الاثنين 20 مايو 2024 - 06:32 مساءً - القاهرة

     

 

 

               

 

  أحدث الأخبار

 

 

  الأكثر قراءة

 
 
 

ما أسباب تراجع الأغنية

  ازمة صوت

  ازمة كلمة

  ازمة لحن

  غياب دور الدولة في تبني أصوات جادة


نتائج

 

 
 

الرئيسية مكتبتى الروائية ياسمين مجدي تكتب عن.:الخشب والأدب رحلة من المجهول إلى التحقق

 

 
 

الروائية ياسمين مجدي تكتب عن.:الخشب والأدب رحلة من المجهول إلى التحقق

  الثلاثاء 07 ديسمبر 2021 12:08 صباحاً   




(الكتابة عن الكتابة)، تلك المحاولات لتتبع مسيرة نعتقد أنها مسجلة في الكتب، لكن الحقيقة أن هناك دائمًا كواليس ما وراء الكتابة.. رحلة قام بها كل كاتب ليصل في النهاية. الكتابة عن تلك الرحلة ومشاركتها مثل "مجموعات الدعم"، فهي تجارب نتشاركها لنعرف الأزمات والمحطات التي عبرنا بها جميعًا للتحول من مجرد هواة ومحبين للكتابة إلى أفراد ناشطين داخل الحياة الثقافية. *** "يقولون أن العمل الأول هو المولود الأول، لكنه بالنسبة لي كان الميلاد الأول. كل الذي مر من حياتي كان مخاضًا، ألم من أجل الخروج إلى نور الوجود". يكتب زكريا صبح في كتاب "مذكرات حرفي بين الخشب والأدب"، عن اللحظات التي عشناها جميعًا في الخفاء، الأسماء التي دعمتنا، لحظات الخوف، والاقتحام الأول لندوة أدبية، تردد البدايات عند إعلان أنفسنا ككتاب لأول مرة، ثم كيف سارت الحياة الأدبية بنا، من دعمنا ومن شجع وقرأ؟ مثل هذه الكتابة نواجه بها ذكرياتنا، ومعها كل اللحظات الرهيفة التي لا يعرفها غيرنا. فيخبرنا المؤلف مثلاً كيف تعرف على ندوة أدبية في بداية حياته عبر برنامج إذاعي هو "على الناصية". ويدفعنا ذلك لنفكر كيف قادتنا الصدف لأول ندوة في حياتنا. ستطرح إحدى الأسئلة نفسها في البداية عن طبيعة الشخص الذي يقدم مذكراته أو تدويناته عن رحلة حياته، درجة أهمية المنجز الذي قدمه أو المناصب التي شغلها أو شهرته، لكن في هذا الكتاب لن يشغلنا هذا السؤال، لأننا منذ صفحاته الأولى سنجد كاتبًا يعرّف نفسه كشخص عادي حالم، وسيكون هذا سر ارتباطنا بالنص، هو أننا نجد أنفسنا، شخوصنا العادية والحقيقية معه، نواصل معه الظروف الصعبة التي عبرها كي يصبح كاتبًا، لتصبح قراءة هذا الكتاب هي نوع من التعاطف مع أنفسنا، نتشارك مع المؤلف صعوباتنا والتجارب التي مررنا بها مثله، ونراه وهو يخطو ويحقق أحلامه فنشعر بانتصار وسعادة معه. من وحي عنوان الكتاب، يخبرنا المؤلف عن علاقات شديدة الحساسية بين الأدب والخشب، بين موهبته وشغفه وبين عمله لكسب الرزق، ويرصد تشابهات أخرى بين الأدب والخشب، فالاثنان يتم نحتهما من لا شيء، الأدب يأتي من خيال المؤلف قبل أن يكون شيئًا والأثاث الخشبي يتحول عن قطعة خشب عادية إلى تحفة فنية، وكلاهما يستهدف إرضاء المشتري أو القارئ ليلقوا ترحيبًا وتشجيعًا منه. يخيم شبح الموت على الكتاب من بدايته حتى نهايته، فمن الصفحة الأولى يقدم الكاتب نفسه يتيمًا تضيق عليه الظروف ويكافح لكي يعيش، وأكبر أمانيه أن يقتني كتابًا لا يملك ثمنه في طفولته. تشيع حالة اليتم بروحها عبر النصوص، لمؤلف تحمل المسؤولية مبكرًا، وجروح الطفولة لا تندمل بسهولة، وهو صاحب مجموعة قصصية بعنوان "رقصة الموت". فيقول في الكتاب: "حاولت أن أتذكر كل ما تعلمته منذ موت أبي