الثلاثاء 21 مايو 2024 - 04:02 صباحاً - القاهرة

     

 

 

               

 

  أحدث الأخبار

 

 

  الأكثر قراءة

 
 
 

ما أسباب تراجع الأغنية

  ازمة صوت

  ازمة كلمة

  ازمة لحن

  غياب دور الدولة في تبني أصوات جادة


نتائج

 

 
 
 

سلام عليك أيها القديس


محمد ناجي المنشاوي
السبت 07 أغسطس 2021 05:55:52 صباحاً



في مطلع التسعينيات، استضافتني القناة السادسة في حلقة تدور حول شاعرنا الجميل آخر ظرفاء مصر كما نعته الكاتب يوسف الشريف وكان للحلقة صدى مؤثر ونجاح محمود، فطلبت مني معدة الحلقة مروي عدلي أن تعد حلقة حول شاعر آخر من أبناء الدلتا لأتحدث عنه واتفقنا على أن تكون الحلقة حول (عبد الرحمن الخميسي) ومرجع اختياري له أنه على اتساع تجربته وشمولية موهبته لايكاد يعرف عنه الجمهور المصري سوى دوره العبقري كممثل في فيلم الأرض وظلت صورته في أذهاننا ثابتة عند هذا الدور ولم تبرحه ولايعلم الكثيرون انه كان فنانا شاملا فهو الشاعر والصحفي والمخرج والإذاعي والفنان التشكيلي وصانع النجوم ومكتشف المواهب والقاص البارع، وبدات أعد لهذه الحلقة فأرسلت إلى نجله الكاتب الكبير الدكتور أحمدالخميسي وطلبت منه مايعينني من كتب حول والده والحق انه لم يتوان بل ارسل لي طردا بريديا يعينني على تلك المهمة وشرعت في القراءة وجمع المعلومات وأصبحت مهيأ لتقديم الحلقة ولكن أتت الرياح بما لاتشتهي السفن فللأسف وقعت بعض الوقائع الشخصية وطالت وشغلتني أمور كثيرة حالت دون تسجيل هذه الحلقة ومنذ ذلك الحين وانا أشعر بالذنب والتقصير نحو هذا الفنان الشامل الذي ولدبقرية منية النصر بمحافظة الدقهلية في الثالث عشر من نوفمبر سنة 1920 لأب فلاح يعمل بالزراعة وفيه عفوية الفلاح وخشونته اما الأم فكانت حضرية من بورسعيد وكان هذا التناقض بين الريفي والحضرية سببا في الانفصال مبكرا وفي سن السادسة انتزعه أبوه من أمه ليعيش معه بمنية النصر وإرسله ابوه إلى مدرسة بقرية الزرقا (مدينة حاليا) و استأجر له غرفة ليقيم فيها وحيدا وهوفي السابعة مفتقدا لحنان الأم فذاق مر الوحدة وهذه النشأة ولدت شعوراعميقا بالوحدة ممانتج عنه كما يروي يوسف الشريف إدراكا مبكرا بأن حياة الإنسان بين يديه وحده وأن عليه أن يصنعها بنفسه ومنذ ذلك الحين حفر الألم والتأمل والعطف بالمساكين والأخذ بيد الضعفاء والضائعين أخاديد عميق في قلب الخميسي وضميره فكان عطاؤه بلا حدود ومن يقرأ كتاب (عبد الرحمن الخميسي القديس الصعلوك) ليوسف شريف سوف يقف عند محطات متشعبة ومتنوعة في حياة الخميسي يمتزج فيها الضحك بالبكاء وبعضها تفجر البكاء ولايجد المرء حيالها إلا الإصابة بالدهشة والإعجاب والحزن والحسرة وان ترسل دموعك حزنا على ماواجهه الخميسي من محن ومآس ويذكر يوسف الشريف أن أصدقاء الخميسي وتلاميذه ومريديه قد خلعوا عليه القديس وكان دوما عند حسن ظنهم إذكان ناصع