الجمعة 29 مارس 2024 - 03:33 مساءً - القاهرة

     

 

 

               

 

  أحدث الأخبار

 

 

  الأكثر قراءة

 
 
 

ما أسباب تراجع الأغنية

  ازمة صوت

  ازمة كلمة

  ازمة لحن

  غياب دور الدولة في تبني أصوات جادة


نتائج

 

 
 

الرئيسية قضايا الناقدة اليمنية د. سلام المحنش تكتب عن : اليوم العالمي ل اللغة العربية

 

 
 

الناقدة اليمنية د. سلام المحنش تكتب عن : اليوم العالمي ل اللغة العربية

  الأحد 20 ديسمبر 2020 09:35 مساءً   




إن التدفق المعرفي الذي نشهده اليوم يتطلب لغة مجاريه له و معبرة عنه، إلا أن واقعنا اللغوي، يقودنا إلى نوع من الاغتراب، وكما يقول أبو حيان: (أغرب الغرباء من كان غريبا في أهله) حتى لا نجد للغة العربية حضورا إلا في يومها اليتيم وهو اليوم العالمي للغة العربية دون أن يكون لهذا اليوم أثر في الواقع الفكري والثقافي والاجتماعي، فاللغة العربية تعيش حالة من السكون اللغوي في وسط حالة من الثورات المعرفية في شتى مجالات الحياة. وما نلمسه من انتهاك في مستوى الوعي اللغوي إنما هو نتيجة انتهاك لمستوى الواقع الحياتي الذي افضى إلى التراجع الفكري والثقافي والاقتصادي والسياسي؛ فاللغة ليست مجرد مفردات وتراكيب وإنما هي انعكاس لثقافة وحضارة المجتمع، وهي المرآة التي تعكس الأشياء بكل ما فيها من قوة وضعف ونتيجة لهذا التراجع الثقافي تتعرض اللغة العربية لانتهاك وعدوان من أبناءها قبل غيرهم وهذا قد يكون عن عمد حينا وجهل حينا آخر، وما نراه ونسمعه في وسائل الإعلام وغيرها من الوسائل المستحدثة يجعلنا ندرك مدى الانتهاك الذي طال اللغة فلا نسمع إلا مسخ من اللغة تعكس التشوه الفكري والثقافي للمتحدث بها. ويزداد هذا التمادي في الانتهاك بالدعوة إلى إحلال اللهجات العامية محل الفصحى والدعوة إلى إنشاء أقسام في الجامعات لتعليم العامية، بل ويذهب بعضهم إلى أبعد من ذلك في الدعوة إلى إحياء اللغات القديمة المندثرة والغاء اللغة العربية الفصحى. ولا بد من الإشارة إلى أن اللغات القديمة تعبر عن تاريخنا وحضارتنا في فترة من الزمن وتظل مصدر اعتزاز ودليل للشخصية العربية الفاعلة، إلا أن الدعوة لمحاولة إحياءها واستبدالها مكان اللغة العربية هو ضرب من العبث وكأن أصحاب هذه الدعوات لم يكتفوا بما آل عليه الواقع العربي من تمزق وشتات، وكان الأجدر بهم وهم أبناء هذه اللغة أن يمسكوا حجر البناء لا معول الهدم. إن القائمين على العربية في وقتنا الحاضر أمام تحدي كبير في حماية اللغة العربية وانتشالها من الضغف الذي لم تشهده في تاريخها، وهذا التحدي قد يوازي المهمة التي تحملها الاوائل من النحاة واللغويين في حماية اللغة العربية من تسرب اللحن إليها، وذلك بعد انتشارها بين الأمم، فانفتحوا على الترجمة والتعريب. فاللغة العربية في مسيرتها التاريخية انفتحت على الحضارات والثقافات المحيطة بها، فأخذت منها وأعطت مع المحافظة على كيانها مستقلا؛ ما جعلها لغة حضارية تستوعب واقعها وتنفتح على العوالم الأخرى في مفراداتها وإنجازاتها؛ فكانت لغة متدفقة بالمفردات والمعاني؛ وبوعيها لمخزونها الفكري والثقافي حافظت على جوهرها العربي الذي صنع لها حضورا ميزها عن غيرها من اللغات. إن المسئولية الأخلاقية أمام التحديات الراهنة توجب على المؤسسة العربية العمل بروح المنظومة الواحدة، والتخلص من حالة الانعزال البحثي؛ فنحن نلمس قطيعة بحثية بين المشرق العربي والمغرب العربي ثم داخل كل طرف من هولاء نجد انعزالا وعملا فرديا؛ فنحن أمام حالة مكثفة من التخبط في المجال البحثي، وافتقار للمنهجية والعمل الجماعي؛ وهذا ما يفسر تعدد المصطلحات ومعالجة كل طرف له من وجهة نظره الخاصة؛ وهو ما أثر على إنتاجية البحث العربي، وصنع فجوة كبيرة بين الثقافة العربية والثقافات الأخرى. فالمشرق العربي عنى بالتراث من تأصيل وإحياء وإعادة قراءة، والمغرب العربي انفتح على علوم الثقافات المجاورة وكان حلقة الوصل بين الدرسات الوافدة الجديدة والتراث العربي، ولابد من دمج هذه الجهود والسعي لتحقيق منجز لغوي له قيمته الفكرية والثقافية يرتقي بالبحث العربي إلى مصاف البحوث العالمية، فهو ضرورة وجودية ومطلب حضاري. إن الترجمة والتعريب مطلب أساسي لمواكبة التطور المعرفي ونقل تجارب الشعوب ومن ثم وجب العناية بهذا العلم فهو جسر التواصل والتفاعل مع الثقافات الأخرى، وقضية الترجمة ونقل المصلح لم تكن بمعزل من الانتهاكات التي طالت اللغة العربية؛ فانتهى بها إلى التخبط والإخفاق أحيانا كثيرة؛ وهذا نتيجة لغياب المنهجية العلمية في نقل العلوم والمعارف من جانب وضعف المعرفي سواء في اللغة الأم أم اللغة المنقول عنها؛حتى أن المتلقي ليجد التعامل مع اللغة المنقول عنها أسهل من اللغة المترجمة إلى لغته الأم؛ وهذا التخبط قد انسحب على مختلف العلوم والمعرفة سواء في الاكتشافات العلمية أم التقدمات الفكرية ولم يكن البحث اللساني بمأمن من هذه الإخفاقات؛ مما أخرج النص العربي عن سماته وخصائصه وأحاله إلى نص مشوه. وهنا لا بد من إدراك أن التغير قانون حياتي للحفاظ على الواقع الكوني واستمراره، والتعامل مع هذه الحقيقة الكونية يضعنا أمام ركيزتين أساسيتين هما: الحفاظ على البقاء من ناحية، والقدرة على مواكبة هذا التغير من ناحية أخرى؛ واللغة هي جزء أساسي من الإثبات الوجودي؛ فهي تتجاوز وظيفتها التوصيلية لتعبر عن الانتماء و الهوية، وتتجاوز معانيها المعجمية لتقدم سيرة ثقافية وفكرية لأبناء اللغة.

 

أخبار اخرى فى القسم