هانم المتولي الأعصر
......................................
شهيدة من حرب الاستنزاف
..........................................
و زي الناس ما بتحاول تعيش يومها ..
بلدنا عايشة من يومها ..
تنام بالليل ..
و تصحى الصبح من نومها اللي هد الحيل ..
سكك مشدودة من تحت البيوت الني
مهرودة بخطاوي الخلق
( رجالة .. عيال .. نسوان ..
بنات .. عواجيز ..
حمير بتشد عربيات .. )
و لا أجدع مسابقة خيل ..
بلدنا مؤمنة جدا
بإن الرزق عاشق خفة الرجلين
.................................................
و صلى الفجر متولي و رجع ع الدار
-- صباح الخير يا فطومة ..
-- صباح النور يا متولي
صباح جاي لي بأحلى نهار ..
و إيدها سابقة بالقلة .. و صرة زاد ..
و إيده بتسلت المغزل من المسمار ..
و كان طول عمره متعلق
على نفس الجدار في الدار
فقال :
( يا رب يا ستار ..
دا عمر الخيط ما علق مني و تقطع .. )
قالت له :
( خير ..
يا سيدي خاد له بلوة و غار )
................................................
فتح باب الغنم خرجت ببطء شديد ..
و كان يفتح يوماتي الصبح تتنطط
و تجري بعيد ..
كأنه العيد ..
-- يا فطومة ..
-- نعم يا أبو سعد ..
-- ما علفتيش ..
و لا وردتيش على غنمك بكوز مية ..
-- يا راجل قل كلام غير دا ..
دا أنا بعد العشا بساعة .....
-- طب أمال الغنم مالها كسالى اليوم ؟!
-- وراهم إيه ؟!
ما هم عايشين في أكل و نوم ..
-- على رأيك
و يضحك عم متولي ..
و تضحك خالتي فطومة ..
....................................
كانت هانم
تقوم الصبح من بدري ..
تبوس إيد أمها و إيده
بلدنا عمرها بتبوس
إيدين الأب و الوالدة
و إيد الجد و الجدة
و إيد الأخ لو أكبر سنة واحدة ..
لكن ليه النهاردة خصوصي
حسوا البنت موش جادة ؟!
فشدوا من شفايفها أياديهم ..
و ضحكوا لها ..
و أبوها يقول :
( يا بكاشة .. جاتك هدة )
فتضحك هانم المتولي ضحكاية
تنسيهم غنا العصافير ..
و أبوها يمشي إيده السمرة فوق راسها ..
تحوش إيده
تقول له : ( با أغير )
-- كبرت يا بت
( تضرب وشها في الأرض )
-- وسطك لف و احلويتي يا هانم ..
-- ما تكسفهاش يا متولي ..
-- أنا و عزة جلال الله
.. إذا كان لي شربة مية ع الدنيا ..
و لو وصلت لبيع الكبش .. أكبر كبش ..
ح أعمل لك فرح ما حصلش ..
-- بعيد الشر يا آبا عليك ..
-- ما فيش يا بت
واد سايب كدا .. و اللا كدا .. و اللا ..
و لو حتى أمه هي اللي
بتتولي
مصاريف أكله و هدومه ..
لفت نظرك ؟! ..
و لا واد طل في عنيك الجميلة دي
و لو طلة
دماغه لف و اتدلى على صدره
و موت نفسه على مهرك ؟!.
و رب الكون عيال عامية
-- يا راجل يوووه .. كسفت البت
-- بنهزر يا فطومة .....
-- لعلمك شوف عشان تعرف ..
ما فيش راجل و لا مراته
ما كلمونيش عليها لأحسن إولادهم
و أقول بدري
هي لسة البت راحت فين ..
......................................
و يفرح عم متولي
و يخرج بالغنم ع الغيط
جسور الترعة قدامه بساط أخضر ..
غنم تجري .. و .. غنم تاكل ..