إلى الآن. حاولت أن أستدعي كل ما تعلمته في الورش التي (اتنططت فيه) حيث لم يقر لي قرار مدة طويلة"، "وددت لو كنت من أولئك الأطفال الذين كانوا يبيتون على حكايات أمهاتهم أو جداتهم، ينامون على صدورهن، ويسمعون أصواتهن وهن يحكين الأساطير؛ فيلهبون خيال صغارهم، وأنى لي هذا، وقد وجدت نفسي الرجل الطفل الذي يعرف ما ينبغي وما لا ينبغي فعله، يعرف الصواب والخطأ وتتباهى أسرته بأنه عاقل يزن الأمور بحكمة الكبار؟" مثل هذه الصفات التي ذكرها المؤلف زكريا صبح هي بعض الغبن الذي يضفيه المجتمع على كل يتيم ويحمله المسؤولية كما لو أنه راشد، ومحل أبيه، وهي ليست تصرفات على اليتيم إتقانها برشد، لكنها خدوش داخل الروح تتخلف. أشخاص في حياته يمر الكتاب على أسماء وأشخاص في الوسط الثقافي، يكن لهم المؤلف تقديرًا لدعمهم له، مثل الكاتبة سهى زكي الذي يصفها بشعرها الأشقر المجعد ونظارتها الراقية حينما رآها لأول مرة، وكيف دعمت إبداعه ورشحته في إحدى الندوات دون سابق معرفة. لتبقى مثل هذه الشهادات، بجوار الإبداع، شهادة إنسانية عن أشخاص كانوا منذورين لخدمة الآخرين، ولم يكن التاريخ أو السير ليضيعوا ذلك. أخذنا الكتاب إلى محطات مهمة مثل أول ندوة وأول كتاب صدر له، فيقول: "إن هذا الذي ضل الطريق نيف وثلاثين عامًا قد عرف السبيل أخيرًا" يذكر ذلك عن صدور كتابه الأول، لتعبر الجملة عن رغبات المبدعين الذين يعتبروا وجود اسمهم على غلاف كتاب هو الغاية المنشودة التي انتظروا من أجلها طويلاً، صحيح أن هناك محاولات كثيرة سبقت تدشين الطوبة الأولى، لكن كل خطوة في حياة المبدع تقود إلى تلك المحطة المتوجة بصدور كتاب. تتراوح رحلة الكتاب بين الجوانب الإيجابية والسلبية لمشوار الكتابة، بين المعاناة، والإحساس بالتجاهل، والغياب عن المتن، وبين الوصول إلى إثبات الذات، والاحتفاء والنجاح، ويميل بنا الكتاب إلى الخلاف مع المجتمع الذي يفضّل الوظائف الآمنة التي تضمن العيش، رغم أن الذات لا تطمئن إلا في ضوء إيمانها بما تنشده. يعاين المبدع الناس بعيون مختلفة، لذلك نقرأ في كتاب "مذكرات حرفي بين الخشب والأدب" شخصيات قابلها المؤلف بحكم عمله في الخشب، وبدت كشخصيات أدبية تصلح لنصوص مثل السيدة في محل الموسيقى التي دعته لترميم البيانو، فيحكي عنها كأنها شخصية خارجة من فيلم أبيض وأسود راقية تتحدث بدلال الموسيقى. وهكذا أصبح عمله بمجال الخشب أو الأثاث بوابة للتعرف على عدد من الأشخاص، مثل صحفي ومذيع دعم بدايته ومسيرته، أو مثقف منحه صندوقًا مليئًا بالكتب. الندوة الأولى التي حاول كل مبدع تنظيمها، يعيدنا زكريا صبح إليها، عندما يحكي عن الجلسة التي أقامها على سطح بيتهم مع زملائه في الجامعة، بمقاعد بسيطة، هذه المحاولات الأولى لتدشين شيء مهم، حتى أنه وزملاءه تحدثوا يومها عن صالون العقاد وصالون أنيس منصور، ولم تكن محاولة منهم للمقارنة بتلك الأسماء الشهيرة، لكنها تشي بنور في الروح يحدث عندما تتحقق أشياء مدهشة يُعتقد أنها بعيدة. البعد القصصي يحكي المبدع عن حياته الحقيقية فتغلب الصياغة القصصية على أسلوبه، لا تصبح "مذكرات حرفي بين الخشب والأدب" حكايات يومية، إنما لوحات قصصية، فيقدم المؤلف وصفًا قصصيًا للخلفيات والمشاهد، ويهتم أن يحكي عن الستائر المسدلة على النوافذ و"إضاءة خافتة خلق الباب مباشرة، سفرة كبيرة إلى حد ما على يمين السائر، عليها أطايب المخبوزات وزجاجات المياه الغازية وأباريق العصائر الطازجة، سيدعون إليها في أثناء استراحة قصيرة في ندوة تمتد من السادسة حتى التاسعة أو يزيد. صالون كبير مع أنتريه كبير أيضًا، المقاعد مرصوصة بعناية وذوق تنبئ عن سيدة لديها حس فني، لن نراها أبدًا إلا من مشهد وحيد؛ فقد كانت أشبه ما تكون بمخرج عظيم يهيء المسرح لرواده، بينما لا يظهر أبدًا".