الأربعاء 08 مايو 2024 - 06:36 مساءً - القاهرة

     

 

 

               

 

  أحدث الأخبار

 

 

  الأكثر قراءة

 
 
 

ما أسباب تراجع الأغنية

  ازمة صوت

  ازمة كلمة

  ازمة لحن

  غياب دور الدولة في تبني أصوات جادة


نتائج

 

 
 

الرئيسية مكتبتى منير عبيد يكتب عن: رواية "لعنة ميت رهينة" للدكتورة سهير المصادفة

 

 
 

منير عبيد يكتب عن: رواية "لعنة ميت رهينة" للدكتورة سهير المصادفة

  الثلاثاء 03 نوفمبر 2020 05:37 مساءً   




لعنة ميت رهينة لا يمكن بأي حال من الأحوال أن نغفل أهمية عنوان الرواية " لعنة ميت رهينة" إذ إنه المفتاح الأساسي في سبر أغوار النص السردي، وهو العتبة الرئيسية التي تقود الدارس أو القارئ إلى أعماق النص. ولقد أولت الدراسات الحديثة في نظريات القراءة وجماليات التلقي ودلالات النص أهمية كبرى لعنوان النص، لا يمكن الاستغناء أو غض الطرف عنها. يحيلنا الشق الأول من العنوان "لعنة" إلى قصة افتتاح مقبرة توت عنخ آمون عام 1922 التي اكتشفها عالم الآثار البريطاني هوارد كارتر، وبدأت بعدها سنوات من العذاب والوفيات في ظروف غامضة بدت كأنها انتقام الملك ممن أزعجوه في مرقده. أما الشق الثاني من عنوان الرواية "ميت رهينة" فهو يشير إلى مدينة منف التي كانت عاصمة مصر في عصر الدولة القديمة وكانت فيها عبادة الإله بتاح ومكانها الحالي في مدينة البدرشين ويطلق عليها الآن قرية ميت رهينة. ومنذ الوهلة الأولى يتشوق القارئ إلى معرفة قصة هذه اللعنة التي حلت في أقدم عاصمة ليس في مصر فقط بل العالم بأسره، والتي لا تحدثنا عنها كتب التاريخ. تقدم لنا الكاتبة سهير المصادفة في "لعنة ميت رهينة" عملًا روائيًا يكشف عن التحولات الاجتماعية والاقتصادية والحضارية ومساراتها من خلال معالجة فنية ورسالة فكرية ورصد التطور في بيئة المجتمع وتفسير الحاضر كي نتمكن من استشراف المستقبل. وهي رواية يصنع أحداثها عدد كبير من الشخصيات المنتمية إلى ثلاثة أجيال من أسرتين هما: أسرة الثري السعودي وأسرة عبد الجبار الفلاح المصري الفقير. يبدأ الصراع المحرك لجميع أحداث الرواية بوصول أدهم الشواف السعودي الفاحش الثراء، الذي ينتمي إلى أسرة كبيرة في الحجاز، ويمتلك شركة مقاولات ضخمة ترك إدارتها لموظفين من جنسيات مختلفة أغلبهم من المصريين، في صبيحة يوم ربيعي عام 1975 إلى قرية ميت رهينة الهادئة التي طالتها يد الإهمال ويعيش أهلها دون حد الكفاف عيشة بسيطة. في ذلك الصباح كان عبد الجبار يسير مطوحًا ذراعيه القويتين وهو يفكر كيف سيكسب عشرة قروش فقط، وفي ذات الوقت كانت عيناه السوداوان تبحثان عن مخرج وتنبشان الأرض عله يجد كنزًا ذهبيًا مخبئًا منذ آلاف السنين ينتشله من هذه البلاد الفقيرة التي لا يجد فيها النفر رغيفًا يغمس به الفجل والمش. كان عبد الجبار أول من التقى الغريب وتحدث معه وعرف منه أنه جاء في رحلة ليزور دهشور ولكنه تاه عن المرشد السياحي. كانت عينا عبد الجبار سارحتين في