السبت 11 مايو 2024 - 01:56 مساءً - القاهرة

     

 

 

               

 

  أحدث الأخبار

 

 

  الأكثر قراءة

 
 
 

ما أسباب تراجع الأغنية

  ازمة صوت

  ازمة كلمة

  ازمة لحن

  غياب دور الدولة في تبني أصوات جادة


نتائج

 

 
 

الرئيسية تقارير الباحثة أمينة الطنجى تكتب عن : " ظلال وخلجان " لربيعة ريحان

 

 
 

الباحثة أمينة الطنجى تكتب عن : " ظلال وخلجان " لربيعة ريحان

  السبت 23 مارس 2019 11:41 صباحاً   




 

" ظلال وخلجان " أول مجموعة قصصية القاصة المغربية ربيعة ريحان عام 1994 م، وتعد الكاتبة أحد الأصوات الإبداعية النسائية البارزة في المشهد الأدبي المغربي، حيث استطاعت في بداية مسارها الإبداعي أن تلفت الأنظار إلى أعمالها، على من رغم حداثة عهدها بالكتابة، من خلال مجموعتها "ظلال وخلجان"، وأن تجد لها مكانا بين باقي القاصات المغربيات المعاصرات.

أحرزت الكاتبة  بمجموعاتها هذه، على شهادة ميلادها كمبدعة في المجال القصصي ، من قبل الكاتب السوري المعروف "حنا منا"، الذي وصفها بالكاتبة المبدعة، و لعل هذا ماأثار حماسي لقراءةالمجموعة، فعزمت الغوص في ثناياها السردية، بحثا عن  أصداف مكنوناتها، وسيرورات أحداثها، وبناء وقائعها، ساعية إلى ذلك من الظاهرة ( فينومينا) الى الشيء في ذاته ( النومينا) أي من الخارج الى الباطن.

1- في العنوان والغلاف

"ظلال وخلجان"، مركب اسمي من وحدتين دلاليتين، "الظلال"جمع "ظل"بالكسر،وقيل هو الضوء الثاني  وهو الحاصل من مقابلة المضيء بغيره، وقيل هو الضوء الثاني الحاصل من مقابلة الهواء المضيء، ثم للظل مراتب كثيرة متفاوتة بالشد والضعف، وطرفاه النور والظلمة ، وهو دلالة إيحائية على وجود الشمس أو النور الذي ينعكس معه الظل فيوحي بتواجد كثرة الضوء وقوته، ومن زاوية أخرى، هو الظل والفيء في وسط الحر، أي دلالة على الراحة والاسترخاء .

  الخلجان:جمع خليج وهو امتداد من الماء متوغل في اليابس ، وهو أثار على وجود الماء، الذي هو أساس الحياة،والواو التي تربط الوحدتين، أداة"العطف" تكثف دلالة حركة الطبيعة،وما يمكن أن توحي به للمتلقي، من أجل اكتشاف الرؤية التخيلية للمؤلفة

 - محمد التهانوي ،موسوعة كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم ، تحقيق  محمد علي دحروج، جزء 2 ، الناشر مكتبة ناشرون، 1996 ، ص 1149 .

 - قاموس المعاني/www.almaany.com/ar/dict/ar-ar-

   - المرجع السابق نفسه الرؤية التخيلية للمؤلفة.

 

 العنوان "ظلال وخلجان" بوظيفته الفنية ، يمثل مدخلا جماليا، يمهد لسمةشاعرية التي تحكم هذه المجموعة، وتسري في مفاصلها، وتؤكد على اختيار الكاتبة لعدتها البنائية لقصص المجموعة، فكلمة ظلال أصغر حجما من كلمة خلجان، وهي إشارةدالة على وجود الأمل والنور والحياة، ضمن المجموعة القصصية النابضة بالفعل الوجودي للإنسان، أما خلفية العنوان، فتكسوه صفحة مقسمة إلى قسمين، قسم عن اليمين أبيض اللون يمثل مجموعة من الأوراق بيضاء مرتبة، يعلوها اسم الكاتبة ربيعة ريحان، والقسم الاخر عن الشمال، رمادي اللون  تظهر كف معلقة في الهواء تسحب ورقة من تلك الأوراق المرتبة، وهذه الخلفية الرمادية تجعل الصورة في كليتها ترمز إلى الضبابية وغموض الأقدار، والحزن، وهي كلها قضايا تلاحق الإنسان. والمجموعة القصصية هي تلك الورقة التي قامت الكفبسحبها من مجموعالكتابات الابداعية التي تعدهاالمبدعة المغربية ربيعة ريحان .

