جوكات (حكايا الدار الحمراء) للكاتبةانتصار عبد المنعم التي صدرت عن الهيئة المصرية العامة للكتاب في 2019، وعدد صفحاتها 201. رواية تاريخية بطابع خيالي وأحداثها بين الخيال والواقع، بين الماضي والحاضر والمستقبل، فتقع الرواية في قسمين:السفر الأول لعنة التكوين الذي يندرج تحته تسعة فصول، في مقابل السفر الثاني لعنة الموت الذي يندرج تحته ثمانية فصول. جاء في السفر الأول عن انتصار الرب لموسى وقومه بخروجهم من مصر وهلاك فرعون وجنده، أيضا يتحدث عن جوكات حكايا تخلف بعض اليهود عن الخروج ولجوئهم إلى التلال القريبة من مدينة جوكات، والمعروف عن اللاويين هم كهنة اليهودية(شلومو بن لاوي). أما السفر الثاني (لعنة الماء) يقف في مواجهة قدسية الماء، فهو مقدس تقديسا كبيرا وهذا ما وصفته الكتب السماوية بأنه مكان عرش الرحمان ومصدر كل حياة. رواية جوكات تخلو من الأبطال الكلاسيكية التي تعودنا عليها في مختلف الروايات الكلاسيكية، فهي رواية من الطراز الأول، وشخصياتها سواء الرئيسية أو الثانوية فهي تشترك في المكان ;أي أنها رواية مكان، فمدينة جوكات الخيالية مكان تتعلق به مصائرها ويشهد نهايتها. هذه الرواية يمتزج فيها التاريخ بالخيال الذي يقوم بتصوير خيالي تاريخي لمدينة جوكات بأسلوب روائي سائغ مبني على معطيات التاريخ، التي تعتبر بشكل أكثر مباشرة عن الواقع التاريخي ونقاط التحول لدى المجتمع والإنسان من خلال إعادة سرد التاريخ واعمال خيال الروائي في نقل الأحداث واستحضار الأسطورة والمخيلة الشعبية وموروثاتها بقوة، وأيضا تجليات الأديان السماوية الثلاثة وبعض من أسماء الأنبياء وأجزاء من سيرتهم. المعروف أن الرواية التاريخية إحياء للتاريخ لتحقيق أغراض حضارية حديثة، فالتاريخي يلتقي بالرواية في نقطة مشتركة واهتمام واحد، ألا وهو إعادة صياغة وبناء العالم الإنساني، وإن اختلفت الأنساق والأساليب، فيعيد التاريخ بناء الماضي بالبحث والتوثيق والتأريخ المتجدد، بينما تعيد الرواية بناء العالم الإنساني باستلهام الوقائع التاريخية ومنحها بعداً حكائيا. في رواية جوكات تناقش الكاتبة إنتصار عبد المنعم موضوعات وقضايا إنسانية كبرى، وهذا من خلال تأثير الخوف على الشعوب، والتجارة بالأديان على مر العصور، وأيضا قتل الأبرياء،الظلم، الفقر، الفساد، الطبقية، الحب، والحرب. تبدأ هذه الأحداث برحلة هروب بني إسرائيل من مصر، في زمن النبي موسى ، خوفا من فرعون الذي أذاقهم شرارة العذاب والهوان بعد تحذيره من قبل الكهنة أنه سيولد ذكر لبني إسرائيل وأنه سيقضى على ملكه على يديه وهذا ما جعله يتفنن في التعذيب والقتل. تأخذنا الكاتبة أيضا إلى عالم الصيادين وأهل جوكات الفقراء البسطاء وما يجنونه من أسماك وخيرات البحر، أيضا استحضرت حكايا المعذبين والمقهورين، والعائلات التي تشتت ونثرت كغبار لا قيمة له في لحظة تاريخية عنيفة ومقيتة. ثم تعود بنا الكاتبة إلى زمن البطالمة ومقتل يوليوس الهائم في حب كليوباترا، ثم قصة حبها مع أنطونيوالتي انتهت بانتحار كليهما في صحراء مدينة جوكات. تنتقل بنا الكاتبة إلى الزمن المعاصر لتذكرنا بمأساة غرق العبّارتين السلام، وسالم أكسبريس متتبعة سيرة إبراهيم أحد الضحايا الذي عاش في فقر مدقع مهمشا يعاني ظلم واستلاء شقيقه الأكبر على متجر جزارة الأب الراحل، ليعيش إبراهيم مع عائلته حياة بائسة مهمشة، بينما شقيقه الأكبر يعيش في ترف ورفاهية. بعدها نجد تتبع الكاتبة إنتصار عبدالمنعم رحلة إبراهيم ولقاء مصرعه في البحر، ليعيش ابنه يوسف اليتم والحرمان من حنان الأب. يتعلم الإبن يوسف الغوص تحت الماء لتنتهي الرواية بشكل تراجيدي حزين في وفاة الإبن يوسف. قلم رائع لدى الكاتبة إنتصار عبد المنعم عن وصف وروعة وجمال أحداث الرواية، ليستمتع القارئ بكل لحظة منها، الفكرة جميلة ذات لمسة ابداعية وأحداث مشوقة التي تحمل الكثير من المعنى تجعل القارئ يبحر بين كلمات الكاتبة،كما أنها أبدعت في سرد تفاصيل الرواية وربط الأحداث وكيفية التنقل من حدث لآخر بسبب توالي الأحداث الدرامية. أبدعت الكاتبة في صياغة الأحداث التاريخية وحققت مقولة جورج لوكاتش:"ليس إعادة سرد الأحداث التاريخية الكبرى، بل الايقاظ الشعري للناس الذين برزوا في تلك الأحداث."