كان ذلك وصف المؤلف زكريا صبح لندوة "قراءة للنقد والترجمة" وهي من أوائل الندوات التي داوم على حضورها وتعرف إليها عن طريق برنامج إذاعي هو : برنامج "على الناصية". يتواصل اهتمام المؤلف بوصف خلفيات الأحداث لأن عين المبدعين تكتب العالم وهي تعيشه، فيهتم في أكثر من موضع بالحكي عن الزجاج الشفاف لدرجة أنه يخدعه كأنه غير موجود ليدخل ويرتطم فيه، ربما أيضًا يلتفت لذلك بحكم صنعته في عمل التحف الفنية الخشبية والمنزلية. اللغة الكتاب مصنف على الغلاف كـ"مذكرات"، فهو أقرب لكونه لوحات من الذاكرة، لضمه أحداث وأسماء حقيقية، لكن من منظور آخر يقدم الكتاب لنا مجموعة قصص مستوحاة من الحياة، فهي صورة قصصية، تتكون من بداية مشوقة، ونهاية محددة بتكنيك كتابة القصة نفسه، مع لغة منتقاة رشيقة كثيفة لا تعرف أي ثرثرة إنما كلمة واحدة ووحيدة تصف المعني، لتأتي النصوص في عدد أسطر قليل، يحكي في مقدمة كل نص عن المدهش والملفت ثم يعيد سرد الحكاية كما حدثت، وهكذا تأثر المؤلف بالنوع الأدبي الذي قضى حياته في كتابته وهو فن القصة القصيرة. واتسمت لغة الكتاب إلى جوار التكثيف بالنضج، فهي لغة متخلصة من أي زوائد ومعبرة ببساطة. لا يقدم المؤلف هذه اللوحات بترتيب زمني أو بتصاعد أحداث، لكنه يقدم الكتاب كنص أدبي، فيبدأ بسرد مشاهد معاصرة، ويعود للماضي، ثم يذهب إلى شبابه، فلا يربطه خط زمني محدد. لا يسرد زكريا صبح الأحداث كوقائع، لكنه يصف كل المشاعر الملتبسة التي أحاطته، مشاعر تتقلب خلف كل حدث من الأمل والخوف والرغبة، فيحكي عن الصالون الأدبي الأول الذي أنشأه فوق السطح، خوفه من رفض أمه لدعوته زملاء الجامعة، ثم يصف احتواء أمه للجلسة وطموح أصدقائه وسعادته، دون أن يستعمل جملاً مباشرة للإخبار بذلك، إنما بذكاء يختار كلماته، مثل "وجدت إبريق ماء نظيفًا يكاد يضحك من فرط جماله، وكوب ماء، وسكرية كان سكرها من القوالب الصغيرة". هذا الكتاب يتحدث عن البدايات.. أي بدايات، وأي حلم جديد، لأنه يحكي عن بداية في صناعة الخشب، تجاور بداية في عالم الكتابة، لرجل يحكي عن سعيه للاستقلال والحصول على ورشته الخاصة، تمامًا كما يحكي عن الكتابة وأول كتاب وأول ندوة، فهو ابن عالمين ويقدمهما معًا على قدم المساواة لأن كلاهما صنع الآخر. مثل هذا الكتاب يجعلنا نواجه ذكرياتنا الخاصة عن الشغف والقلق والطريق الطويل الذي يخوضه كثير من المبدعين، ويتشاركون فيه. إنها تجربة للبوح لرصد هذا النجاح الذي حققوه، وتذكير بالبدايات المجهولة التي قادت خطوات المبدعين في طرق تثري التجارب والمشاعر الإنسانية والإصرار لكي تتم الحكايات وتُكتب، كما يجعل المبدعين الذين يبدأون الطريق يواصلوا بإيمان لأن كل طريق بدأ مجهولاً. اسم الكتاب:"مذكرات حرفي بين الخشب والأدب" اسم المؤلف: زكريا صبح سنة النشر: 2021

 

أخبار اخرى فى القسم