2- عتبة المدخل :

«عندما مر ظلها الذي يسبقها فوق الخلجان الرملية الصغيرة » ، انطلقت القاصة بهذه الجملةالحاملة لمعاني كثيرة لتواجد الكلمتين معا "الظل والخلجان"، و"الهاء" الضمير الذي سيصاحبنا طيلة القصة، المليئة بالانزياحات والحركة، مع هيمنة المكان والزمان، بحضورهما المكثف في جميع قصص المجموعة، وشارعت القاصةفي انتقائها الدقيق لعناوين مجاميعها القصصية  (كلام ناقص – مطر المساء –أجنحة الحكي – شرخ الكلام – مشارف التيه – بعض من جنون ..)، كعتبات دالة تختزل حرصهاعلى رصد المكامن الخفية، والأغوارالدفينة، و المجموعة القصصية الأولى(ظلال وخلجان)، أبانت عن مدى الثراء اللغوي الذي تتميز به من تعبيرات عميقة باذخة بالإيحاءات، وتكشف عن التباس دلالاتالمعاناة.. والحزن.. والقهر.. الطفولة.. والجسد.. والمرأة.. والرجل.. والتحرر.. والعالم الهامشي والزمن والمكان.

3 –زمكانية البوح في المجموعة القصصية :

            1-3 – في الزمن :

 خلال طوافنا في مدارات المجموعة القصصية أفقيا وعموديا، على مستوى مختلف بنياته وأنساقه السردية؛ ونحن نحاول الامساكبعضا من حدوده الثاوية، التياستطاعت القاصة  أن تعتمد عنصرا الزمان والمكانكركيزة أساسية في عمليتها السردية كما سنرى.

 يجد القارئ لهذه المجموعة في بنياتها اللغوية،والسرديةـ وفضاءاتها الزمكانية، لغة فنية/ شاعرية تلمح أكثر مما تصرح.. والمؤلفة توظف العلامات ونخص تحديدا، "الزمن"، الذي يعني ساعات الليل والنهار،كما قال عنهالرازي"أنه كالحركة له معنيان: أحدهما أمر موجود في الخارج غير منقسم، وهو مطابق للحركة، بمعنى الكون في الوسط أي بين المبدأ والمنتهى، وثانيهما أمر متوهم لا وجود له في الخارج" ، وتعددت تعريفات الزمان بين الفلاسفة، والمفكرين، إلا أن النقاد كادوا يجتمعون على أنه مجرد حقيقة سائلة، لا تظهر إلا من خلال مفعولها على الشخصيات" .

وفي "المادة الحكائية "يحمل زمن الخطاب، بتجليات تزمين زمن القصة وتمفصلاته، وفق منظور خطابي متميز ، وعرفه هيدغر بأنه "المعدود الذي ينكشف في المتابعة التي تعد العقارب المتنقلة وتستحضرها ، وهو نفس التعريف الذي أعطاه أريسطو، للزمان بكونه المعدود في الحركة التي تعرض في أفق السابق واللاحق "

 يقوم كل من الزمان، والمكان في المجموعة بوظيفة دينامية كوحدة متصلة لخدمة السرد، حيث اقتدرت الكاتبة أن تروضهما طوع إرادتها، حيث تقول «تسمع صوته العميق مبادرا باقتراحه المسائي، تتخيل وقفته، ويده اليسرى على البكرة، والذراع اليمنى مرفوعة للأعلى، والكف الكبيرة القوية مبسوطة، تنظر إلى لوح الباب العريض، وإلى الشق الأسفل، ظل خفيف ينعكس على الأرضية تلك قدماه متباعدتان، ينقر بأصابعه تسمع الطرق، يتهيأ قلبها للخفقان، تفتح الباب بعد إلحاحه العجول، قامته الفرهاء تسد الفراغ، تلمح القلق والشوق في ظل عينيه الحزينتين، تبادله النظر، تشدها الغضون العميقة، ملمح مدمن نبيل أول مسهد يمضيان معا في ظلمة الظلال التي خالطتها صفرة الانوار» ، والمقطع يستدعي التوقف لكي نستحضر الزمان، الذي  يقدمه بنيفست في مفهومين مختلفين: من جهة الزمان الفيزيائي للعالم ، وهو خطي لا متناه ، وله مطابقته عند الانسان ، وهو المدة المتغيرة، وهو الذي يقيسه كل فرد حسب هواه وأحاسيسه وإيقاعات حياته الداخلية . وهناك من جهة ثانية الزمان الحدثي (temps crenique) وهو زمن الاحداث الذي يغطي حياتنا كمتتالية من الأحداث ، وهو الحاضر زمن تواجد الساردة، في زمن السرد المتحرر من جمود القيم الواقعية، وفي ذلك تكمن إحدى أهم أسرار وجمالياتالقص وسحره عند ربيعة ريحان، فهيتكسر رتابة التتابع الممل لمسيرة الزمان وبطئه وتسويفه،بإعطاء سيرورة غامضة للأحداث .. مفتوحة على تأويلات متعددة حسب الدرجة الجمالية للمتلقي.