بياض القلب محبا للناس وخاصة أكثرهم ضعفا وضياعا وحاجة للمساعدة، مقاتلا جسورا وعنيدا وقاهرا للمستحيل ويصفه بقوله انه كان نموذجا للرجال النادرين الذين يصعب الوصول إلى قممهم الشاهقة لكأنه ماركة مسجلة للأصالة والتميزغير قابلة للتقليد أو التزييف، أما عن مشواره السينمائي فقد قام الخميسي بدءا من عام 1965 بإخراج أربعة أفلام كتب قصصها وحواراتها وشارك في إعداد السيناريوهات ووضع الموسيقى التصويرية لها وأنتج ثلاثة منها هي : الجزاء، وعائلات محترمة والحب والثمن ثم أخيرا، زهرة البنفسج عام 1972، وتقول عنه الناقدة السينمائية خيرية البشلاوي أن الخميسي اختار أن يصور في أفلامه أعماق حياة الناس العاديين مباشرة من خلال وجودهم الاجتماعي في العمل والحب واللهو في كل مكان وقال عنه كامل زهيري :قد عرف جيل الأربعينيات الخميسي شاعرا فذا جياشا متدفقا مجددا بدأ مبكرا في مجلتي الرسالة والثقافة، وهو ابن المدرسة الرومانسية المتجددة مع موجة على محمد طه ومحمود حسن إسماعيل وطاهر أبوفاشا وعبد الحميد الديب ويقول عنه صديقه اللدود الساخر محمود السعدني : إن الذي سيبقى من الخميسي في النهاية هو شعره العظيم القديم الذي كتبه قبل أن يتحول إلى شاعر واقعي وسيبقى منه أيضا دورالشيخ يوسف في فيلم الأرض وكذلك دور إسماعيل بيه في مسرحية عزبة بنايوتي وتبقى تحفته الشعبية الرائعة (حسن ونعيمة) وتبقى أيضا قصة عبد الرحمن الخميسي نفسه قصة الفنان الذي تحاصره ظروف أقوى من إرادته وأعتي من طاقته ولكنه يقهرها جميعا ويرسم خيري شلبي للخميسي بورتريه في مجلة الإذاعة والتليفزيون فيقول عنه : وجه فلاح مصري معجون بقشدة بندرية لونه كانعكاس الشمس على شواشي السنابل كالشاي بالحليب كالفطيرالمشلتت محمر بنار الفرن مدهون بالزبد، جبهة منحولة من الأمام كربوة الساقية يحفها شعر كالحلفاء المحترقة كسور مزروع فوق أسلاك شائكة في مدخل جنينة ريفية فيحاء تنثر من فيضها قطوفا طائبة سائبة تعرض نفسها لمن يطلبها من المارة لكم تساقطت من هذا الرأس أفكار عابرة تناثرت في عرض الطريق وهي الثمينة النادرة ، ولأن لكل رحلة من نهاية انتهت حياة القديس في موسكو منفاه الاختياري بعد غربة دامت خمسة عشر عاما ليعود جثمانه إلى مصر ليدفن بمقبرته بمدينة المنصورة في الأول من أبريل عام 1987 مخلفا وراءه كما هائلا من الذكريات الجميلة والإبداعات الرائعة في شتى ميادين الأدب والفن والإنسانيات فقد كان شاعرا فحلا وكاتبا مرموقا ومترجما أمينا وقاصا وروائيا ومؤلفا مسرحيا وإذاعيا وسينمائيا وموسيقيا ومذيعا كما كان صعلوكا جميلا ومزواجا ومغامرا ومتلافا وبوهيميا وأكولا ومحدثا ومهزارا وراوية وسميرا وظريفا لايشق له غبار، تحية ليوسف الشريف الذي قدم لنا هذا الكتاب النادر عن الخميسي مصورا حياته دون زيف أو رتوش جعلنا نعيش مع الخميسي ونرافقه في كل محطاته، وسلام عليك أيها القديس