصة ما يرتبط باختيار العقيدة التي يراها مناسبة له، إلى جانب توظيف الكثيرين للدِّين في المجالات السياسية والاقتصادية، لأن الجماهير تنجذب بسبب عاطفتها وانفعالها أمام الخطاب الدِّيني، مما خَلق بيئة عالمية مُشَوَّهة على مستوى التَّدين وحوار الثقافات والأديان، وهذا الوضع الشاذ أثمر قيماً مخالفة للتسامح وضد الإنسانية. قد تشتركُ دبلوماسية التسامح في بُعدها العِرفاني مع كثيرٍ من الفلسفات الإنسانية والقيم السَّامية العليا، كما قد تتقاطع مع ما هو موجود في بعض الديانات، وهذا أمر بديهيّ ما دامت هذه الدِّبلوماسية خِطاباً موجهاً للأرواح والضَّمائر وللنُّفوس السّليمة في فطرتها، تسعى لاحترام قداسة الإنسان، ومَدّ جُسور الإخاء في الله، وتأليف القُلوب، فهذه الدّبلوماسية لا تتأسّس على أيّ مصلحة دنيوية مباشرة، كما لا تسعى لفرض أيّ شيء، بل هي نموذج حياة ورؤية للكون والوجود، تقدّم نفسها وفق منظور عِرفانيّ يرى في الإنسان مركز الكون، تطوف حوله الموجودات ويطوف حولها، في حركة دائرية كلما اتَّسع مُحيطها زاد عُمْقُ المحبَّة التي يكنّها العارفون بالله لكلِّ مخلوقات الله، وضمن هذه الرؤية يُصبح الحديث عن التسامح حامِلاً كلّ هذه القيم والمعاني والدلالات ومنتجاً لقيم أخرى تُسْهِمُ في حضارة الإنسان. إنَّ دبلوماسية التَّسامح بمنظور عِرفانيّ تسعى لتأسِيس تعارف روحيّ يحترم الاختلاف، وليس من غايات هذا التَّعارف الإقناع أو دفع الآخر للتخلِّي عن معتقداته ومواقفه، لأنَّ المنظور العِرفانيّ في التَّواصل ينطلق من بعض المسلَّمات، منها: أنَّ هداية الناس، ليست من اختصاص البشر، وإنَّما هي من تفضّل الله على مَنْ يشاء من عباده، ومنها أيضاً: أنَّ الصَّواب أو الخطأ أو السَّير على الهُدى لا يعلمه إلا الله، فالحقيقة المطلقة لا يملكها إلا خالق البشر، وهذه المنطلقات العَقدية يستمدها أهل العِرفان الصُّوفي من القرآن الكريم باعتباره روح الكون ومعراج التعرّف إلى الله، حيث يقول الله تعالى: "إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ، وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ"، ويترتب على هذه الحقيقة الكونية أمور كبيرة في حياة الإنسان، وخاصّة في تواصله مع ذاته ومع الآخرين، وفي رؤيته للحياة والكون والوجود وما بعد الحياة والموت، تلك بعض معاني التَّسامح كما تحاول هذه الدراسة رصدها والكشف عن تجلياتها وامتداداتها في الفكر والسلوك. حسب المنظور العرفاني، إنَّ الإنسان لا يملك شيئا، بل هو مملوك لخالقه، وتمام الحرّية تكمن في تمام العبوديَّة لله، والتزام الإنسان بسلامة علاقته مع الخالق، وتحقيق تصالح مع ذاته، في وعي تامّ بحق الآخر في امتلاك علاقة مماثلة، لا تقل أهمية عن علاقته بربِّه، وهذا التَّقاطع في الصّلة بالله، هي التي نسمّيها ديناً، وعلى ضوئها نفهم كثيراً من الأعراف والعادات والتقاليد داخل مجتمع ما، حيث يحضر الدّين لينقل الأحداث والمواقف من طابع الفطرة والتلقائية إلى نمط التعبد المُفَكّر فيه والمنسجم مع ضوابط النصوص وحدود القوانين الإلهية التي ينبغي أن تكون المرجع الأسمى للقوانين الوضعية، فالدّين يمنح المعنى للكثير من التصرفات الإنسانية، ومنها قضية التنوّع أو الاختلاف، باعتباره حقيقة وجودية لا بدّ منها في عالَم الحياة على الأرض، ولأنَّ التنوّع موجود، فلا بدَّ من التّعامل معه بوصفه واقعاً، ومقتضى الإقرار بوجوده ربما قبوله على ما هو عليه، وتسويغ التَّحاور معه دينياً، وهذا يؤدّي إلى مجتمع متنوّع، فيه هويات ثقافية متباينة، ولكنها متصالحة ومتعايشة فيما بينها، فيكون ذلك سبيلاً لتماسك اجتماعيّ وأمن نفسيّ وروحيّ، "تنمو في ثناياه قيم الحرية والكرامة والابتكار والتقدم والسّعي لاكتشاف سُبل سعادة الإنسان".

 

أخبار اخرى فى القسم