تستعين الكاتبة في سرد الاحداث على حدود الزمان المروي في سرد أفعالها وخطاباتها الداخلية، فضلا عن ذلك، كانت تجربتها الزمنية توضع مقابل تجربة الشخصية الثانية المصاحبة لها في القصة، فتكون هي الرهان في اللعبة  مع الزمان ،

- محمد التهانوي ،موسوعة كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم ، ت  محمد علي دحروج، جزء 2 ، ط الأولى، 1996 ، الناشر مكتبة ناشرون ،  ص 911

 -محمد التهانوي ،موسوعة كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم ، ت  محمد علي دحروج، جزء 2 ، ط الأولى، 1996 ، الناشر مكتبة ناشرون ، ص 912

 - انظر سعيد يقطين ، تحليل الخطاب الروائي( الزمن السرد ، التبئير)،الطبعة الثالثة 1997 ، الطبع والنشر المركز الثقافي العربي،بيروت لبنان، ص89 .

 - مارتن هيدغر، الكينونة والزمان، ترجمة، فتحي المسكيني، دار الكتاب الجديد المتحدة 2012 علي مولا ، ص 716

  - ربيعة ريحان، ظلال وخلجان، دار تينمل مراكش، عام 1994 ، ص 9 .

 - سعيد يقطين ، تحليل الخطاب الروائي( الزمن السرد ، التبئير)،الطبعة الثالثة 1997 ، الطبع والنشر المركز الثقافي العربي،بيروت لبنان، ص64

وهذا ما نلمسه  في نصها«يجيئني، كل مرة أقرأ في عينيه سؤالا عن آخر المرحلة، يطرق الباب طرقات خفيفة في البداية، ينقر بأصابعه، أسمع الطرق، أرفع عيني نحو مجاز الحجرة وأواصل اتصفح أوراق الكتاب اللامعة تحت ضوء المصباح الأبيض الخافت» ، من خلال هذا الاستدعاء، يتمدد الزمان عند القاصة، وهو الذي قال عنهأريسطو " ليس الزمن بذاته شيئا ولا وجود له إلا بالنسبة للأحداث التي تجري فيه " .

2-3– في المكان:

يمثل المكان في المجموعة "الركن الذي ينسحب الانسان إليه، ورغم ضحالة هذا التعبير، فهو يحوي صورا عديدة، بعضها قد يكون نشأ منذ العصور البالغة القدم، إنها صور ذات سيكولوجية بدائية، لهذا يظل الحال أنه كلما كانت الصورة أكثر بساطة، اتسع الحلم " وهو ما يجلِّيه هذا الوصف«فإذا وصل قمة التل، التفت الى البحر وراءه، فتبدو المنارة مجللة بحمرة الشفق، ويبدو شريط الزبد الأبيض حدا فاصلا بين الرمل والماء، وفي أقصى الأفق يخيم ضباب رقيق على هياكل البواخر، فتبدو مجرد ظلال هندسية في لوحة بديعة، حين يتبدى له كل ذلك، تتضارب في نفسه مشاعر الحنين من جديد، وتهتز أعماقه أسى وحسرة، ثم لا يلبث أن يواصل السير بصبر وأناة عبر تلك المنعرجات، وذهنه لا يزال مشدودا لمشهد البحر ساعة الغروب» ، لقد عبرت الكاتبة عن المكان في المجموعة، "كعنصر مكون للصورة الفنية، باعتباره هو ذلك المكان الأليف {- البيت – المدينة – البحر – السوق – الجبل -الطريق – مكان العمل –...}الذي فيه تولد وتمارس أحلام اليقظة التي تتشكل في الخيال" ، فالمكان عند ربيعة ريحان يكتسب ملامح نفسية جديدة، متآلف مع حلمها المخبوء وتفاصيل عالمها، وهنا يمكن أن نستحضر مقولة باشلارعن المكان«هو ذلك الركن الذي يحقق لنا أمرا نقدره عاليا، السكون، وهو الركن المجاور لسكونيتي، إنه وعي كوننا في حالة سلام، وهو إحساس يشع سكونية» ، ولذلكفالمكان عند القاصة يكتسب ملامح نفسية جديدة .

