الجمعة 17 مايو 2024 - 06:52 مساءً - القاهرة

     

 

 

               

 

  أحدث الأخبار

 

 

  الأكثر قراءة

 
 
 

ما أسباب تراجع الأغنية

  ازمة صوت

  ازمة كلمة

  ازمة لحن

  غياب دور الدولة في تبني أصوات جادة


نتائج

 

 
 
 

من دفتر أحوال مسرحنا الشعري


محمد ناجي المنشاوي
السبت 21 أغسطس 2021 06:57:41 صباحاً



كانت مصر سباقة إلى معرفة الفن المسرحي قبل غيرها من الأقطار العربية الشقيقة إذ عرف الفراعنة ذلك الفن الراقي منذ آلاف السنين، أما في العصر الحديث فقد تعرفت على شكل من أشكال تطوره إبان الحملة الفرنسية على مصر (1798 _ 1801) وذلك من خلال ماكانت تعرضه الحملة لجنودها من مسرحيات لتسليتهم فيما عرف بالنادي الصغير (تيفولي)، صحيح هبطت إلى مصر بعض من الفرق الشامية لتقدم عروضها التي لم ترق إلى المستوى الفني المسرحي الحقيقي فقد كانت عروضا يمتزج فيها الجد بالهزل والرقص والتنكيت والحوار كان مزيجا من لهجات ولغات مختلفة وكل ذلك لم يكن له هدف إلا تسلية رواد تلك الفرق وتزجية أوقات فراغهم، ولكن ماإن سافر شوقي إلى فرنسا وكتب مسرحيته الشعرية (على بك الكبير) ففتح بها فتحا عظيما لفن عظيم ومن المعلوم أن الخديو توفيق أهملها تماما ولم يعرها أدنى اهتمام حتى أنها فقدت وتوقف أحمد شوقي عن الكتابة في المسرح الشعري حتى قبيل وفاته بسنوات قليلة فعاد إليه وأعاد كتابة على بك الكبير من جديد تحت عنوان (فيما هي دولة المماليك) ثم توالت مسرحياته الشعرية تتري واحدة تلو أخرى فيما عدا (أميرة الأندلس) التي صاغها نثرا وكان التاريخ هو العربي والإسلامي والفرعوني هو المنبع الذي يمتح منه شوقي وينتقي أفكار مسرحياته إلا مسرحية (الست هدى) الاجتماعية وقد أسس شوقي بمسرحياته الشعرية لونا جديدا في أدبنا العربي ومهد السبيل لغيره فصار رائدا للمسرح الشعري بلا جدال فحذا بعد ذلك حذوه الشاعر عزيز أباظه وإن لم يقدم جديدا يضاف لخطوة شوقي الواثبة في هذا المضمار، على أية حال فقد ولد مسرحنا المصري شعريا لحما ودما على مابه من هنات وثغرات ومواطن ضعف دعت الشعراء المصريين في الأجيال اللاحقة إلى تجنبها وتصويب أخطائها وتقويم إعوجاجها وتصحيح مسارها نحو الاتجاه الصحيح بناء على قواعدها الفنية السليمة إذ أدركت الأجيال اللاحقة أهمية هذا الفن فلم تقف عند التلقي الانطباعي بل عكفت على دراسته في نصوصه العالمية ومدارسه النقدية وانطلقت بوعي عبر مواهب مصقولة بالقراءة والدرس والتحصيل والتمحيص فقدمت لنا نصوصا مسرحية شعرية تجسدت شخوصها على مسارح الدولة المصرية الرسمية وغير الرسمية َوكان في صدارة هذه الأجيال جيل الستينيات وعلى رأسه صلاح عبد الصبور في ليلي والمجنون ومسافر ليل ومأساة الحلاج والأميرة تنتظر وغيرها وكذلك عبد الرحمن الشرقاوي في وطني عكا والحسين ثائرا والحسين شهيدا والفتي مهران وبرزت أسماء آخرين في قطار الشعراء المسرحيين ليقدموا مسرحا شعريا مثل أنس داوود ومحمد إبراهيم أبو سنة وأحمد سويلم وأصبح لكل واحد من هؤلاء أسلوبه المميز واتجاهه المحدد ة ملامحه ويذكر الدكتور محمد عنان ملاحظة طريفة إذ يقرر أن المسرح الشعري العربي قد نضج وتألق في الوقت الذي تراجع فيه المسرح الشعري الأوربي فقد شهدت الحركة المسرحية الشعرية المصرية نشاطا ملحوظا وجرت دماء هذا الفن في عروق شعرائها فانطلق كل شاعر يجرب في هذا اللون تجريبا جادا أثمر عن تجارب مسرحية شعرية غاية في الجودة والإتقان لأولئك الستينيين الذين ذكرتهم آنفا وكأن قرائحهم كانت على موعد واحد لتتفتق عن هذا الإبداع المسرحي فقد ارتقى على سبيل المثال صلاح عبد الصبور مرتقي فنيا عاليا لايقل عن إبداع الشعراء لأوربيين الكبار بل قد يتفوق عليهم أحيانا ولم يتوقف المسرح الشعري المصري عند تخوم جيل الستينيات ولكنه مضى في طريقه يمخر في عباب محيط المسرح الشعري ليقهر عواصفه ويروض أمواجه العاتية ففي أواخر السبعينيات هل علينا شاعر يكتب شعرا رومانتيكيا خالصا بروح جديدة لفت نظر القراء وبخاصة الشباب منهم فالتهموا دواوينه وحفظوا أشعاره ورددوها في نواديهم صباحا ومساء إذ عبر عن مشاعرهم بلغة امتازت بالبساطة والوضوح ولكن كان يكمن في ثنايا أشعاره نفس درامي عميق وهم وطني وقومي واجتماعي يتردد بين أنفاس مفرداته وصوره ولهذا لم يكن من المستغرب ولا المستبعد أن يخرج علينا ذلك الشاعر الكبير فاروق جويدة بمسرحياته الشعرية التي فجرت مشاعر قومية كانت قد طويت وعششت عليها العناكب وأصابها النسيان فكانت مسرحيتاه (الوزير العاشق) و(دماء على أستار الكعبة) قنبلتين مسرحيتين شعريتين هزتا الوجدان العربي الممزق والتائه في خضم الفرقة بين أبناء العروبة والتنازع بينهم الذي أغري ذئاب الاستعمار بالتربص بهم لتوسيع مساحة الشاحن والبغضاء بينهم ليلتهم كل فريسة على حدة ومن أطلق فاروق جويدة صرختي تحذير من مغبة تلك النزاعات وما ستخلفه من عواقب وخيمة وقد حققت هاتان المسرحيتان الشعريتان نجاحا كبيرا ودويا وصخبا أزعج الوجدان العربي الساكن إلى حين، وبالطبع هناك شعراء مسرحيون آخرون كثر كمهدي بندق وصفاء البيلي وعماد قطري وغيرهم لايتسع المجال للحديث عنهم على أهميتهم في تاريخ المسرح الشعري الحديث، ولكنني أناشد مسؤولي المسرح في مؤسساتنا الثقافية المصرية أن يقولوا اهتماما خاصا بهؤلاء الشعراء المسرحيين ويبثوا الروح في نصوصهم المسرحية التائه أو المنسية في أضابيرهم التي لاتحرر تلك النصوص الأسيرة إلا بشق الأنفس، فإلي متى يظل الجمهور المصري المحب للمسرح الشعري محروما من رؤية هذه النصوص على مسارح الدولة؟