و غيرها تمشي تتمختر
و يقعد هو يتقلب ..
في نور الشمس أو نارها
تمر عليه ساعات و ساعات
لحد ما يلتقى سكة
بتحضن ضل أشجارها
يطلع م البدن لاسمر
شوية حر و يمدد
و يتذكر ..
مطالع أغنيات للست
.. أو .. مواويل يصفرها ..
( شفايفه لما يبرمها كأنها ناي .. )
و يتغدى .. و يعمل شاي
و يستنى عريسها الجاي ..
و تقعد جنبه رافعة الراس
جميلة يا حسن منظرها ..
....................................
( كبرت يا بت يا هانم
و وسطك لف و احلويتي )
بس البنت مشغولة بحاجات تانية ..
ما يعرفوهاش
بتمشي الصبح من بدري
و طالبتهم متين مرة ما يسألوهاش ..
بتعمل إيه .. و بتروح فين ..
و بتغيب النهار كله ..
معاها بنات كتير جدا ..
ما يسألوهاش ..
لكن يا دوب
بقلب الأب كان بيحس
و من بعض الكلام بالهمس
....................................
و كان راجع من التراويح
سمع صوتها
بتحكي لأختها عن واد
ما فيش زيه ف بلدنا ولاد
إذا اتكلم بتسمع صوته في ودانها
و لا أحلى نغم عواد
دراعه جناح ملاك طاير
إذا فرده يهد بلاد و يحمي بلاد
بتسمع شهقته عن بعد لو عدى
من الشارع بدون مواعيد
و تفرح لو يبان صدره
ساعات في الغيط
فرح طفلة بلبس العيد ..
...................................
-- بتحكي عن ولد أسمر ..
( ولاد .. صحونا نتسحر .. )
......................................
و نام العم متولي
و برج ف مخه متحير
يجوز قلقان .. يجوز فرحان ..
و أول مرة كان يشعر
كأن ف راسه ميت رهوان ..
و داير لف دور و غيطان
يدور ..
مين سيد العرسان ..
........................................
( بتعمل إيه .. و بتروح فين ..
و بتغيب النهار كله )
يكونش يا واد يا متولي الولد لاسمر ..؟!..
دي لابسة عليه سواد الليل
كأنها من بقية أهله
سنة و أكتر ..
حزين يا قلبها الأخضر ..
و يا ليلها الطويل يا ليل ..
بتحجب من نهارها الشمس
.. بكاية قوي .. و كأن ..
خمسة يونيو كان بالأمس ..
( و إيه يعني ..
ما هي كل البلاد لابسة
على عيالها الهباب لاسمر .. )
............
على كل
سبب خلاه ينام و دماغه متعكر
و لا عاد همه تعمل إيه و لا تروح فين
و وياها بنات و ولاد
بييجوا من بلاد و بلاد
يعدوا الألف و الألفين ..
.................................
و تخرج هانم المتولي كالعادة
شفايفها كما الفنجان
و فيه بسمة رضا زيادة
..............................
بنات قالت :
-- لأول مرة يا خالة
بنسمع منها ضحكاية
كأنها صوت كمنجاية
ولاد الموت
بيطلع منهم الشيء اللي موش عادي
عشان نعمل عليه حكايات
حكاية تشد في حكاية
-- قالت لي مرة ياخالة
و هي بتحلف على رغيف عيش
بإنها عاشقة حد ما تعرفوش شكلا
و لا تعرف منين أصلا ..
ولد ميت على الجبهة
شهيد في الجيش
لكن صورته اللي شاداها وراه دايما
و واقفة قصادها ما بتمشيش
جابتها معانا في ( الموقع )
سامحني يا رب و حياة سعد يا خالة
عن ( الموقع ) ما تسألينيش ..
-- و كانت جنبي يا خالة ..
يا دوب بيننا .. ما فيش شبرين ..
و با أسأ