يشكل المكان في المجموعة القصصية " ظلال وخلجان " العلامة الدالة على مرور الوقائع اليومية، يطغى عليها صفة الانتظام؛ فالعمل الأدبي حين يفتقد المكانية فهو يفقد خصوصيته وبالتالي أصالته ، وهو في الخطاب القصصي يشكل المادة الجوهرية للخطاب، إلى جانب المكون الزمني؛إذ أي إقصاء لهما إنما هو إلغاء لهوية من هويات هذا الخطاب.

 

 

- بول ريكور، الزمان، السرد، التصويرفي السرد القصصي، تر، فلاح رجيم، جزء 2 ، الطباعة دار الكتاب الجديد المتحدة 2006 ، الناشردار أويا ، طرابلس ـ ليبيا.

 - ربيعة ريحان، ظلال وخلجان، دار تينمل مراكش، عام 1994، ص 14

 - مجلة العالم والفكر العالمي، العدد الرابع خريف 1988، تصدر عن مركز الانماء القومي ـ  لبنان

 - غاستونباشلا، جماليات المكان، ترجمة، غالب هلسا، الطبعة 2 / 1984، الطبع والتوزيع، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، ص 133

 - ربيعة ريحان، ظلال وخلجان، دار تينمل مراكش، عام 1994، ص 25

  ـ غارسيوباشلار، جماليات المكان ، ص 6

 - المرجع نفسه ، ص 133.

 - المرجع نفسه ، ص 6 .

3-3 :البوح في المجموعة

تنطلق القاصة من ضفاف أنثى، لتجول عبر الشواطئ، والطرقات، والأسواق، ثم تعود لتحط في الأخير،بميناء أنثى. وهذا يبدو واضحا في قصة "ظلال وخلجان "وهو العنوان الذي سميت به المجموعة،ونقرأ في هذا النص «انتظرته طويلا، غزلت في برودة الليالي فتائل الوحدة المديدة ، استمسكت بالصبر والأحلام، لكنه ظل بعيدا، ضائعا في ضفاف التيه السحيقة. قال إنه ذاهب وسيأتي ورأته يرحل مع الشمس، مأخوذا بوهج بريق جاذب، لكنه أبدا لم يأت.. وظلت هي تنتظر على أبواب البحر، الرجل الذي دوى رأسه هنا بانفجارات مكتومة ترمد، ذهب من فرط لوعته يطرق باب المجهول، لكن العالم المخدر الغريب جعله ينسى، وأومأ لها من هنا منذرا بالهجران، حاسما ، مدمرا كل بارقة أمل » ،فمغادر الحبيب الى مكان مجهول واحساس الساردةبالوحشة وهي تنتظره، مكنالقاصة من إعطائها كل لحظة قوية وكل مشهد إطارا زمكانيا، "ذلك أن الكاتب  أكثر تنبها الى العلاقات التي توجد بين الشخوص التي يبدعها، والعالم الروائي الذي يحيط بهم، فهو يقيم الديكور الذي يتحرك أبطاله داخله، لكي يتيح للقارئ أن يراهم رؤية جيدة" ، وعند ربيعة ريحان يمتزج تفاعل الجسد والروح ليتشكل نصها الإبداعي، من أجل إيصال الى القارئ كل ما تريد.

افتتحت  الكاتبة مجموعاتها " ظلال وخلجان " بتأملات ونبرات حسية تطغى عليها تيمة البوح، فهي التي تريد أن تنطلق وتحلق، باحثة عن حلم جميل وبعيد؛ لكنه موجود في مكان ما، وزمان ما، وعلى إيحائهما شيدت عالمها القصصي، الذي يحمل حكاياهصوت الإنسانية الممثل في الأنثى،ورصدها لقضايا اجتماعية مختلفة، تشهد بها عناوين المجموعة التي تشير إلى دورات الحياة المتنوعة، بأفراحها وأحزانها، ومسراتها ومعاناتها، وتقلبات الحالة النفسية والاجتماعية للإنسان السوي، وغير السوي، ولكنها في كل الحالات تشير إلى شخصيات متطورة ومتحولة تنتقل من حال إلى حال.

