الاثنين 29 أبريل 2024 - 09:51 صباحاً - القاهرة

     

 

 

               

 

  أحدث الأخبار

 

 

  الأكثر قراءة

 
 
 

ما أسباب تراجع الأغنية

  ازمة صوت

  ازمة كلمة

  ازمة لحن

  غياب دور الدولة في تبني أصوات جادة


نتائج

 

 
 

د . محمود نسيم

الظاهرة المسرحية الآن ............... د.محمود نسيم .............. يمتلك المسرح مقومات المشروع الثقافى ومكوناته الأساسية من حيث الانتشار الجغرافى وتعدد الأشكال والوظائف وتراكم الخبرات وتفاعلها واجتذاب أعداد متنامية من شباب المبدعين تضاف سنويا بشكل منتظم إلى التجربة المسرحية على مستويات متعددة تشمل الكتابة والنقد والإخراج والفرق والتقنيات وتكوين الجماعات المسرحية فى العاصمة (الفرق الحرة) وفى الأقاليم (نوادى المسرح). ورغم انحسار ظاهرة المسرح وتراجعها وإخفاقاتها المتوالية، إلا أن المسرح ظل محتفظا على الأقل بوجوده الرقمى، محققا – بدرجات معينة هى الأقل الآن – دوره وتأثيره. ويمكن – بتوصيف أولى ومجمل – رصد الظاهرة المسرحية فى نقاط محددة: على المستوى الرقمى ، هناك ما لا يقل عن ألف مسرحية يتم إنتاجها سنويا من خلال مؤسسات الدولة والمجتمع المدنى ابتداء من العروض التى تنتجها وتقدمها وزارة الثقافة فى العاصمة والأقاليم والمحافظات المختلفة من خلال البيت الفنى للمسرح وقطاع الإنتاج الثقافى والهيئة العامة لقصور الثقافة، امتدادًا إلى العروض المقدمة فى مراكز الشباب والجامعات والشركات والجمعيات والمدارس ، وصولا إلى عروض الفرق الحرة والجماعات المسرحية المستقلة، فضلا عن الأنشطة والفعاليات المرتبطة بتلك العروض مثل المهرجانات والملتقيات المسرحية والمسابقات والندوات النقدية ولجان المشاهدة والتحكيم، وغير ذلك، مما يكون فى مجمله حالة زخم ثقافى وفنى متصلة بالعروض وممتدة إلى التفاعلات الجماعية التى تتيحها مشاهدة المسرح وتكونها صانعة تراكما فى الخبرة واتصالا فى التجربة. هذا العدد التقريبى الذى أرصده الآن هو ما ظلت تجربة المسرح محتفظة به رغم انكسارها وتراجعها – كما أشرت – مما يدل على أنها تمتلك مقومات وجود ذاتى وطاقة دفع كامنة. مع الاتساع العددى والانتشار الكمى هناك تنوع فى الأشكال المسرحية ما بين بناءات المسرح التقليدى والعروض المستمدة من الظواهر التراثية وفنون الفرجة الشعبية، والتجارب التى تسعى – مستلهمة التقنيات التجريبية – إلى الإضافة والابتكار، إلى جانب العروض الصغيرة المكثفة فى نوادى المسرح وتجارب مسرح الشارع والأماكن المفتوحة. مع هذا التنوع الثرى والمركب فى الأشكال والصياغات المسرحية ، هناك حركة أجيال لافتة ، فالمسرح من أكثر الفنون الآن اجتذابا إلى الأجيال الشابة مع وجود نسبى لأجيال الوسط (بالمعنى الزمنى) وتراجع واضح فى إنتاج الجيل الأكبر (بالمعنى الزمنى أيضا). تنوع الأشكال مع حركة الأجيال الشابة المتدافعة إلى المسرح طامحه إلى طرح رؤيتها المغايرة من على منصاته، هو ما يضيف أبعادا متعددة لظاهرة المسرح ويجعلها من أكثر ظواهر الثقافة المصرية الراهنة حضورا على المستوى الكمى، وتشابكا مع قضايا الواقع وتحولاته. مع هذا الاتساع العددى والتنوع الفنى والاتصال الزمنى فى حركة أجياله ومبدعيه، إلا أن وظائف المسرح – وتلك هى النقطة الأساسية التى أود التركيز عليها الآن – تكاد أن تكون غائبة ومنعدمة ، أو متراجعة ومنحسرة إذا أردنا توصيفا مخففا ومراوغا، وهذا يعنى أن ظاهرة المسرح موجودة على المستوى الكمى ولكنها غائبة كليا على المستوى الوظيفى، فالعروض قائمة والميزانيات معتمدة ومرصودة لها، وخطط المواسم موجودة فى الأوراق الدائرة بين المكاتب والأدراج، ولكن الدور غائب والوظيفة مفتقدة مما يجعل المسرح ، فى جزء أساسى منه الآن، نشاطا ورقيا حبيس إدارات عاجزة وعقول نمطية ومعطلة. وربما جاز لى هنا أن أستعير جملة "جمال حمدان" التى أراد بها توصيف مصر متوصلا إلى أنها "رأس كاسح وجسد كسيح" ومع الاستعارة أجرى تحويلا عليها لتصبح دالة على الصورة الكلية للمسرح الآن ، فهو – أى المسرح – جسد كاسح ورأس كسيح، بمعنى وجوده المتسع والمتعدد وامتداده الجغرافى وانتشاره فى المراكز والمواقع والمؤسسات المختلفة مكونا جسدا ممتدا ومتشعبا، ولكنه مع ذلك جسد معطل وغائب، موجود بشكل آلى بقوة دفع ذاتية ، متراكمة وموروثة، لا يتعدى حدود خشبة العرض إلى الصالة والشارع والتفاعل مع جمهوره النوعى وأداء وظائفه التى تبرر وجوده. إصلاح الرأس الكسيح وإعادته إلى مساره الصحيح هو الانتقالة الحتمية الواجبة الآن، بمعنى ضرورة وجود رؤية علمية وخطوات وإجراءات منهجية مدروسة تستهدف مراجعة تجربة المسرح وصياغتها بحيث تحقق وظائفها وتؤدى أدوارها ، خاصة وأن المسرح فن مدنى نشأ مع المدينة (أثينا) ونما وتطور وامتد مع ازدهار المدن وتناميها، وهو لذلك فن قائم على المواطنة يؤسس لها وينمى معطياتها، فضلا عن كونه فن التعدد والاختلاف وبالتالى فن الحرية والنسبى، كما أنه يؤكد الوجود المشترك والهوية الجماعية، وتلك ضرورته وربما شرط وجوده. وهنا، تكمن أهمية أن يعود المسرح إلى طبيعته محققا وظيفته من حيث كونه فنا مدنيا قائما على المواطنة مبنيا على التعدد والاختلاف والحرية، مثيرا ومكونا لأسئلة الجماعة الوطنية، أى ضرورة أن يعود إلى المسرح مشروعه التحديثى.

مقالاتة