الفضاءالبعيد خوفًا من أن تمر هاجر فيراها صائد الجمال كعادة الغرباء الذين يأتون إلى ميت رهينة ليأخذوا بناتها الصغيرات إلى ما وراء البحر الأحمر. لكن القدر كان له بالمرصاد. ورأى أدهم هاجر الفاتنة الهادئة ابنة عم لطفي مرجيحة الرجل الفقير العجوز البذيء اللسان. وينبهر بجمالها ويطلبها من أبيها الذي كاد يفقد صوابه عندما رأى عبد الجبار يلقي بكومة من أوراق البنكنوت كان أدهم قد أعطاها له ليشتري خروفًا حين شعر بالجوع مما أذهل عبد الجبار لأن المبلغ كان يكفي لشراء ثلاثة قراريط من الأرض. اتفق أدهم الشواف مع لطفي مرجيحة على شراء عشرين فدانًا، هي مهر هاجر من زمام أرض إبراهيم باشا الشرقية وأنه سيبني عليها مكان العشة التي تعيش فيها مع أبيها قصرًا به عشرون غرفة. كذلك أغدق الأموال بلا طائل على أبيها. عند هذه النقطة يبدأ الصراع الدرامي الذي يقودنا إلى النتيجة الحتمية وهي اللعنة التي ستحل بميت رهينة، إذ يصبح الثراء هو الشغل الشاغل لعبد الجبار، الثراء بأي طريقة ومن أي جهة كي يثأر لحبه الذي انتزعه منه الغريب بماله. لم يكن تحقيق الثراء أمرًا صعبًا في عصر الانفتاح العشوائي المفاجئ. فاتجه عبد الجبار إلى التجارة وجلب البضائع من بورسعيد حيث المنطقة الحرة لبيعها في القرية. وأصبح خلال أقل من عام الأكثر ثراء ومهابة وقوة. بل إنه في سبيل تحقيق حلمه بالثراء كان يحضر لأدهم كل ما يطلبه من بور سعيد. وفي إحدى المرات طلب منه أدهم أن يدق له في أرضه أكثر من طلمبة مياه. وهنا يقسم الأهالي بأغلظ الأيمان أن فأس عبد الجبار اصطدمت أثناء الحفر بباب صخرة مزين بنقوش.....حدثه قلبه أنها طلاسم مرسومة عليه....زحف عبد الجبار إلى داخل المقبرة، ونهب كل المصنوعات الذهبية من تماثيل لكباش، وأجساد بشر متقنة النحت ....ثم ردم باب المقبرة ثانية وغطاه بالصخور وذهب ليحفر الطلمبة في مكان آخر. تحقق حلمه بالثراء إلى أبعد مما كان يتصور. كان نبش المقبرة إيذانًا بحلول اللعنة. فقد فشل أدهم الشواف في أن يجذب أنظار نخبة المثقفين المصريين الذين كان يلتقيهم في قهوة ريش بالقاهرة، ولم يحفلوا بشعره وأصبح مكسور الخاطر. ثم اعتل بدنه وأخذ وزنه يتناقص بسرعة حتى كاد يختفي. وعبثًا حاول عبد الجبار أن يعثر على باب المقبرة مرة ثانية حتى كاد يجن ولجأ إلى الشيخ برهامي عله يفك تعاويذ باب المقبرة ولكن هيهات! ثم كان اللقاء الأخير بين الخصمين أدهم وعبد الجبار. فحين سأله أدهم :" عم تبحث في أرضي ياعبد الجبار، هل تظن يا جاهل أنني لا أعرف أنك تتسلل إلى أرضي كل ليلة ؟" فصاح عبد الجبار في وجهه :" ومن قال لك أنها أرضك؟ ما أعرفه أنها أرض جدودي، فأنا لم يلعب أحد في أصلي، وجدودي تركوا لي ما في بطنها منذ آلاف الأعوام، وسأحفر فيها كما أشاء حتى أجد ما أبحث عنه". صحيح أن ما حدث لأدهم الشواف تتشابه أعراضه مع حالات الوفيات الغامضة لبعض أعضاء فريق كارتر بسبب إزعاج الفرعون في مقبرته. بيد أن هذا الحوار الأخير بين أدهم الشواف وعبد الجبار يجعلنا نتسائل هل كانت بداية اللعنة التي حلت بميت رهينة، عاصمة الدولة القديمة والتي ترمز إلى مصر كلها، مع بداية عصر الانفتاح الذي أصاب الناس بسعار الثراء فجعلهم يتاجرون بتراث الأجداد وبكل نفيس في بطن أرضها وبتملك الأجانب أراضي مصر بدعوى تشجيع الاستثمار؟ على الأرجح ستكون الإجابة بنعم. فمع الانفتاح المادي بدأت قيم المجتمع تتوارى وأصبح الفردلا يقيَم بماله ولا بعلمه أو عراقة أسرته أو كرم أخلاقه وإنما بما يملك من ثروة. دون أن يعرف أحد مصدر هذه الثروة أو يكلف نفسه بالسؤال عنه.فعلى سبيل المثال كان عبد الجبار تسعى العائلات الكبيرة لاصطياده كزوج لإحدى بناتها. ونجحت عائلة القاضي في تزويجه صغرى بناتها هند. أنجبت هاجر لأدهم الشواف ابنتها ليلى التي درست في الجامعة الأمريكية بالقاهرة واستهوتها الحياة على الطريقة الأمريكية بحداثتها وتحررها. فنشأت مشوشة ثقافيًا فلا هي سعودية تمامًا ولا هي مصرية تمامًا ولا هي أمريكية تمامًا. وأحبت رجلًا أمريكيًا من أصل مصري هو الدكتور نور الدين مؤلف الموسيقى الإلكترونية. كان هذا الحب بالنسبة له علاقة عابرة لا إلزام فيها بالزواج. فتلقت ليلى صدمتها الحضارية الأولى. ثم أنجبت ابنة أسمتها نور. كانت طفلة مشوهة جسديًا ونفسيًا. وكانت تكره أمها. وكانت تتلصص عليها حينما كانت تلتقي عشيقها مايكل. كذلك كرهت أباها. لكنها أحبت جدتها هاجر، وقد عشقت منذ طفولتها الباكرة الكومبيوتر ولم تكن لعب الأطفال تروق لها على الإطلاق. لم يكن لها أصدقاء سوى صلاح ابن خادمة كانت تعمل لدى أسرتها. كان صلاح يحب نور ويلبي لها كل ما تريد أن يفعله، وكان على يقين من أن لا أحد أحبه مثلما أحبته نور. وكانا يقضيان أمسيات طويلة وهما يسخران من أهلهما وأهل القرية والوزراء والمطربين والممثلين والرؤساء والزعماء والمدرسين. كان صلاح مصرًا على دراسة التاريخ في كلية الآداب فقد كان على قناعة بأنه ربما وجد في دراسته وتدريسه مخرجًا من أزماتهم ومشكلاتهم. أما زميله خالد فقد آثر كلية الطب وتخرج فيها، لكنه ما لبث أن وجد في الدعوة سبيلًا إلى الثراء فهجر الطب وأصبح داعية ثم شق طريقه إلى التطرف متذرعًا بالدين. واشتعلت نيران التطرف في القرية واغتصبت سارة شقيقة مايكل سمير عقابًا على زواجه من ليلى. لم يكن اختيار سهير المصادفة لقرية ميت رهينة عشوائيًا. فهي كما أسلفنا عاصمة الدولة القديمة ولكونها قرية فإنها ترمز إلى الزراعة التي قامت عليها الحضارة في مصر القديمة وعبر آلاف السنين. ولقد نجحت ببراعة سواء بالدلالات اللغوية أوغير اللغوية في تشخيص المرض الذي أصاب نسيج المجتمع المصري منذ بداية عصر الانفتاح العشوائي الذي أخل بدعائم المجتمع وأخلاقياته بحيث لم يعد المصري يجد غضاضة في بيع تراث مصر ومؤسساتها ومصانعها ومتاجرها....ميت رهينة تشكل معلمًا هامًا في تطور الرواية المصرية وتحتل نفس أهمية ثلاثية نجيب محفوظ من حيث قيمتها الفنية والاجتماعية والسياسية.

 

أخبار اخرى فى القسم