تحمل المجموعة القصصية صورا دلالية على ما تحمله الأنثى من ترسبات تتراكم عبر فصول أعمارها، فكان البوح متنفسها الوحيد الذي عبرت من خلاله عن رغبتها في الانطلاق والتحليق؛حين صرخت على لسان الساردة«أرفض ترمد أرفض الانحدار إلى المهاوي الساحقة...» ، وعبرمستويات التمرد، والثورة، تفتقت هذه التجارب، وشقت طريقها وانفتحت الكاتبة على قضايا اجتماعية معينة معتمدة في ذلك على جرأة واضحة؛ لتكتب عن الرجل والمرأة، وتحكي عن همومهما النفسية والعاطفية، هموم الرغبة والتجاهل ، الحب والكتمان، الميل واستنكاف، وهموم الذات المجروحة بحصار الكبت الاجتماعي والحصار النفسي مما يجعل منها -في نظرنا – منخرطة في درب طويل بسراديب مختلفة، سارت في إحداها المصرية نوال السعداوي« كان نائما على جنبه الأيسر ، ظهره ناحية الحائط وجهه ناحيتي، التاريخ فوق الحائط يشير الى عام 1956 ، قشعريرة باردة تزحف الى جسدي، ذاكرتي تعود الى السطح بالتدريج، اخرج من بطن الأرض جزءا جزءا، أصحو فوق شيء يهتز ، جفوني ثقيلة، أفتحها بصعوبة التاريخ فوق الحائط ثابت عند عام 1956، النافدة مفتوحة بدون زجاج ولا شيش، الهواء البارد ينفذ الى جسدي، وأنا راقدة فوق ظهري، أسناني تصطك ارتجف بالحمى، في حلقي غصة وفي انفي رائحة دم، عينايتدوران فوق الجدران، المكان غريب لم أراه من قبل، الحائط بلا طلاء لونه أسود تعلوه بقع أكثر سوادا، الشقوق في الجدران تشبه الشقوق في الأرض يتدلى من السقف سلك كهربائي فوقه ذباب أسود، الرجل نائم الى جواري فوق السريرالعريض من الصاج الأسود، عيناه مغمضتان والزمن لا يتحرك، التاريخ ثابت عند عام 1956 بالضبط يوم 23 يوليو 1956، اشد جفوني لأصحو، عيناي مفتوحتان  من قبل ثم أغمضهما لحظة واحدة طول الليل، كنت أفكر في الهروب، كيف أهرب وإلى أين؟ » .

وسارت في أخراها الجزائرية أحلام مستغانمي«واكتشفت في المناسبة نفسها، أنني ربما كنت الوحيد الذي لم يترك خلفه سوى قبر طري لأم ماتت مرضا وقهرا، وأخ فريد يصغرني بسنوات، وأب مشغول بمطالب عروسه الصغيرة...لقد كان ذلك المثل الشعبي على حق " إن الذي مات أبوه لم يتيتم.. وحده الذي ماتت أمه يتيم"...وكنت يتيما، وكنت أعي ذلك بعمق في كل لحظة فالجوع الى الحنان شعور مخيف وموجع، يظل ينحر فيك من الداخل ويلازمك حتى يأتي عليك بطريقة أو بأخرى  »،إنه السرد النسائي الذي يفجر معاناة المرأة أينما وجدت، لذلك أرسلت الكاتبة ربيعة ريحان في المجموعة القصصية رسائل انتقادية للذات، وللآخر، وفي بوحها استطاعت أن تكشفعن زيف خطاباتنا وسياساتنا وأوهامنا المزيفة والمتناقضة في مجتمعاتنا العربية، وفي هذا السياق ندرج ما جاء على لسانها في حوار أجرته معها مجلة اتحاد كتاب الأنترنيت المغاربة ::«على المرأة أن تكتب  وتبوح في شرط ثقافي معين، وتثير الكثير من القضايا الخلافية، وتدخل مدارات الأسئلة الساخنة، فذلك تحد محسوب لها.» .

            إن المطلع على هذا المتن القصصي يفهمتنوع قضاياها السردية، وتيمتها، ومنظورتاها، وطريقة توليدها للحكايات التي تجسدها؛وهي تدور في مجملهاحول انشغال واحد هوالنبشفي القضايا الاجتماعية المعقدة،فالمجموعة ظلال وخلجانتعبير عن التخييل الأنثوي بصورة مشوقة، وعبرها لم تكتف القاصة برصد معاناة الأنثى فقط،ولكنها تصور العالم الواقعي بشتى أطيافه الاجتماعية، و هو الشغف الشديد عند ربيعة ريحان للكتابة عن المختلف.

[1]- نوال السعداوي، أوراقي حياتي، الطبعة 2 ، الناشر دار الآداب السلسلة 2005 ، ص 5 .

[1]- أحلام مستغانمي، ذاكرة الجسد، الطبعة 15/ 2000 ، دار الآداب ، بيروت، ص 27

[1]- ueimarocains.wordpress.com/2013/05/27/

صور اخرى
 

أخبار اخرى فى القسم